يوضح د. محمد عطا الأزهرى من علماء الأزهر الشريف أن شوال ليس فقط بداية زمنية لأشهر الحج، بل هو نقطة انطلاق روحية، يتدرج فيها الحاج من مرحلة النية إلى مرحلة التجرد الكامل من شواغل الدنيا، استعدادًا للوقوف بين يدى الله في عرفات، مضيفاً أن من أهم مظاهر الاستعداد للحج فى هذه الفترة هو مراجعة النفس، والتوبة الصادقة، ورد الحقوق، ومصالحة القلوب، فالحج المبرور يبدأ بنية خالصة وسلوك مستقيم، كما أن الحج لا يُختصر فى التنقل بين المشاعر، بل هو ارتحال حقيقى للروح، التجرد من المخيط فى الإحرام ما هو إلا رمز لتجرد القلب من الأهواء، والحاج يبدأ رحلته الفعلية من لحظة استعداده النفسي، الذى ينبغى أن يسبق السفر بأيام أو أسابيع ويوضح د. الأزهرى أن الكثير من الحجاج يبدأون فى شوال خطوات الاستعداد النفسي، يعيشون حالة من الاشتياق، ويحرصون على ختم القرآن، والإكثار من الدعاء، وكأنهم فى عبادة مستمرة قبل أن تطأ أقدامهم الأراضى المقدسة، وهذا الاشتياق، فى حقيقته، هو علامة قبول، والحاج الذى يستعد من شوال، هو فى حقيقته حاجٌّ سبق قدميه قلبه، ومَن سبق قلبه إلى الله، لن يضيع الطريق. البلد الحرام و يقول د. الأمير محفوظ أبو عيشة عضو لجنة التعريف سابقا بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية والإمام السابق لمسجد مولانا الإمام الحسين «رضى الله عنه»: شرع الله لعباده الحجيج ميقاتا زمنيّا لفريضة الحج فقال تعالى: «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ» فهى أشهر معلومة، فلم يقل الله «الحج أشهر ثلاثة» وذلك لأن التلفظ بالعدد يقتضى كمال الأشهر، بالتعيين والتحديد لها بكمال أيامها، ليكون معناها: «تسعين يومًا» مثلًا؛ لأن المقصود بالأشهُر «شوال، وذو القعدة، والعشر الأوائل من ذى الحجة» أو يراد به كله؛ وحكمة الميقات الزمانى بهذه الفترة ترجع لأسباب منها، أن يتمكن المسلم من استعداد قلبه ووجدانه لأداء المناسك بصورة ترضى الله تعالى، وأن يحسن التعرف على أحكام البلد الحرام وأحكام وأرض الحرم وصيده وشجره، فضلًا عن حقوقِ رفقاء الرحلة بالحلم والعفو عن الزلات وعدم اللجج، فقال عز وجل «وَلَا جِدَالَ فِى الْحَجِّ»، وأن يخَف المسلم ربه كما قال الله تعالى: «لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ»، فالإنسان المسلم يعلم أن له ربا يعلم سره وعلانيته، فيتقى الله ويخشاه ساعيا فى رضاه أكثر من أن يتقى الناس. ويشير د. محفوظ إلى أن أداء مناسك الحج فى أيام (التروية، وعرفة، والنحر، ويومان من أيام التشريق لِمن تعجل)هذا يعنى أن المسلم يؤدى الحج فى خمسة أيام أو ستة من شهر ذى الحجة ونحن ندرك ذلك، مؤكدا أن من يعمل الخيرات مُحتسبًا الأجر فى البلد الحرام على الله تحقق له مضاعفة الأجر والدليل فى قوله تعالى: «وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ»، لذلك فأن أيامَ الحجّ المعدوداتِ هى أيامُ التشريق التِى أمَرَ اللهُ فيهَا العبدَ بالإكثارِ من ذكرِ الله وتكبيرِه وتحميدِه. نفس طاهرة وعن توقيت الحج وكيفية الاستعداد يوضح د. عاصم السعيد،مدرس بوزارة الأوقاف أن الاستعداد للحج لا يبدأ فى ذى القعدة، ولا حين نرتب حقائبنا، بل يبدأ منذ أن يتحرك فى قلوبنا الشوق، ويوقظنا النداء كما قال الله تعالى: «وأذِّن فى الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامرٍ يأتين من كل فج عميق»، ويبدأ حين نُطهّر نوايانا، ونسأل الله القبول قبل الوصول، ونغسل قلوبنا من الرياء، ونستعد للوقوف بعرفات وكأنها الوقفة بين يدى الله يوم القيامة، مضيفا أنه من كتب الله لهم الحج هذا العام، فليعلموا أن الله اصطفاهم من بين خلق كثيرون، فلا يضيعوا هذه الفرصة بالانشغال بالمظاهر أو الصور. ويؤكد د. عاصم أن الاستعداد بالإخلاص، والتوبة، ورد المظالم، وسداد الديون، والتخلص من الغفلة. وأن يدخلوا إلى هذا الموسم بقلبٍ منكسر، ولسانٍ ذاكر، ونفسٍ طاهرة، وأما من لم يُكتب له الحج، فليبشر، فالله كريم، والنية تبلغ ما لا تبلغه الأقدام، يمكنهم أن يعيشوا روح الحج من بيوتهم، بصيام، وذكر، وتكبير، وصدقة، وقيام، خاصة فى الأيام العشر من ذى الحجة، التى أقسم الله بها فى كتابه العظيم، ولنعلم أن الله قريب، وأن القلوب إذا صدقت نالت من بركات الحج وإن كانت فى أقصى الأرض، فلابد أن نستقبل ذى الحجة بقلب العبد، لا بحسابات السائح، ولنجعل من أيامنا رحلة إلى الله، سواءً كنا فى مكة أم فى بيوتنا. فإن الحج مقصده فى قوله تعالى: «ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله»، فمن شهد المنافع، وذكر الله بصدق، فقد حج بقلبه وإن لم يحج بجسده.