لماذا كل هذا الضجيج من البعض فيما يخص البرنامج النووي ولأن مصر لا تمتلك مفاعلات نووية للكهرباء حتى الان؟. خمسة عشر دولة فقط تمتلك 90 % من هذه المفاعلات وأن 15 دولة أخرى يمتلكون أقل من 10% وأن نسبة الكهرباء المنتجة نوويا في العالم فى حدود 15% فقط علاوة أن مصر ليست من الدول النووية أو الصناعية المتقدمة او لها تحالفات سياسية او اقتصادية دولية حتى تكون ضمن هذه الدول التي تمتلك هذه النوعية من المفاعلات. ربما يكون ذلك صحيحا من المنظور الشكلي - ولكن النقاط الاتية يجب ان تطرح : هل مصر تعانى من مشكلة فى أنتاج الكهرباء ولا يوجد حل لذلك إلا باستخدام الطاقة النووية؟ هل تأخرت مصر فى استخدام الطاقة النووية لحل مشاكلها وخاصة فيما يتعلق بتوفير الطاقة ؟ هل سلكت مصر سياسة خاطئة فيما يتعلق بالبرنامج النووي ليخدم متطلبات التنمية الاقتصادية والعلمية؟ الاجابة على كل هذه الأسئلة بنعم مصر تعتمد على الغاز والبترول لإنتاج 90% من الكهرباء وهذا أخطر ما فى استراتيجية انتاج الطاقة بمصر. فأسعار الغاز والبترول فى ارتفاع مستمر وسينعكس ذلك على اسعار الكهرباء بصورة كبيرة ولن يتحملها المواطن المصري، هذا اذا افترضنا أن احتياطات الغاز والبترول لن تقل تدريجيا وبدرجة كبيرة خلال 20 عاما ولن تستطيع تغطية احتياجات محطات الكهرباء بعد ذلك. لابد وان يقل الاعتماد على الغاز والبترول تدريجا حتى لا يمثل أكثر من 50% لإنتاج الكهرباء فى مصر وحتى عام 2030 وهذا لن يتحقق بدون الاعتماد وبطريقة مكثفة على الطاقة النووية والطاقات المتجددة مناصفة. إذا كان الاحتياج الان من الكهرباء حوالى 30000 ميجاوات فهذا يعنى الحاجة الى احلال نصف هذه القيمة حتى عام 2030 لتحقيق هذا الاحلال والتوازن ومع اعتبار أن النمو فى استهلاك الكهرباء فى حدود 10% سنويا. اذا افترضنا ان احتياجات الكهرباء عام 2030 ستكون 70000 ميجاوات فهذا يعنى لابد من انتاج على الاقل 17000 ميجاوات نوويا بمعنى 15 مفاعل نووي لتغطية هذه الاحتياجات وللحفاظ على التوازن الامثل المطلوب وهو 50% للغاز والبترول 25% للطاقة النووية 25% للطاقات المتجددة (مياه ورياح وشمسية). هذه هي الحقيقة التي يجب ان تكون واضحة في اذهان المسئولين قبل المواطنين. هذا يوضح لماذا انتقد البرنامج النووي المصري لأننا تأخرنا كثيرا من المنظور الاقتصادي للاعتماد على الطاقة النووية وكان من الافضل البدء في ذلك منذ بداية التسعينات لان بناء هذا العدد الكبير من المفاعلات النووية الان صعب جدا وإن لن يكن مستحيلا ولكنه سيكلف الشعب المصري على الاقل ثلاث اضعاف التكلفة لو لم نتأخر فى بناء المفاعلات النووية. استخدام الطاقة النووية بنسبة 25% حتى عام 2030 ضروري والحل الوحيد لضمان تحقيق توازن مقبول على المستوى القريب والمتوسط مع الاعتماد على الطاقات المتجددة على المستوى الطويل وحتى تتحقق اسعار مقبولة تلائم ومستوى الدخل في مصر والاقتصاد المصري. دول كثيرة التي بها مفاعلات نووية للكهرباء تعتمد على انتاج اكثر من 25% من الكهرباء المنتجة نوويا، على سبيل المثال فرنسا (75%)، سلوفاكيا (54%)، بلجيكا (51%)، المجر (46%)، اوكرانيا (46%)، السويد (38%)، سويسرا (36%)، سلوفينيا 36(%)، فنلندا (35%)، بلغاريا (32%)، كوريا (30%)، أرمنيا (27%). ان دور المفاعلات النووية لتحلية المياه ضروري لتعويض الزيادة فى الاحتياجات المائية وخصوصا بالأماكن البعيدة عن الوادي ولاستصلاح الأراضي بسيناء والصحراء الغريبة. هذه الاحتياجات يجب ان تضاف الى الخريطة النووية المصرية المستقبلية. الطريق الامثل هو دعم استراتيجية جديدة للطاقة بمصر تعتمد على مرحلتين. المرحلة الاولى خلال 2015-2030 وتعتمد على برنامج مكثف لبناء مفاعلات نووية لإنتاج على الاقل 17000 ميجاوات وهى ضعف الكمية التي يتحدثون عنها حتى الان وهى 8000 ميجاوات وأن يتم بنائها على أربع مواقع مختلفة. بناء هذه المفاعلات يجب ان يكون في اطار اهتمام كامل بالعلوم والتكنولوجيا النووية، هكذا فقط يمكن ان نتكلم عن برنامج نووي مصري حقيقي يحقق مطالب التنمية المصرية ويفتح اسواق عمل للكفاءات المصرية ويوفر احتياجات الطب النووي والمواد المشعة المصرية للمنطقة العربية والقارة الإفريقية. المرحلة الثانية لهذه الاستراتيجية تعتمد على استخدام الطاقات المتجددة كليا خلال الفترة من 2030- 2050 بمعنى أن نسبة الكهرباء النووية بحلول عام 2050 لن تزيد عن 10% بينما الكهرباء المنتجة من الطاقات المتجددة سنصل الى 40 - 50% على الاقل. القول بأن الكثير من الدول فى سبيلها للاستغناء عن الطاقة النووية نظرا للكوارث النووية مثل تشرنوبل وفوكوشيما أمر مخالف للحقيقة، فقط ألمانيا وإنجلترا تقل بهم عدد المفاعلات النووية وبشكل ملحوظ ومنذ 1985 وحتى 2012. عدد المفاعلات النووية العاملة بألمانيا قد قل من 24 الى 9، وكذلك بإنجلترا قد قل من 38 الى 16. في المقابل فقد ارتفع عدد المفاعلات فى نفس الفترة 1985/ 2012 بالعديد من الدول- على سبيل المثال: الصين لم يكن لديها اى مفاعلات عاملة عام 1985 ليصبح لديها 17 مفاعل، الهند من 6 الى 20 ، فرنسا من 43 الى 58، اليابان من 33 الى 50 (بعد ان كان 54 قبل فوكوشيما)، كوريا من 5 الى 23 ، امريكا من 99 الى 104، كندا من 16 الى 19، اوكرانيا من 10 الى 15مفاعل. الكهرباء سلعة تابع وليست خدمة تقدم مجانا، ولذلك أن الاستثمارات فى هذا المجال تخضع للعوامل الاقتصادية العامة. هذا يعنى أن بناء محطات لإنتاج الكهرباء يخضع لعدة عوامل منها: ثمن الكهرباء المنتجة كسلعة نهائية الاحتياطات من الخامات المتاحة واسعارها اذا وجدت الاسعار العالمية لمستلزمات الانتاج والتشغيل العوامل البيئية المحلية والعالمية القدرة على التشغيل المستمر لسنوات طويلة ووفق استراتيجية الطاقة الموضوعة توقع مستويات الاسعار المحلية والعالمية لفترات طويلة التقدم التكنولوجي والمتاح تجاريا وسياسيا. هذا يعنى ان اللجوء للحل النووي ليس لتلبية رغبات بعض الفنيين والمتخصصين بالمجال النووي وليس رمز للافتخار ولكنه قرار اقتصادي اولا وأخيرا لتلبية احتياجات المواطنين ومتطلبات التنمية. فهل مصر قادرة على ادارة برنامج نووي لأنشاء 15مفاعل نوى خلال 15- 20 عاما ؟ نعم من المنظور التقني والكفاءات البشرية - ولكن بشرط توفير الهيكل والقيادات المناسبة. نعم من المنظور الاستثماري والتمويل لهذا البرنامج الضخم - بشرط التركيز على هذا البرنامج القومي. نعم من المنظور السياسي - ولكن ايضا بشرط توفير سياسة خارجية ناضجة.