* أول خبر قرأته السادسة والربع صباح اليوم 112011م هو تفجير أمام كنيسة القديسين في الإسكندرية تسبب في ضحايا بين قتلى وجرحى ، ولم يكن الخبر مفاجأة لي ولا لكثيرين من المهتمين بالشأن العام ؛ خاصة ممن هم أرسخ علمًا ، وقنوات المعرفة أمامهم أكثر بحكم المناصب والإمكانات التي تحت أيديهم ، وإلا - على سبيل المثال - ما طلب الأمن بحسم تقديم مباراة الأهلي والزمالك يومًا واحدًا من 31 إلى 30 ديسمبر 2010م حتى لا يشغله أي شيء عن تأمين ليلة رأس السنة ، والتي يحتفل بها عندنا سائحون وأتباع المذاهب الكنسية الغربية ، ومع ذلك حدث مثل هذا الانفجار ، وظننا أنه لن يكون الأخير - وإن كنتُ على ثقة بلا حدود أن رجال الشرطة المصرية قادرون بتوفيق الله أن يقطعوا الأصابع السوداء والذراع الأسود الذي يتحرك بالدم الأسود الذي يضخه القلب الأسود والضمير الأسود من هنالك وهناك وبعض شرايينه هنا ! * نسبة العمل إلى ما يسمونه " تنظيم القاعدة " عليه تحفظٌ تام من كاتب هذه السطور ؛ فقد اُخْتُرِعت هذه العبارة المعَلَّبة لاستخدامها ساعة اللزوم ، ومن أهدافها الكبرى تشويه الإسلام عمومًا وضرب مفهوم وفلسفة " الجهاد " خصوصًا ؛ فأعداؤنا البعيدون والقريبون والأقرب يعلمون جيدًا أن السلاح ، لا أقول المعادل - لأن من يقول هذا فهو مختل الإيمان بلا شك - الأقوى لمواجهة جميع ألوان الأعداء ، هنالك وهناك وهنا ، هو الجهاد في سبيل الله ، وأعداؤنا يعرفون بامتياز قوة الفتك الأشرس في هذا السلاح في أي مواجهة حضارية واعية بين أصحاب الجهاد وأعدائهم ؛ لذلك هم يستميتون ليل نهار ، وصباح مساء في حذف آيات الجهاد من كل مناهج التعليم في العالم الإسلامي بجهاته الثماني ؛ فانتصاراتهم المتوالية في كل مجال ستظل قائمة مادام الجهاد يرادف الإرهاب في كل وسائل الإعلام هنالك وهناك ثم هنا خاصة ! * إن جهادنا في سبيل الله من أجل حضارة النوع الإنساني كله ؛ يعني على سبيل المثال تحرير عقل ووجدان الإنسان الأمريكي البسيط من غسيل والمخ وتسميم الضمير الذي تقوم به الحكومة الخفية الحاكمة هنالك ، والتي تجعل العيش الأمريكي بلا روح ، معاديا لله بلا وعي ليل نهار ، وصباح مساء ، ويتحركون في الزمان كأن الدنيا بلا آخرة ، وكأن الحياة بلا حساب ، وكأن المستقبل بلا مصير ! * والجهاد في سبيل الله ليس حنجرة عالية وسيفًا وراية مرفرفةً مكتوب عليها " لا إله إلا الله محمد رسول الله " كما تصور بعض الأفلام والمشاهد الساذجة المفتعلة ؛ إن الجهاد في سبيل الله هو استجماع طاقات الأمة كلها في جميع المجالات لنكون أقوياء تعليميًّا وثقافيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا داخل إطار من القوة العسكرية داخل الحدود وخارجها ؛ شعارها المقدس : " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ، ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لاتعلمونهم الله يعلمهم "! * والمجاهدون في سبيل الله بهذا المعنى ليس عندهم حلٌّ ثالث بعد الانتصار أو االشهادة ، الانتصار في المدرسة والجامعة ، والانتصار في الكيمياء والفيزياء والأحياء والرياضيات ، واللغات والعلوم السياسية والاقتصادية والنفسية والاجتماعية وممارسة الرياضة - لا الفُرْجة عليها من مدرجات الشتيمة وقلة القيمة - لنكون أمة بحق ، لها مكان ومكانة مستمدة من قوة الواقع لا هيبة التاريخ فقط ؛ خاصة أن الأعداء الجدد لا هيبة عندهم إلا للقنبلة المدمرة والعُمْلَة التي تشتري السلطة والنفوذ ، والنساء والخمور ولوازمهما ، أما المتاحف والحضارات فيدوسون عليها بكعوب البيادة ويطعنونها بالسونكي بلا تردد ولا ندم ، والذين يدوسون ويطعنون هم الذين يتخذون القرار لا أصحاب السترة العسكرية المغسولة أدمغتهم بأوسخ أنواع الغسيل الكيميائي والنفسي .. إلخ .. إلخ .. * لذا يجب ألا ننسى القاعدة الشهيرة : " ابحث عن المستفيد تعرف الفاعل " حتى نعرف بسهولة من الذي يخطط ويدفع غيره من مرضى العقول والنفوس - كبارًا وصغارًا وأقزامًا - لتنفيذ هذه الجرائم وغيرها من كل ألوان الجرائم كبيرة أو صغيرة ، خفية أو ظاهرة ، وما قطع الكابل البحْري الخاص بالنت منَّا ببعيد ! وبركاتك يا أبا حصيرة ! * إن هنا حالمين بزعامة مصر - ولو سال الدم للرُكَب من أجلها - من خلال مملكة السماء لا من باب السياسة ، ومسالك حياتهم لا تفسير لها إلا دهاليز ودروب السياسية لا خشوع الصلاة ودموع المحبة والإخلاص لله ، وهؤلاء الحالمون بزعامة السياسة يستمدون قوتهم الكبرى من هنالك وراء المحيط ، وهناك وراء البحر ؛ القوة المادية الغاشمة من وراء المحيط ، والقوة الناعمة الحضارية من وراء البحر ! * ويوجد من يحرص على ألا تقوى مصر ولا تضعف ؛ أي بين بين ، فيريدونها قوية ؛ لأنها القوة الرادعة والحامية إذا لزم الأمر وادلهمَّ السواد ، ويريدونها ضعيفة حتى لا تمتد بقوتها الراسخة في مجال الحضارة الإنسانية إلى مساحات يفضلونها أن تكون رمالَ استبدادٍ واستمتاعٍ بالشهوات وشراء أجهزة الحضارة وقشورها لا واحات حرية وكرامة ونهضة حقيقية للإنسان مادةً وروحًا ! * والعجيب أن بعض الفريق الثاني هذا يفعل هذا من خلال قال الله ، وقال الرسول ! من خلال هواهم التفسيري والتأويلي ، ويستخدمون كل وسيلة إغراء وإغواء من مال وإعلام - والإعلام خاصة متأسين مقتدين بأساتذتهم هنالك وهناك - ومناصبَ لتكون مصر محنيةً لا تقع ولا تقوم ! * ونحن هنا لا نتكلم عن الشعوب التي حولنا ؛ فهم رغم كل شيء أفضل كثيرًا من سادتهم وكبرائهم الذين ضلوا السبيل ويُضلون ! * إن تجويع مصر وإمراضها وتعطيشها ، بعد ضرب عقلها وثقافتها وتعليمها وإعلامها وعافيتها هواءً وماءً وغذاءً هي الوسائل الفعَّالة لإسقاطها ولا يتمُّ هذا إلا بإشعال الحريق بين محمد وفاطمة ، وجورج ومارسيل ؛ وهو حلم بريطانيا العظمى في بواكير القرن العشرين ؛ ورهبان وقساوسة كنيستنا المصرية - في بواكير القرن العشرين - كانوا أكثر إخلاصًا لمصر المباركة ، وكانوا أكثر وعيًا بمصالحها العليا ؛ لذا انطلق رصاص الإنجليز لا يفرق بين إنجيل الكنيسة وقرآن المسجد ! واليوم التلميذ وذيله الأسود تفوق تفوقًا ساحقًا على أستاذه ؛ ففي اللحظة التي يراها مناسبة سيقذف بأشباحه كنيسة مصر في العباسية مع مسجد عمرو بن العاص في مصر العريقة ، وسوف يستمتع بكوكتيل الدم الشهيد الأزرق مع الدم الشهيد الأخضر وهو يسيل في شارع بورسعيد الواصل بين مسجد عمرو وكنيسة مصر ! * يا نخبة مصر انتبهوا ، يا كنيستنا المصرية انتبهي ، يا ضمائر العمم السوداء والبيضاء انتبهوا فالطوفان الأسود لا يعرف الله ، ومن ثَمَّ لا يؤمن باليوم الآخر ولا حسابه وعدله وثوابه وعقابه !