يقولون : إن الإنسان حيوان له تاريخ .. فالإنسان يمشي حاملاً اسمه واسم أبيه وأجداده، ومن أغرب ما وقع فيه بعض المسلمين حقد بعضهم على الأسلاف !!.. إنهم لم يشهدوا تاريخهم العظيم، ولربما طويت صفحات، أو كانت هناك مؤامرات لم يكشفها التاريخ ، ولربما كانت هناك ظروف لم نعرف كل أبعادها .. والأصل هو البراءة حتى يثبت العكس .. نعم .. نحن نحكم على طرف بأنه مخطئ وطرف آخر بأنه مصيب .. و جمهور الأمة المسلمة من طنجة إلى جاكرتا تؤمن بأن عليّ بن أبي طالب ومن معه كانوا على صواب، وبأن معاوية بن أبي سفيان ومن معه على خطأ .. وهي تؤمن مع ذلك بأن الطرفين اجتهدوا ، وكانا معاً طائفتين مؤمنتين بغت إحداهما على الأخرى ، ووقعت بين الطرفين ملابسات وضبابيات جعلت صحابياً ورعاً شريفاً بإجماع الأمة هو (عبد الله بن عمر) يتوقف في الأمر ولا يتحيز لطرف ضد الآخر ... إنّ الأمة تؤمن بكل ذلك ؛ بل إن قلب الأمة المسلمة كله إلا من شذّ مع علي بن أبي طالب وأبنائه وآل البيت جميعاً ، لدرجة أنه يشاع عن شعب كالشعب المصري أنه شعب يحب آل البيت حباًن جماً إلاّ أنه لا يتمذهب بمذهب التشيع . ويرى جمهور الأمة أن الأمر يجب أن يقف عند هذا الحدّ، وأن نستفيد من درس هذه الفتنة أو المؤامرة، وأن يكون مثلنا الأعلى هو الآية القرآنية : { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}( ) ، وأن نحفظ لجيل الصحابة كرامته الذي يليق به، ولاسيما وقد نهانا الرسول عليه الصلاة والسلام نهياً صحيحاً قاطعاً عن التجرؤ عليهم فقال لنا : {ولا تسبوا أصحابي ، فوالله لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه" ( ) . وقد وقع في كثير من النهضات والثورات كثير من هذه الخلافات ومع ذلك فإن أصحابها يجّلون رموزها ويعتبرونهم قمماً تاريخية وصناع حضارة .. وما وقع بين الصحابة كان دفاعاً حقيقياً من وجهة نظر كل منهم عن قيمة أساسية من قيم الإسلام . فهؤلاء يدافعون عن حق الأمة وخليفتها الشرعي أولاً في ممارسة سلطاته ... وأولئك يدافعون عن حق دم خليفة قتل ظلماً حتى تستتب الأمور على رضاء عام وقواعد سليمة !! ... ولسنا نريد أن نثير القضية أو نؤجج نارها أستغفر الله وإنما نريد القول : إن هذا الموقف نتيجة طبيعة لبداية مرحلة جديدة كانت تمرّ بها الأمة المسلمة ، وهي تواجه قوى العالم القديم بما درب عليه من مكائد وأساليب سياسية ، وتواجه من جانب آخر بكل ما يطرحه من نقلة حضارية تخرج بالمسلمين من طبيعة الجزيرة بمنهجها البسيط الواضح إلى دنيا الحضارة الفارسية والرومية بمنهجها السياسي المركب فكانت الفتنة الكبرى أو المؤامرة الكبرى مأزقاً كنا نتمنى أن ينجح جيل الصحابة العظيم في عبوره بأسلوب أكثر أناة وسلماً ... ومع ذلك فهو درس ... ويجب أن يبقى درساً يعالج منهج العلم والتاريخ والحبّ ...!! لكن طائفة أو شرائح من طوائف تنسب نفسها إلى التشيع قديماً لبحث الأمر بمنهجية مختلفة ... وقد حولته إلى مذهب .. وهذا المذهب يصر على أن نعيش عند هذه النقطة ولا نتجاوزها، وأن نضخمها ما استطعنا ، وأن نؤلف فيها مئات الكتب، ونقيم لها في كل عام احتفالات تلطم فيها الخدود وتشق فيها الجيوب ويضرب بعضهم بعضاً بالسلاسل الحديدية ، ويقيمون أو يقيم جماعة منهم مؤتمرات خاصة بلعن أبي بكر وعمر وعثمان (رضي الله عنهم) فضلاً عن اللعن الثابت لمعاوية وبني أمية وبني العباس ... أي لتاريخنا الإسلامي كله ... لأن موقفهم من العثمانيين أيضاً موقف عدائي ... ودولة الصفويين الشيعة قد أوقفت زحف العثمانيين على أوروبا وطعنتهم من الخلف وشغلتهم بها عن أوروبا ( ) ... فكانت الكارثة التي انتهت بأن تحول العثمانيون إلى رجل مريض !! فلماذا هذا كله؟ وما الجدوى منه إذا كنا جميعاً مسلمين؟ أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية رئيس تحرير مجلة التبيان