تداول النشطاء على شبكة الانترنت أمس شريط فيديو للدكتور معتز بالله عبد الفتاح ، الباحث والإعلامي والسياسي المقرب من المؤسسة العسكرية سواء في عهد طنطاوي أو عهد السيسي ، الشريط يتكلم فيه معتز بعفوية تامة مؤكدا أن الدستور الجديد رغم أي شيء سيمر ، وأنه ستتم الموافقة عليه بنعم كبيرة ، وإن لم تأت بإرادة الناس فستأتي بإرادة الدولة ، وأضاف معتز في كلمته أنه يأسف أن الأجواء أصبحت مؤهلة لقبول تصرفات وسلوكيات من تلك التي كانت شائعة قبل ثورة يناير ، هذه الكلمات أعطت انطباعا لا يمكن تجاهله بأن هناك نوايا رسمية حقيقية لتزوير الاستفتاء على الدستور المقبل ، وإذا استشعر القائمون على شؤون الدولة أن نسبة التصويت ضعيفة أو تتجه نحو التصويت السلبي ضد الدستور فإنهم سيتدخلون لتعديل النتيجة ، والحقيقة أن هذه المخاوف منتشرة جدا في أوساط معارضي النظام الحالي وخاصة الإخوان والأحزاب الإسلامية المؤيدة للرئيس محمد مرسي ، وهي شكوك تسربت أيضا لبعض نشطاء ثورة يناير والمتحدثين باسم ائتلافات ثورية عديدة ، فهل يمكن أن نكون أمام سلوك كهذا وإجراءات كهذه في الرابع عشر والخامس عشر من يناير المقبل . المخاوف من تزوير الاستفتاء لا يمكن دفع أسبابها ومبرراتها ، لأن المناخ العام الآن والذي يتجلى في الأداء السياسي والإعلامي والأمني الذي تشهده البلاد طوال الأشهر الماضية يعطي هذا الانطباع مصداقية عملية ، فكل شيء يشي باستسهال التزوير: في الاتهامات في المعلومات في نقل الأحداث والوقائع حتى في الدعاية للدستور نفسه كانوا يزورون الإعلانات على النحو الفضائحي الذي انتشر مؤخرا ، كما بدا واضحا أن ثقافة الإفلات من العقوبة ترسخت لدى أجهزة الدولة وأدواتها ، افعل ما يخدمنا وأنت في مأمن من العقوبة ، وإذا كان هذا يشمل حتى القتل العمد للمعارضين فما دونه أهون ، وبالتالي لا يمكن أن تضع يدك على ضمان حقيقي بأن الاستفتاء سيكون خارج هذا المسار الاستسهالي في الجرأة على التزوير والتلاعب بالحقيقة ، كما أن خريطة الطريق المعلنة تم وضعها بطريقة زمنية رياضية صارمة لم تفترض أساسا أن يكون هناك أي احتمال آخر للتصويت ضد الدستور الجديد ، ولا توضح ما هو البديل إذا تم رفض الدستور ولا ما هي الخطوات المزمع إجراؤها ولا الجدول الزمني لذلك ولا أي شيء ، بدا أن واضع الخريطة قرر أن تمضي هكذا أيا كانت الأحوال . بالمقابل هناك معوقات حقيقية لتمرير هذا السيناريو بتلك البساطة ، وهي معوقات لا يمكن تجاهلها ، ومن يفكر في التزوير الفج سيعرض البلاد لمسار أخطر كثيرا مما سبق ويفتح الباب لفوضى عارمة ، فرغم اختلافنا مع المستشار عدلي منصور واجتهاده السياسي فهو في النهاية قاض ورئيس محكمة عليا ولن يقبل ضميره المهني أن يشارك في عملية تزوير فجة أو يمررها ، أيضا هناك في الحكومة الحالية رغم أي خلاف في الاجتهاد السياسي شخصيات ورموز لن تقبل بأن تتستر على أي عملية تزوير منهجي للاستفتاء ، وبالمناسبة هذا الطاقم كله ، الرئيس والحكومة ، يتم الترتيب حاليا من أجل الإطاحة بهم في أسرع وقت ، وهناك استعجال وضغوط لإجراء الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية ، حتى يتمكن الفرعون الجديد من ترتيب الحكومة والبرلمان والدولة على المقاسات القديمة ، أيضا سيكون الاستفتاء تحت إشراف القضاء ، وهو في مجمله قضاء محترم ، وتجارب الاستحقاقات الانتخابية والدستورية السابقة تشهد بذلك ، بما فيها إعلان فوز مرسي على مرشح الدولة العميقة وأجهزتها : أحمد شفيق ، والاختراقات الصغيرة التي تشوه القضاء لن يكون لها نفوذ واسع على العملية الانتخابية نظرا لضخامة عدد اللجان ، أيضا ستكون هناك رقابة مدنية من منظمات محلية ودولية ستمثل حجر عثرة في سبيل أي تلاعب صريح . وفي السياق السياسي دعونا نتفق على أن الاستفتاء ليس مقصودا به النصوص ذاتها ، بل هو في جوهره بحث عن الشرعية للنظام الجديد ونسخ شرعية سابقة ، نظام يحمل ورقة لإدارة الدولة ليس بها أختام ، والجميع في الداخل والخارج يطلب منه ختم الورقة من أجل أن يتعامل معه رسميا وشرعيا ، الدستور الجديد هو الختم الذي يبحث عنه النظام الحالي ، فإذا لم يكن ختما شرعيا ومن مصدر معتمد وموثوق ، من الشعب ، أو إذا كان مسروقا أو مزورا ، فلن يكون له أي قيمة ، ولن يساعد على توليد شرعية جديدة ، وسيعزز من الموقف السلبي الدولي والإقليمي والمحلي الذي يتعامل بحذر أو رفض مع النظام الجديد ، بل سيعطي الانطباع الأكيد للعالم بأن ما تم في 3 يوليو كان انقلابا يبحث عن شرعية مزورة ، ولا أظن أن هناك في مصر من هو مستعد لتحمل عواقب هذه الكارثة . أخشى أن تكون التسريبات عن تزوير الاستفتاء مقصودة لإحباط المعسكر الرافض للدستور وإضعاف همته في المشاركة ، وأذكر أن نفس هذه التسريبات انتشرت بقوة قبيل جولة الإعادة في انتخابات رئاسة الجمهورية التي جرت بين مرسي وشفيق .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. twitter: @GamalSultan1