نحن نكتب ونركز ونتوسع في الحديث عن السلبيات والأخطاء بحيث لم نعد نري أن هناك بصيصا من الأمل أو ضوءا في نهاية النفق المظلم. ولكن النقيب المواطن محمد سعيد إبراهيم الضابط بقوات الأمن المركزي بمحافظة قنا يستحق أن نكتب عنه مقالا وعشرات المقالات وأن تقدم له مصر كلها التحية والمساندة علي وقفته الإنسانية بروحة في سبيل منع ستة من البلطجية حاولا اغتصاب فتاة. وقد لا يقرأ النقيب محمد سعيد الذي يرقد الآن في المستشفي في حالة حرجة هذه السطور، ولكن من سيقرأ سيدرك أن مصر بخير وأن مصر مليئة بالرجال الذين لا تنقصهم النخوة أو الكرامة والذين يتحركون في الوقت المناسب لنجدة المظلوم ومساعدة الضعيف وإيقاف الظالم. فالنقيب محمد سعيد كان يستعل سيارة ميكروباص من خلف محطة مترو الأنفاق الجيزة في بداية شارع الهرم وركبت فتاة معه في السيارة في الكرسي الأمامي بجوار السائق، وأثناء سير السيارة استمع النقيب إلي مكالمة هاتفيه للسائق أثارت في نفسه الريبة، فقد كان السائق بطريقة ما يدعو أصدقائه للحضور لوليمة جاهزة للالتهام... وتعمد السائق التشاجر مع الركاب لأنزلهم إلا أن الضابط محمد سعيد رفض النزول خاصة أن السائق وصديق له في السيارة رفض نزول الفتاة أيضا.. وعندما بدأت الفتاة تصرخ وتستغيث بالمارة، أفصح الضابط عن شخصيته، إلا أن أحدهم عاجلة بطعنة مطواة في جنبه الأيمن، في الوقت الذي كان فيه أصدقاء السائق قد وصلوا في " توك توك " وأنهال جميعا علي الضابط ضربا بالأسلحة البيضاء حيث تمكن بصعوبة من الإمساك بسلاحه الميري وأطلق تسعه طلقات في الهواء أجبرتهم علي الفرار.. وتستمر بطولة النقيب محمد سعيد في إصراره علي ملاحقتهم والدماء تنزف منه خوفا من أن يكونوا قد اخذوا الفتاة منهم إلي أن يجد أن الفتاة في آمان، ويقوم الناس بحمله إلي المستشفي بين الحياة والموت.. أن النقيب محمد سعيد الذي أنقذ شرف وكرامة أسرة وقام بحماية أبنتهما من عملية اغتصاب بشعة لمجموعة من البلطجية وقطاع الطرق ومدمني البانجو لا يستحق فقط ترقيه إستثنائيه علي ما قام به من عمل بطولي وإنما يستحق أن يكون رجل العام في مصر، فهو يمثل صرخة ضد كل الذين يتخلون أو يتقاعسون عن القيام بدورهم في الحياة لمساعدة الآخرين. لقد أكد لنا النقيب محمد سعيد أن الصمت جريمة وأن في التقاعس عن أداء الواجب خيانة، وأن حماية أمن المجتمع وأمانه ليست مسئولية الجهات الأمنية فقط، بل هي مسئولية كل مواطن فينا، وأن البلطجة ما كانت لتنشر وتصبح قانونا ونظاما إلا بتراخينا وبضعفنا وبعجزنا عن أن نقول كلمة الحق وأن نرفع أصواتنا في وجه كل من يحاول الحصول علي ما يسمي حقه بالقوة والغدر والاستهتار. أن ما يثلج صدورنا في قضية الضابط محمد سعيد هو أن الجهات الأمنية استطاعت تحديد شخصية المتهمين والقبض عليهم حيث اعترفوا بالواقعة تفصيليا ووجهة إليهم تهم الشروع في القتل وحيازة أسلحة بيضاء ومحاولة خطف أنثي، وهي تهم كفيلة بإلقائهم وراء القضبان السجن ، فهم علي ما يبدو في حالة من غياب الوعي والعقل وإلا ما كانوا قد فعلوا ذلك. وهذه القضية تعيد إلي الأذهان من جديد تكرار هذا النوع من جرائم الاختطاف والاغتصاب البشعة التي أصبحت جرائم متكررة وعادية في المجتمع والتي تتم غالبا بواسطة سيارة ميكروباص، ويشارك فيها أكثر من شخص. أن كل هذه المؤشرات تؤكد أننا أصبحنا محاطين بمجموعات من الخارجين علي القانون، والمستهترين به، ومدمني البانجو والمخدرات الذين يقدمون علي ارتكاب أي جريمة دون وعي تمييز أو إدراك. أنها قضية تقول أن المجتمع الداخل في خطر، وأن أمراضه الاجتماعية قد زادت وتضخمت وأن التغيير والإصلاح لابد أن تتسارع خطواته في مجتمع أصابه الترهل فكثرت فيه كل الأمراض ولم يعد فيه من يأمن علي نفسه كثيرا..! [email protected]