شَهدَت الفترة الماضية أنشطة قاعديَّة عديدة إعلاميًّا وعسكريًّا؛ ففي الجانب الإعلامي أصدر التنظيم أو ما يُعرف إعلاميًّا بتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، العدد الثاني من مجلته Inspire الناطقة بالإنجليزيَّة، وأعقب هذا الصدور إعلان المسئول العسكري للتنظيم قاسم الريمي أو ما عُرف بأبي هريرة الصنعاني، رجل القاعدة الغامض، عن تشكيل ما يُعرف بجيش "عدن- أبين". وتزامن مع هذين الإعلانين أيضًا إعلان تنظيم القاعدة عن تمكُّنِه من اغتيال 12 ضابطا أمنيًّا كبيرًا، وعجلة عمليَّات الاغتيالات مستمرَّة، والتي كان آخرها محاولة اغتيال محافظ أبين أحمد الميسري وسقوط أخيه وعدد من مرافقيه قتلى. وكذا شهدت هذه الفترة أيضًا عدد من العمليَّات المسلَّحة التي نسبتها المصادر الرسميَّة لتنظيم القاعدة كاستهداف سيارة تابعة للسفارة البريطانيَّة للمرة الثانية استهدافًا للبعثة الدبلوماسيَّة البريطانيَّة. وتلا ذلك أيضًا عددٌ من العمليَّات كتفجير لمقرّ نادي الوحدة بعدن وغيرها من العمليَّات التي استهدفتْ عددًا من الأهداف الحكوميَّة، وخاصَّة في المحافظات الجنوبيَّة حيث تشتدُّ سخونة فعاليَّات ما يُعرف بالحراك الجنوبي، وظهور بوادر عنف مسلَّح من قِبل بعض فصائل الحراك الجنوبي السلمي، الذي ما فتئ ينفي مسؤليتَه عن ارتكاب مثل هذه الأعمال المسلَّحة. سؤالنا هُنا هو عن حجم هذا التنظيم الأكثر غموضًا محليًّا ودوليًّا على الأرض هل هو بهذا الحجم الذي يتحدَّث عنه الإعلام؟ الذي يصوّر لنا تنظيم القاعدة وكأنه المارد الذي يتحكَّم ويدير كل هذه الأحداث ويخلق كل هذه الأزمات التي تغذي شهيَّة صنَّاع قرارات السياسة المحليَّة والدوليَّة لما تخلقُه هذه الأزمات من عوامل بقاء وشمَّاعات تعلّق عليها كل الأخطاء المرتكَبة في إدارة مصائر بلدان المنطقة والعالم اليوم، وهذا ما سنحاول استجلاءَه من خلال هذه المقاربة السريعة. فالصورة الإعلاميَّة المرعِبة لتنظيم القاعدة والتي دأب الإعلام الغربي وتابعوه من الإعلام العربي لغةً وتمويلًا أن يظهرَه بها، على مدى العشرية الأولى الماضيَة من القرن الحالي، وخاصةً عقب أحداث 11 سبتمبر، وما تلاه من أحداث سقطت خلالها دول وزلزلت أخرى، لا شك أنها صورة غير حقيقيَّة ومبالغ في تجسيمها. وبالنظر إلى حجم العمليَّات الفعليَّة التي نفَّذَها التنظيم، سيجد المراقب أن هُنالك توجهًا ما غير مُعلن، من خلال تسليط بل وتركيز الإعلام بشكلٍ يُثير الكثير من علامات الاستفهام حول الحجم الحقيقي لتنظيم القاعدة. وبنفس هذه الاستراتيجيَّة الإعلاميَّة غربيًّا، يسير التنظيم في مشروعِه الذي يبدو أنه استفاد كثيرًا من راسمي السياسات وصانعي القرارات غربيًّا، والذين أسهموا بشكلٍ كبير في تضخيم القاعدة التي لا نشك بوجودها بقدر ما نشكُّ بحجمها الحقيقي الذي هي عليه واقعًا وتنظيمًا وتسليحًا وتخطيطًا. فمن خلال تتبع الإنتاج الإعلامي الذي أصدَرَه التنظيم خلال العشريَّة الماضيَة، والذي تركّز بشكلٍ كبير على الشبكة العنكبوتيَّة الدوليَّة "الإنترنت" مما حدَا ببعض المراقبين بأن يطلقوا على تنظيم القاعدة بالتنظيم العنكبوتي، لهَوْل وضخامة التواجد الإنترنيتي للتنظيم من خلال عشرات ومئات المواقع والمنتديات العنكبوتيَّة التي تروِّج لفكر التنظيم وعملياتِه وبطولاتِه وأعضائِه. هذا التدفُّق القاعدي الإعلامي الإنترنيتي هو ما دفع بالجهات الاستخباراتيَّة الدوليَّة، وخاصة السي آي إيه الأمريكية، أن تتخذ نفس الفكرة بإنشاء موقع متخصص على الإنترنت لالتقاط ومتابعة إصدارات القاعدة من خلال إنشاء الموقع الشهير The Site "السايت" المتخصِّص برصد وتتبع إصدارات القاعدة. فمن خلال الكمّ الهائل لهذا التدفُّق الإعلامي القاعدي إنترنيتيًّا، بات واضحًا الأهمية التي يوليها هذا التنظيم على الإعلام والذي استطاع بفعل السياسات الخاطئة المتَّخذة ضدَّه والمقتصرة على المقاربة الأمنيَّة دون سواها، لأن يتحول من خلال استراتيجيتِه الإعلاميَّة، إلى هذه الصورة الأسطوريَّة الخارقة التي باتت تهدِّد العالم برمتِه. والغريب في الأمر كله هو أن الإنتاج الإعلامي للقاعدة، المقتصر على النشر الإلكتروني على الشبكة العنكبوتيَّة، يعمل الإعلام على خدمتِه بشكلٍ كبير من خلال الترويج الإعلامي الكبير والواسع لهذه الإصدارات من خلال الفضائيَّات والمواقع والصحف والإذاعات وغيرها مما يقدم خدمة كبيرة ومجانيَّة لهذا التنظيم الذي لا يكلّف نفسه سوى عرض مادته الإعلاميَّة على الشبكة العنكبوتيَّة فقط. فالصورة الإعلاميَّة للقاعدة والتي يتمُّ النظر إليها من خلال عدسة مقعَّرة، لا تعكس حقيقة وواقع هذا التنظيم بقدْر ما تخلق صورة مغايرة ومجسَّمة وغير حقيقيَّة للتنظيم، لا تتناسب مع محدوديَّة الأعمال المسلَّحة التي تُعلن القاعدة مسئوليتَها عنها بين فترة وأخرى. هذا التركيز الإعلامي المبالَغ فيه على القاعدة وأنشطتها، دَفَعَ بعض المراقبين إلى القول بأن هذه الحبكة الإعلاميَّة هي جزء من لعبة الأجهزة الأمنيَّة للقوى الكبرى التي تحاول من خلال شمَّاعة القاعدة خلْق مبرِّرات التواجد والسيطرة على دول المنطقة والعالم ومقدراتها الاقتصاديَّة الضخمة، كنفط بحر قزوين أو نفط العراق والخليج أو يورانيوم صحاري إفريقيا في النيجر وموريتانيا والجزائر. ويرى هؤلاء المراقبون أن القاعدة بدون هذه الهالة الإعلامية المضروبة حولها لا تتعدى مجاميع صغيرة ومتباعدة، لا يربط بينها سواء ردَّة الفعل تجاه السياسات الغربية تجاه معظم قضايا العالمين العربي والإسلامي تحديدًا والعالم الثالث عمومًا، وبدون طرح مقاربة ردة الفعل تجاه السياسات الغربيَّة غير العادلة في المنطقة، ستتحول هذه المجاميع إلى شبكة حقيقيَّة تهدِّد المصالح وتنشر فوضى عدم الاستقرار في كل مكان. المصدر: الاسلام اليوم