أبداً لن تكون مصر رجل العرب المريض، كما كانت تركيا في نهاية الحرب العالمية الأولى! .. نعم.. فالوصف الذي اطلقه القيصر الروسي نيكولاي الأول على الدولة العثمانية (رجل أوروبا المريض) ظل يرن في أذني ويعشش في ذاكرتي منذ سنوات المعرفة الأولى،.. وكان التساؤل الملحّ: هل تمرض الدول؟.. وتموت الامبراطوريات وتورث؟.. وكانت اجابة «التاريخ» واضحة لا لبس فيها، فالدول تمرض وتضعف.. وتهزل وتذهب قوتها ويخور بأسها، فتصبح مطمعا للكلاب قبل الأسود. فكم من امبراطوريات انهارت،.. وكم من ممالك سقطت، وكم من دول اضمحلت قواها وذهب بريقها بعد أن كانت تحكم ما وراء حدودها، وها هي تركيا بعد ان كانت تبسط سيطرتها على شمال افريقيا كله، تجد بريطانيا وفرنسا وايطاليا تتسارع كل منها لأخذ نصيبها من (تركة الرجل المريض) دون أن تتمكن (الاستانة) من ابعاد الذئاب عن ممتلكاتها. تذكرت قصة (رجل اوروبا المريض) بعد ان بدأت القصص تنسج اليوم حول نفوذ مصر الذي انتهى، وقوة مصر التي تلاشت، وقرار مصر الذي فقدته القاهرة، وأصبح فجأة وقد بدأت تتقاذفه أياد كثيرة،.. هذا الذي يتردد مؤلم لكل مصري وطني، يعرف قيمة مصر، ويدرك قامتها، ولديه «مجرد» اطلاع على مجريات التاريخ، ومعطيات الواقع، وحقائق الجغرافيا. .. فمصر لم تتوسع جغرافيا.. حتى تضمحل الآن! .. ومصر لم تحتل اراضي لدول اخرى حتى تنكمش عنها اليوم! .. ومصر لم تبسط نفوذها الديني او الثقافي على شعوب دول اخرى، بل لعبت دورا قدريا تجاه الامتين العربية والاسلامية، بحكم وجود الازهر، ودور العلم الاخرى، وتوافر العنصر البشري. .. وما يحدث اليوم هو ان «مصر» تعرضت «لهزات» اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية.. قوية، لها اسبابها العديدة، وكان اهمها تراكم وتكالب ثالوث الدمار: الفقر والجهل والمرض على مدى عهود عديدة، فوصلنا الى ما نحن فيه الآن. ونحن قادرون - بإذن الله وعونه- وبوقوف الشرفاء الى جوارنا، من تجاوز «المحنة» التي نمر بها، ونحن نثق تماماً بأن «اخوتنا» الشرفاء الذين وقفوا الى جانب «المحروسة»، في محنتها، لم يفعلوا ذلك طلباً لنفوذ سياسي يمارسونه على «القاهرة»، او مصلحة اقتصادية قد تنتقص من مصالح مصر، او تدخُّل «سافر أو غير سافر» في شؤونها الداخلية، او فرض وصاية على ارادة شعبها. فالمحنة ستندحر، .. والأزمة ستنحسر، .. والظروف ستتغير، وستبقى المواقف يذكرها التاريخ الذي لا ترحم ذاكرته الحديدية أحداً. عاشت «مصر» حرة.. أبية.. مستقلة.. وليخسأ كل من يفكر لحظة في سلب ارادتها أو تجويع شعبها .. او الحصول على «نصيبه» في تركة «الرجل المريض».. فما كنا.. ولا كان!! وحفظ الله مصر وشعبها من كل سوء.
حسام فتحي عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. twitter@hossamfathy66