قد يعتقد البعض بأن "التنصير" يقف عند حدود التحول الديني وحسب، أي على مستوى المعتقد.. وهو خطأ شائع ويعتقده قطاع واسع من النخبة العلمانية في مصر. والمسألة في مجملها لا تثير تلك النخبة إلا من خلال بعدها "الحقوقي" وهي في واقع الحال باتت "مطية" للانتهازية العلمانية التي تجيد المتاجرة بما يسمى "حقوق الإنسان" سيما وأن الأخيرة باتت "سبوبة" كبيرة ومدخلا للثراء الفاحش. النخبة العلمانية ترى في التنصير رافدا من روافد "حرية المعتقد"!، وربما يجد هذا المنحى تأييدا من تيارات فكرية أخرى لا يحتل "الدين" في تكوينها الوجداني إلا منزلة "صفرية" وهي في الغالب تتشكل من "الصفوة المخملية" القريبة من السلطة. المشكلة هنا تنعقد عند نقطة اللقاء بين تلك النخبة المستوطنة في محاضن النظام السياسي ووعيها بأجندات التنصير وخطورته على الهوية الحضارية للدولة وعلى مقتضيات الأمن القومي ذاته. والمشكلة الأكبر أن ثمة خلطا بين التنصير على مستوى العقيدة، والنصرنة على الصعيد المعماري والرمزي .. وهي النقطة "الخفية" التي التفتت إليها أوروبا، حيث بدأت في التعاطي معها باعتبارها قضايا "أمن دولة"، حيث يتجلى ذلك من خلال تسجيل تنامي مواقفها المتشددة إزاء مظاهر صعود تجليات "الإسلام الرمزي" سواء في بعديه "السلوكي" من خلال الزي أو "المعماري" من خلال التوسع في بناء المساجد، أو اعتلاء مآذنها قباب الكنائس في المدن والعواصم الغربية. والخطر الذي يقلق فعلا، أن النخب العلمانية التي تخترق مؤسسات صناعة القرارات السيادية في مصر، إما أنها تخلط بين ما هو "حقوقي" وما هو "استراتيجي" وتنظر إليهما باعتبارهما إما من قبيل "حرية المعتقد" أو كورقة سياسية في لعبة الصراع بين القوى الوطنية في الاستحقاقات الانتخابية.. إذ يجري التغاضي عن "التنصير" إما بوصفه حقا للأقليات أو درءا من الملاحقة الدعائية والإرهاب الإعلامي حيث يوصف كل من يتصدى له ب"التطرف" أو ب"الطائفية" فيما يجري التساهل مع التمدد الخرساني والأسمنتي للكنائس في الشوارع والميادين الكبرى الشهيرة، بوصفه من باب المساواة في ما يسمى ب"المواطنة". والحاضر الغائب في هذا المشهد إجمالا، أن هوية الدولة على مستوى الثقافة والحضارة والواجهة المعمارية يعتريها تحول نسبي نحو "النصرنة" على خلاف الحقائق والأوزان النسبية للطوائف المشكلة للطيف الوطني في محصلته الأخيرة. المفارقة المدهشة هنا أنه في الوقت الذي يجاهر الغرب بأنه لن يسمح بتهديد هويته المسيحية واليهودية من التمدد الرمزي الإسلامي ولو بلغ الأمر نزول الجيش الفرنسي شوارع "باريس" دفاعا هوية فرنسا وكما نشرت ذلك صراحة إحدى الصحف الفرنسية في مطلع هذا العام.. فإن صناع القرار في مصر لا يزالون معتمدين في هذا الملف الدقيق والحساس على رأي ونصائح نخبة علمانية تتعامل معه ب"جهل" وب"غباء" يحيلنا على الاعتقاد بأن النظام يحتاج إلى إعادة تأهيل سياسي وتنويري يجعله أكثر وعيا بخطورة "التنصير المعماري" وتهديده للهوية العربية والإسلامية للدولة. [email protected]