حين يسمع الناس اسم " خالد محيي الدين " فإنهم يقولون : " ابن ناس "، وذلك تعبيرا عن خلقه الجيد ، وألفاظه العفة ، وسلوكه الطيب ، مهما اختلفوا معه في فكره وتصوراته السياسية . الرجل كان رئيسا لحزب " توتو" الذي يسمى " التجمع الوطني التقدمي الوحدوي " ، وقد رأسه بعد أن أمر الرئيس الراحل " أنور السادات " بتشكيل ثلاثة أحزاب تخرج من رحم الاتحاد الاشتراكي العربي ، تبدأ بما يسمى " منابر " ، ثم تتحول إلى تشكيلات حزبية . كان على رأس الحزب الأول ( اليمين ) الضابط مصطفى كامل مراد ، وسمى حزبه ( الأحرار) ، والثاني هو حزب مصر العربي الاشتراكي ( الوسط) ويرأسه الضابط محمد أنور السادات " رئيس الجمهورية " ، والثالث ( حزب توتو ) الذي يرأسه الضابط خالد محيي الدين ( اليسار ) . كان من المفترض أن يكون حزب " توتو " تجمعا لليساريين من الشيوعيين والناصريين والقوميين والماركسيين " المتأسلمين " أو الملتحين ، ولكن الأغلبية التي هيمنت على الحزب كانت للشيوعيين بعد انسحاب كثير من العناصر الأخرى . وظل " خالد محيي الدين " يمثل صمام الأمان في مسيرة الحزب الذي تقلص عدد أفراده ، وتراجع وجوده في الساحة السياسية ، حتى تقاعده، وخلوده إلى الراحة بسبب السن والظروف الصحية . وفي الانتخابات التشريعية الأخيرة (2005م)؛ أخفق الحزب إخفاقا ذريعا ، مع بقية الأحزاب الحكومية الأخرى ، مما اضطره واضطرها إلى عملية المراجعة الشاملة للسياسة والسلوك والفكر . قام حزب " توتو" بمراجعة نفسه ، ورأي فيما رأى أن يشكل لجنة للشئون الدينية حتى يقترب من نبض الجماهير المؤمنة ، باعتماد الدين أساسا من أسس حركته ومشروعه الحزبي .. بيد أن تشكيل اللجنة الدينية ؛ لم يرض بعض الشيوعيين المتأمركين من كتاب السلطة ؛ الذين لم يعجبهم الوضع الذي آل إليه الحزب ، أو بمعني أدق الانهيار الذي حدث له ، فكتب يسخر من اتجاه الحزب إلى الدين ، وزعم أن الحزب " ارتدي الحجاب " ودخل دائرة الظلامية ( الإسلامية) ، وكتب على نفسه الجمود والتخلف والحياة في القرون الوسطى ، بعد أن كانت الاشتراكية العلمية ، أي الشيوعية هي شعاره الذي ينطلق به في عالم التقدمية والاستنارة والمستقبل . والحقيقة أن الحجاب لا يليق بحزب " توتو" ، وخاصة بعد تقاعد رئيسه التاريخي خالد محيي الدين ، ورحيل عدد من عناصره النظيفة المحترمة إلى الدار الآخرة ؛ورفض عدد منهم لما يجري فيه، مثل محمد سيد أحمد ، وفيليب حلاب ، وإسماعيل صبري عبد الله وعبد الغفار شكر ، وجودة عبد الخالق .. وهؤلاء بكل تأكيد لا " يتكسّبون " بحزب " توتو" ، ولا ينالون من ورائه مناصب رسمية أو مغانم حكومية ، وبعضهم كان ينفق من جيبه وماله على الحركة الشيوعية التي يؤمن بها ويعتقد في صلاحيتها لبناء الوطن ، وكانوا أو ما زالوا في صراعهم السياسي ، يحترمون أصول الحوار ، ويترفعون عن الصغائر والتدليس والكذب ، ويعترفون بالحقائق دون مكابرة أو التواء ! أذكر أنه في أثناء احتلال الاتحاد السوفيتي لأفغانستان المسلمة ، كان السجال عنيفا بين الحركة الإسلامية في مصر التي تؤيد الجهاد الأفغاني ضد الاحتلال الشيوعي وبين الشيوعيين المصريين ، وفي مقدمتهم حزب " توتو" الذي يؤيد الاحتلال ويدافع عنه ، ويشيد بزعامات خلق والبرشام الخائنة في كابول من أمثال نور طرقي وحفيظ الله وبابراك كارمل ونجيب الله وأنا هيدة.. وكانت مجلة "الاعتصام " – رد الله غربتها – من أشد الرافضين لمنهج "توتو" وجريدته " الأهالي " ، وكان لي آنئذ شرف التحرير بالاعتصام ، وقرأت بعض الردود التي أرسلها خالد محيي الدين إلى المجلة لشرح رأيه وموقفه ، من خلال كلمات مهذبة وعبارات راقية وأسلوب طيب ؛ يختلف بالضرورة عن أسلوب آخر انتهجه "المتكسّبون " بالشيوعية المتأمركة ، واليسار الحكومي ، والاشتراكية العلمية سابقا.. ! لقد سقط حزب " توتو " في مستنقع كريه الرائحة ، بعد أن تركه خالد محيي الدين؛ فبدلا من الحديث عن قضايا العمال والكادحين ، والإنتاج والتقدم ، والحرية والمستقبل ، راح يهاجم الإسلام والمسلمين ، صار تشويه الإسلام وعقيدته ومبادئه الهدف الأسمى لبعض القيادات الحكومية للحزب ، وصار "حسن البنا" عندهم أشد إرهابا من "آرئيل شارون " ، والإخوان المسلمون أكثر وحشية من الهاجاناة والليكود وحزب شاس ، والحركة الإسلامية أخطر من جيش الدفاع وقوات المارينز وصواريخ توما هوك .. رفع القادة الجدد لحزب "توتو " بأيديهم الأجندة الأميركية ضد الإسلام والمسلمين ، واعتمدوا على التدليس والكذب والمغالطة ، وهو ما جعل النظام البوليسي الفاشي الحاكم يقربهم إليه ويمنحهم بعض العطايا في مجالسه ومؤسساته ومؤتمراته وندواته ولقاءاته ، وشرف السمسرة بينه وبين خونة المهجر في بعض المشكلات والقضايا . في الواقع العملي لم يبق من "توتو" غير صحيفته التي تشبه النشرة السرّية ، لا يقرؤها إلا قلّة ، ولا يرى فيها الناس إلا منشورا أصفر مهمته تشويه الإسلام والمسلمين .. ولم يترك كبيرة أو صغيرة من قيم الإسلام إلا شوهها وسخر منها بدءا من الخلافة الإسلامية حتى تحية الإسلام : السلام عليكم ، فهذه التحية لم تعجبه ولم تدخل أنفه المزكوم! وإذا كان بعض الحالمين داخل "توتو" قد رأوا أن تشكيل لجنة دينية يمكن أن تحل عقدته ، فإن العناصر المهيمنة عليه لن تمنحه شرف ارتداء الحجاب ، لأنه ببساطة يتشرف بارتداء قميص السلطة البوليسية الفاشية الراهنة ! [email protected]