كتب هلال سيد مما لا شك فيه أن الأحداث المتلاحقة ، التي تكاد تقطع أنفاسنا ، دهشةً تارة ، وحزناً تارة ، وتارةً آخرى كمداً وغيظاً ، كانت نتيجة حتمية لكل أوجه الفساد والرغبة في الإستئثار بسلطة معينة ، أو منفعة شخصية ، دون أي إعتبار لحق الوطن والمواطنين . ويبدو أن النظام الحالي آثر أن يستمر على كرسيه حتى ينعق البوم في ربوع هذا الوطن بعد خرابه ، فالملاحظ أن توالي الصدامات بين ابناء المدينة الواحدة ، أو زملاء العمل الواحد ، أو أعضاء الحزب الواحد ، هي بلا شك منظومة قمعية تعمل من خلال مبدأ " فَرِق تَسُدْ " ، كيف لا والتناحر والتعصب الأعمى اصبح هو سيد الموقف . عندما بدأت الدولة تغض الطرف عمن تريد وتضيق الخناق عمن تريد ؛ أصبح البعض يرى في نفسه حامي حَمى الوطن ، والوصي عليه ، وما أكثرهم في مصر المحبوسة " كما يسميها الدكتور جمال حشمت " . لقد أثارت أحداث الفتنة الطائفية - التي تدور رحاها حتى الآن في مدينة الإسكندرية - إمتعاض البعض ، وحزن وكمد البعض الآخر .بعد أن شاهدنا ما يحدث لبلدنا تحت أعيننا ، ودون أن نجرؤ على التفوه بكلمة وإلا طارت الرؤوس ، وقطعت الرقاب ، وزج بالابرياء في غياهب المعتقلات . الشاهد من كلامي أن ما سمحت به الدولة للكنيسة من ممارسات ، وتجاوزات كانت فيه نداً للدولة والحكومة ، ونست أو تناست أنها مؤسسة دينية ، كل وظيفتها نشر روح التسامح والعبادة بين الأقباط ، لقد صارت الكنيسة دولة قبطية داخل الدولة ، لها قوانينها وأحكامها وتوجهاتها حتى ولو أصرت الكنيسة - ظاهرياً - على أن ليس لها علاقة بالسياسة لا من قريب ولا من بعيد . وكالعادة إعتصم الأقباط بالإسكندرية نحو 10000 قبطي ، وقابله تجمهر نحو20000 من المسلمين في موقف لا يدل أبدا على أن النسيج الوطني بخير ، ولكن الغريب أن نشرات الأخبار لم تورد إلا نصاً في شريط الأخبار عن وقوع مصادمات بين الجانبين في الإسكندرية ، وكأن ما يحدث لا يعنينا ولا يعني القائمين على الإعلام المصري ، وبدلاً من محاربة الشائعات ، وتوضيح الصورة كاملة حتى لا تتفاقم الأزمة راح التليفزيون المصري يسدل تعتيم إعلامي غريب للموقف . لقد بات الإعتكاف هو لغة الإشارة بين الكنيسة والأقباط ، وبمجرد أن يتم الإعتكاف يتم إعتصام للأقباط بأسرع مما نتصور ، لا ننكر أن ما حدث في مدينة الإسكندرية غير مقبول ، ولكن لو أن نسيج الامة بخير ، لكانت هذه الحادثة مثل ما حدث مع الأبرياء العشرة ضحايا مذبحة " بني مزار " والتي أصرت الداخلية وقتها ، أن القاتل مختل عقلياً ، وتناسى الجميع مسلمين وأقباط ديانة هؤلاء الأبرياء وتذكروا فقط أنهم مصريون ، وتفطرت قلوب الكل حزناً عليهم . فلماذا كل هذه الزوبعة ، ولماذا كلما أراد الأقباط شيئاً لجأوا للإعتصام ، والغريب إقتراحهم بتزويد الكنائس بميليشيات من الأقباط لحماية الكنائس . وفوق كل ذلك مازال شيطان المهجر ينفخ في نيران الفتنة ، ويؤجج نارها من خلال مؤتمراته وندواته وتصريحاته . ولماذا التهديد والوعيد بالإستعانة بعناصر خارجية كما فعل ميلاد إسكندر " رئيس الهيئة القبطية الأمريكية " عبر موقع الهيئة الإلكتروني ، مناشداً المجتمع الدولي التدخل ، والمبررات محفوظة عن ظهر قلب ، ويبدو أن الأقباط لم يستوعبوا الدرس من تدخل العناصر نفسها في تحرير الكويت ، وما حدث بعدها لا يحتاج إلى تفسير . نعم أعترف ، بالواقع المر الذي لا يريد أحد أن يتفوه به النسيج الوطني ليس بخير ، العلاقات باتت فاترة ، والنفوس متحفزة ، وشيطان المهجر لا يضيع اي فرصة في تأجيج نار الفتن ، والخوف من أن يأتي اليوم الذي تصبح فيه مصر نسخة مكررة من " لبنان " الثمانينات . ولعلي أستعير من الفنان الكبير عادل إمام مقولته في أحد مشاهده ، وهو يقول للحكومة " السيد الرئيس ... السادة الوزراء ... الناس أهي ... والأزمة أهي .... وحلوها إنتوا بمعرفتكم .. حلوها إنتوا بمعرفتكوا " .