ما يزال الصعيد مظلوما ما أن تطأه حتى تعايش مشاكله القاسية وتطلب الهروب منها لأن الدولة لن تسأل عنك وتنقذك منها كونك تعيش في ما اصطلح على تسميته منذ عقود طويلة بالمنفى. إذا كانت الكهرباء تنقطع بالدقائق أو الساعة على الأكثر في القاهرة وما جاورها فيضج الناس بالشكوى، فإن الكهرباء تنقطع بالخمس والست الساعات في عز الحر الشديد والصيام فيهوى الناس على الأرض صاغرين متعرقين رافعين أيديهم إلى السماء بأن يرسل لهم نسمة هواء! الترع تكاد أن تجف. لا يوجد فيها إلا ماء آسن ربما لتشعرك الدولة أن اليد قصيرة وأن النيل قد جف من نفسه قبل أن تقطعه دول المنبع عنا، فماذا عساها أن تفعل؟! والحقيقة أن النيل ما يزال يواصل رحلته الأبدية في بلاد المصب والترع لا تفيض بمياهها بفعل فاعل خبيث حول كل المياه لأراض يزرعها رجال الأعمال ولوهم "توشكى" الذي تابعنا اهتمام أهل الحكم به طويلا ثم ذاب الثلج أو بردت الحمية فلا حس ولا خبر. الكهرباء تقطع قليلا في القاهرة وجاراتها القريبات، وكثيرا جدا حتى تطلع روح البشر في الصعيد لأن وزارة البترول لا تمد محولات التوليد بالغاز الطبيعي وتستبدله بالجازولين الذي لا يعمل بكفاءة ويؤدي لاصابتها بالاعطال المستمرة. أين الغاز الطبيعي؟!.. يذهب إلى اسرائيل ببلاش مراعاة منا للدولة الشقيقة التي يموت أهل الصعيد من القيظ الشديد في سبيل أن تنعم بما فاضت به أرضنا! أي عاقل يمكنه أن يوافق على هذه المعادلة الجائرة. تعلمنا أمثالنا البسيطة أن ما يحتاجه البيت يحرم على الجامع، لكن حكومتنا تحرم علينا نعمة بأيدينا فتعطيها لاسرائيل ونحن في أمس الحاجة إليها، بل تحدث حالات وفيات كثيرة بسبب هذا الحرمان! استدعى الرئيس مبارك وزير الكهرباء ليسأله عن الانقطاع المستمر للكهرباء مع أننا نملك ما يزيد عن حاجتنا منها، وبعد السؤال وخروج الوزير زادت الانقطاعات وإن تم تركيزها في مدن وقرى الصعيد ومضاعفة مدتها وتملكت الوزير شجاعة كبيرة في أن يأمر كل مرؤوسيه في القطاعات المختلفة بأن يصرحوا بالصوت الحياني بأن تخفيف الأحمال لن يتوقف وسيزداد مع شدة الحر. كلمة السر هي اسرائيل التي لم يكفها ما تفعله في نيلنا لتقطع شرايين حياتنا بل تجبرنا بقدرة قادر على أن نمدها بالغاز الطبيعي الذي نفتقده لتشغيل الكهرباء. [email protected]