لقي المستشار ممدوح السقا نائب رئيس مجلس الدولة مصرعه أمس في حادث انقلاب سيارته بطريق وادي النطرون، عند عودته إلى القاهرة بصحبة أسرته من إجازة صيفية بالساحل الشمالي، في حادثة أثارت ردود فعل لم تستبعد "وجود شبهة جنائية" ربطت بين وفاته والحكم الذي أصدره ببطلان عقد (مدينتي) المملوكة لرجل الأعمال هشام طلعت مصطفى. ولفظ المستشار السقا أنفاسه على الفور عندما انقلبت سيارته - التي كانت تقله وأسرته- عدة مرات بسبب انفجار الإطار الخلفي لها، فيما أصيب نجلاه وابنته بإصابات عدة نقلوا على إثرها إلى مستشفى جراحات اليوم الواحد بوادي النطرون، حيث يرقدون في حالة طبية حرجة، بينما أصيبت زوجته بإصابات طفيفة. وكان المستشار الراحل عضو اليمين بمحكمة القضاء الإداري التي أصدرت أواخر يونيو الماضي حكما قضائيا مهما، قضت فيه ببطلان عقد البيع المبرم بين هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة وإحدى شركات مجموعة (طلعت مصطفى) العقارية لتخصيص مساحة 8 آلاف فدان لإقامة مشروع (مدينتي) الإسكاني. والمستشار الراحل هو مقرر الحكم بهيئة المحكمة، التي استندت في حيثياتها ببطلان التعاقد إلى وجود مخالفات لقانون المزايدات والمناقصات شابت العقد تستوجب بطلانه. وكان أحد محاور مرافعات الدكتور شوقي السيد محامي مجموعة (طلعت مصطفى) العقارية أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا في الطعن المقدم من المجموعة العقارية وهيئة المجتمعات العمرانية على حكم القضاء الإداري (أول درجة) ببطلان تعاقد أرض (مدينتي). إذ قال السيد إنه أحد اثنين من المستشارين أعضاء هيئة محكمة القضاء الإداري لهما نزاع قضائي مع هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة متداول منذ العام 1996 وحتى الآن، معتبرا أن هذا الأمر يعد سببا لعدم صلاحيتهما لنظر القضية ويترتب عليه بالضرورة عدم صلاحية الحكم. وأضاف- خلال جلسة الأمس أثناء نظر الطعن الذي تحدد له جلسة الخميس القادم للنطق بالحكم فيه- أنه كان يتعين على عضوي هيئة محكمة أول درجة أن يتنحيا عن نظر هذه الدعوى حتى لا تؤثر خصومتهما مع هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة على مسار قضية أرض (مدينتي) باعتبار أن الهيئة طرف في النزاع بالقضية. وأثار الحادث تكهنات حول أسبابه، لم تستبعد احتمال وجود شبهة في الوفاة التي تأتي بعد أيام من صدور الحكم في الدعوى رقم 12622 لسنة 63 ق والذي صدر يوم الثلاثاء 22 يونيو 2010م ببطلان عقد بيع (مدينتي) وهو ما يثير التكهنات حول الحادث الذي لم تتضح تفاصيله بعد. وناشد المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية النائب العام إجراء تحقيقات حول ملابسات الحادث وإعلان نتائجها للرأي العام، في الوقت الذي فيه رفض عدد من المستشارين استباق نتائج التحقيق بالحادث. ورفض المستشار يحيى الدكروري، رئيس نادي قضاة مجلس الدولة ل "المصريون"، تأكيد أو نفي وجود شبهة جنائية في الحادث، موضحًا أن الأمر متروك لجهات التحقيق لحسم الرأي بشأن تحديد ملابسات الحادث. لكنه ألمح إلى استبعاد "الشبهة الجنائية" بعد أن انتهى دور المستشار الراحل في القضية بإصدار الحكم ببطلان عقد "مدينتي"، وبعد أن أحيلت إلى محكمة الاستئناف لنظر الطعن المقدم من مجموعة طلعت مصطفى، نافيًا القياس بوفاة المستشار أحمد عزت العشماوي إبان نظره قضية الدكتور هاني سرور عضو مجلس الشعب السابق في قضية أكياس الدم، حيث لم تكن القضية أسدل الستار عليها بعد. من جانبه، رفض المستشار محمود الخضيري نائب رئيس محكمة النقض السابق الجزم بوجود شبهة في الحادث الأليم لحين إجراء التحقيقات اللازمة حول الحادث والانتهاء منها، وانضم إليه في الرأي المستشار أشرف البارودي نائب رئيس محكمة استئناف القاهرة حول عدم إمكانية التحقيق من وجود شبهة من عدمه لأنه لا يمكن استباق التحقيقات، إلا أن "كل الاحتمالات جائزة". وأشار إلى أن هناك سوابق حدثت في إيطاليا، حيث تعرض للقضاة للاغتيال وأقيل عدد منهم أثناء نظرهم قضايا المخدرات، إلا أنهم صمموا على الاستمرار في الحرب ضد المخدرات حتى ولو كان الثمن هو حياتهم كما يحدث هذا في البلاد غير المستقرة في الأمن الجنائي كما في كولومبيا. أما في مصر، فيقول إنه بصفة عامة هناك غياب للضبط في الشارع أو على مستوى الجريمة والمجرمين، كما أن هناك انفلاتا أمنيا معروفا للكافة، وفي ظل هذه المعطيات يؤكد أن الاحتمال قائم ولا يجب استبعاده في التحقيقات، ولكن لا يمكن الجزم بذلك إلا بعد الانتهاء من التحقيقات. واعتبر البارودي الحادث أمرا مؤسفا للغاية، وقال: أظن أن الجهات المكلفة بحماية الأفراد في هذا البلد أصبحت في أمس الحاجة للحماية على المستوى التشريعي أو على المستوى الأمني، ونفى أن يكون مثل هذا الحادث ولا حتى مائة ألف حادث مثله "عامل إرهاب للقضاة"، مؤكدا أن ذلك الحادث لن يرهبهم، لأنهم سيطبقون العدل تحت أي ظرف ولو كان فيه تهديد للسلامة الشخصية للقاضي، وتابع: برغم أن كل هذه الاحتمالات مطروحة، فإن القضاة يعملون وهم ينظرون إلى الله قبل أي شيء وهو بيده الحياة. أما المحامي عصام الإسلامبولي فربط بين الحادث وآخر شبيه عندما لقي المستشار أحمد عزت العشماوي مصرعه خلال نظر قضية الدكتور هاني سرور عضو مجلس الشعب السابق في قضية أكياس الدم، إلا أنه لا يمكن الجزم بوجود شبهة وراء الحادثين أم لا.