أطلق الحزب الوطني الحاكم برنامجا انتخابيا ذكيا يحمل شعارا بالعامية المصرية: «علشان تطمن علي مستقبل ولادك».. تبلغ تكاليف تنفيذ البرنامج 2 تريليون جنيه ويعني 2000 مليار، ويستهدف تحسين معيشة المواطن المصري بتوفير فرص العمل والارتقاء بدخله ومعاشه والخدمات العامة التي تقدم إليه، خاصة في مجالات التعليم والصحة واللامركزية إلي جانب تطوير القرية المصرية ومحاربة الفساد. لمس شعار الحزب في الانتخابات المقبلة وترا حساسا للغاية عند الناس في مصر إذ إن حواراتهم تدور باستمرار حول مستقبل أولادهم وفرصهم في التعلم وإيجاد عمل وسكن وتكوين أسرة، بينما يبدو المستقبل غامضا بفعل الدعاية المناهضة للحكومة. وصلت الدعاية المضادة لحكومة الحزب إلي مرحلة متقدمة، في ظل سياسة حرية التعبير، جعلت الناس يعيشون في مناخ ضبابي يعجزون فيه عن رؤية مستقبل أبنائهم، وربما وصل بهم الحال إلي فقد أي أمل في أن يكون لأبنائهم فرصة وسط ما أشيع عن تفشي الفساد والمحسوبية وافتقاد المساواة بين المواطنين في الفرص المتاحة أمامهم لتحسين أحوالهم. يبدو من تواتر فعاليات المهرجان الانتخابي لعام 2010 أن الحزب الحاكم يأخذ الموضوع بمزيد من الجدية، لم تنجح محاولات بعض القوي السياسية في فرض أسلوبها علي المهرجان الانتخابي بإعلان المقاطعة تارة، أو بتصدير اتهامات مبكرة للحكومة بالتزوير الحتمي للانتخابات، أو المطالبة بإشراف خارجي عليها، وأخيرا بزعم أن الإشراف القضائي علي مراحل أو خطوات العملية الانتخابية منقوص. كل تلك المزاعم - من وجهة نظري - ما هي إلا مبررات للانسحاب من الساحة السياسية في الوقت الذي لا يجب فيه الانسحاب، لست أدري حقيقة ما هي فائدة أي كيان سياسي يزعم أنه يتصدي للخدمة العامة يأتي وقت الانتخابات فيخرج إلي فاصل ويعلن أنه منسحب من الانتخابات، ثم يعاود نشاطه بعد الانتخابات!! لكي نكون منصفين يجب أن نقرر أن الجدية التي لزمها الحزب الحاكم وإصراره عليها دفعت قوي أخري مثل حزب الوفد المعارض إلي البحث عن صيغ علمية لتطوير نفسه وتغيرت لغة خطابه السياسي لتصبح أكثر واقعية ومناسبة لحزب معارض وليس لقوي مناهضة للنظام السياسي من أساسه. هناك فرق إذن بين البرامج الجدية التي تطرح حلولا للمشكلات بناء علي دراسة عملية وأساس علمي، وبين الكلام المغذي للعواطف والأحلام دون أساس الذي مثله كمثل ماء البحر كما قدمنا، البرامج الجدية لا تأتي من فراغ لكنها تنبع من وجود مصادر ومراجع وكوادر من الخبراء المطلعين علي معلومات صحيحة تضع البرنامج وفق رؤية معينة ومنهج محدد. أحيانا نسمع كلاما غريبا علي العقل الواعي لكنه يصادف قبولا لدي المتذمرين والمحتجين علي بعض الأوضاع التي لا تعجبهم وهذا حقهم، كأن يقال مثلا إن توفير الأموال المنهوبة والمسروقة من الدولة نتيجة تفشي الفساد يكفي وحده لزيادة المرتبات المتدنية ويسد حاجة الناس، أو يقال إن توفير نفقات كبار الشخصيات كاف في حد ذاته لتحسين مستوي المعيشة، أو يقال إن فرض التسعيرة الجبرية علي التجار يؤدي الي التوازن بين الأجور والأسعار لكن التحالف بين الحكومة وبين التجار يمنع ذلك. مثل هذه الأقوال المرسلة غير صحيح بالمرة ولا يقوم إلا علي أساس الترويج لنوع معروف من النميمة المتداولة في مجالسها دون سند من العلم أو الخبرة أو الواقع، سمعنا خبرا من هذا النوع في سياق القضية الشهيرة حول عقد مدينتي، قالت النميمة الخبر، أو الخبر النميمة إن قيمة الأرض موضوع العقد تبلغ نحو ستمائة مليار جنيه في حين باعتها الحكومة للمجموعة العقارية بأقل من تراب الفلوس. تبين أن هذا الكلام لا أساس له من الصحة عمليا ولا عقليا، لكنه شاع وانتشر وتعامل معه البعض علي أنه حقيقة. ما يهمني في هذا السياق هو ما أراه خطوة إيجابية في أسلوب العمل الحزبي من جانب الحزب الحاكم فقد وضع البرنامج الانتخابي علي أساس رؤية واقعية تضع الإمكانيات في اعتبارها، ولا تسوق الأحلام باعتبارها أهدافا تحققها عصا سحرية. البرنامج الذي يطرحه الحزب الوطني برنامج طموح للغاية يتوجه لتحقيق أحلام الفقراء بدمجهم في المجتمع وصياغة علاقة عضوية قوية بين مصالحهم ومصالح القوي الرأسمالية المحلية التي تملك القدرة المالية علي تنفيذ برامج تنموية لمصلحة الجميع. يركز الحزب الحاكم في برنامجه علي فك قبضة الحكومة، التي تمثله، عن الاقتصاد، وإحالة جانب كبير من التنمية الي القطاع الخاص، أي الشعب المصري، ومن هنا تبدأ الحرية الحقيقية، أليس هذا مما يدعو إلي العجب حقا!!