خصص الأستاذ محمد حسنين هيكل ثلاثة حلقات من برنامجه مع هيكل على قناة الجزيرة حول خلافه مع الرئيس جمال عبد الناصر إثر تعيين الأخير له وزيرا للإرشاد القومي رغم علمه بموقف هيكل من الإستوزار وردة فعل هيكل من هذا التعيين خاصة أنه جاء بشكل مفاجئ و دون استشارته في الموضوع وقبوله للمنصب كأمر واقع وبشروط ، وردود فعل العاملين بجريدة الأهرام أيضا واعتبارهم الخطوة مؤامرة تستهدف مؤسستهم الإعلامية . قد يبدو الموضوع جملة اعتراضية في سياق الحديث عن حرب أكتوبر في هذه السلسلة وهذا ما ينبه إليه هيكل ويؤكد بأننا سوف نجد أنفسنا في صميم حرب الاستنزاف ، وذلك ما حصل بالضبط إذ لم يتوقف الأستاذ عند سرد تفاصيل الخلاف وحيثياته وإنما كانت تلك الجزئيات نافذة على بعض المفاهيم والأساليب في العمل تتعلق بالمعركة الإعلامية التي لا تقل أهمية عن الحرب الميدانية بل أصبحت هي الأهم في عصرنا ، فالطرف الذي لا يحسن توظيف الانتصارات في الحروب إعلاميا يكون خاسرا باعتبار الحروب في النهاية شكل من أشكال الصراع السياسي أو أعلى مراحله . يعيب الكثيرون على هيكل تأثره الكبير بالمصادر الغربية ونقله لكلامها على أنها مسلمات وحقائق لا ترد خاصة عندما يتعلق الأمر بأنظمة كانت في عداء أو توتر مع جمال عبد الناصر ، غير أن هيكل إذا كان إنتقائيا ( كما يحلوا للبعض ) في مصادره فهو ليس كذلك في تأثره بالصحافة الغربية وأسلوب عملها يظهر ذلك جليا من خلال طريقة إدارته لجريدة الأهرام التي أصبحت سابع قوة إعلامية عالمية والإصلاحات التي إقترحها لتغيير وزارة الإرشاد القومي ( الإعلام ) إلى درجة أن الرئيس عبد الناصر فهم أنه يرد منه حلها بشكل كامل. وبما أن هيكل كان يريد دائما أن يتذكر بأنه صحفي و فقط ، لذا كان لجريدة الأهرام نصيب كبير من أحاديثه عن تجربة حياته وكلما يأتي الأستاذ على ذكر جريدة الأهرام يردفها بعبارة في إشارة واضحة إلى الفرق بين ما كانت عليه حينها وما هي عليه الآن ، و ليبين الدور الذي يجب أن تلعبه الصحافة في خدمة وطنها والحدود الفاصلة بين الولاء للوطن والولاء للنظام ضرب العديد من الأمثلة على ذلك فكانت إحدى حلقاته عن حرب 67 عن طريقة تعامل الأهرام مع الأزمة قبيل إندلاع الحرب بخمسة أيام فقط حيث خصص جزء بسيط من أحد الأعداد الصادرة حينها عن نشاط مهم لرئيس جمال عبد الناصر رغم قربه الشديد منه ، وهذه الطريقة في العمل أسلوب إحترافي ومهني ، والإنتقادات الكبيرة التي كانت توجه للإتحاد الإشتراكي وإنتقاده لتزوير الإنتخابات وغيرها من المقالات التي تسببت في سجن بعض الكتاب وتوسطه عند عبد الناصر لإخراجهم من السجن وغيرها من الوقائع التي إنتقد فيها النظام ولكنه في نفس الوقت لم يعترض عن أي ( نداء ) لخدمة الوطن ( من وجهة نظره ) . وتحضرني كلما ذكر الأستاذ هيكل عبارة ( الأهرام في ذلك الوقت) واقع الجريدة والمتاهات التي دخلت فيها وقد لا يكون آخرها الدعوة القضائية التي رفعتها ضدها قناة الجزيرة بتهمة سب وقذف قيادات القناة على خلفية استقالة خمس مذيعات من القناة ، وقد أكد خبراء وفقهاء القانون على أن الموضوع المنشور تنطبق عليه كافة أركان قضايا السب والقذف، لأنه كلام "دون أية مستندات"، ويتضمن "ألفاظاً بذيئة خادشة للحياء" زعم أنه ورد على لسان بعض قيادات ومذيعات القناة. والأسوأ من ذلك أن الصحفي المتسبب في المشكل أو الفضيحة ( فضيحة الأهرام المهنية) لم يتوقف عند هذا الحد بل قال في لقاء مع إحدى الفضائيات أن ما نشره هو فقط عشرة بالمائة من الحقيقة وأنه يمتلك المستندات ، والأدهى والأمر أن يعتبر هجومه على القناة دفاعا عن مصر التي تتعرض لهجوم متواصل من طرف قناة الجزيرة ، وقد سبق هذا قيام أحد الصحفيين في الأهرام بإعادة نشر تحقيق صحفي خاص بجريدة الشرق الأوسط اللندنية بشكل كامل دون تغيير حتى العنوان وقبل ذلك تهديد صحفيي الأهرام بالإضراب اعتراضا على تجاوزات رئيس مجلس إدارتها المنتهية ولايته والفضائح المالية ، ناهيك عن الأزمة الأخيرة التي أصبح يقرن فيها اسم الأهرام بالصحف الصفراء التي همها الكسب وفقط . ربما يجادل البعض ويدافع عن الأهرام ولكن ليس هناك أدل على الواقع المؤسف الذي وصلت إليه الجريدة من شهادة رئيس مجلس إدارتها ومن أوصلها إلى المرتبة السابعة عالميا وأحاديثه لا تخلو من رسائل موجهة للجريدة والنظام على حد سواء ، وكم هو صعب أن تتكرر الشهادة عن تراجع الأهرام من رئيسها السابق أسبوعيا .