بعد انتهاء عصر أم الفقير" الندابة " التي كانت تقود عمليات لطم الخدود وشق الجيوب بالأجر نيابة عن أهل الميت، وبعد اختفاء ظاهرة المخبرين الذين كانوا يتخفون في الجلباب القصير والمعطف الأصفر ويجلسون على قارعة الطريق وفي زوايا المقاهي يتلصصون ويفتشون عن حركة الفكرة في ضمائر الكتاب والصحفيين قبل أن تواجه طواغيت عصر الخداع والزيف من خلال الصحف المثقوبة. ظهر مؤخرا بديل واحد مطور( ثلاثة في واحد) للندابة والخباص والمحرض ممثلا في صورة مخبر صحفي مهندم ( شيك على بياض ) يتكفل بأداء دور ثلاثي المفعول يشمل الرجم بما في العقول والسب والردح واستعداء السلطة على من يشتم فيه رائحة الدين أو الغيرة على الوطن أو يضبط متلبسا في مقالاته باستخدام مداد التعبير الحر أو كشف مخطط التوريث، فيتكفل المذكور بوسم كل أصحاب الأفكار والرؤى الأمينة التي يطرحونها بالتخلف والرجعية والتآمر. والحقيقة أن انقراض هذه النوعية من المخبرين والنداهات لم يكن إلا نتيجة حصولهم على مواقع وظيفية مرموقة في الصحافة المصرية الحكومية جعلت بعض الأقزام يناطحون أسنام الجبال، وبدا المشهد المعتاد لرئيس التحرير في بعض الصحف والمؤسسات الكبري أشبه بالنملة التي تتعثر في جلد الفيل، فسنت أقلام ودبجت مقالات لا تخلو من الوقاحة والسماجة وتتفوق في ثقل ظلها وضلال توجهها على كثير من إفرازات الحشرات والقوارض التي لا تتغذى إلا على رائحة الدم. الأمثلة الحية: لم يكد يظهر في أيدي القراء عدد صحيفة الدستور الذي يتصدره عناوين ساخنة للحوار الموسع على ثلاث صفحات للكاتب الكبير الأستاذ هيكل عن الآلية التي تعمل على تنفيذ سيناريو توريث الحكم في مصر، واستعانة النظام بشارون لتمرير مهزلة قتل الناخبين في الانتخابات البرلمانية- حتى انبرت في أعقابها أقلام صحيفة روز اليوسف وبعض الصحف الحكومية الموجهة تلهث مولولة في وصلة ردح مفضوح مكتوب ضد الصحفي المحترم في ثلاث صفحات بالتمام والكمال على يد من ليس له علاقة بالكمال. وقبلها بأيام معدودة- وما زال العرض مستمرا حتى اليوم- ، لم يكد الكاتب الصحفي الدكتور أسامه الغزالي حرب( رئيس تحرير السياسة الدولية) يقدم استقالته من لجنة السياسات بالحزب الوطني، ويعبر عن رأيه في الانسحاب من الجو الفاسد الذي شبهه بأجواء الحزب الشيوعي السوفييتي السابق حتى خرجت نفس الجوقة المعروفة بولائها المشبوه في مهاجمة شرفاء الوطن من الإخوان( أثناء الانتخابات) إلى أسرة المعارض الصلب الدكتور أيمن نور ( بعد نجاحه الملموس في انتخابات الرئاسة ) وهذا جزاء كل من يخالف رأي سادتهم. إن كيل السباب للمعارضين وتحريض مؤسسات الدولة عليهم والخبص وتلفيق الاتهامات ليست من قيم الصحافة الحرة الشريفة التي تعبر عن ضمير الشعب وتحمى ثروته من الهباشين واللصوص، والشعب المصري ما زال توابع نخر الصحافة الحكومية في قيم المجتمع، وعلينا أن تواجه هذا السرطان اللاأخلاقي الذي تغلغل في مهنة كرمتها شعوب الأرض وجعلتها السلطة الرابعة. إن هذا التهريج الإعلامي أشبه باللعب بالنار في الوقت الضائع، وغدا لن ينفع الندم عندما ينقلب السحر على الساحر. [email protected]