قرّرت وزارة الخارجية الأمريكية إقفال المعهد الدبلوماسي المتخصص بتعليم العربية إلى الدبلوماسيين المعيّنين في المنطقة العربية، والذي سبق أن نُقل من لبنان إلى تونس في سنة 1985 في أعقاب الإجتياح الإسرائيلي لبيروت. وتخَرّج من هذا المعهد، الذي يوجد في منتجع سيدي بوسعيد الرّاقي في الضواحي الشمالية للعاصمة تونس، كثير من الدبلوماسيين البارزين الذين عملوا سفراء لبلدهم أو مدراء للمراكز الثقافية الأمريكية المنتشرة في العواصم العربية. وقالت نورا دمبسي، مديرة "معهد اللغة العربية" (Arabic Field School)، طبقا للتسمية الرسمية ل swissinfo.ch، بنبرة حزينة، "إن وزارة الخارجية حسمت الأمر ولا مجال للرّجوع عن القرار". وتحرص الخارجية الأمريكية على تلقين دبلوماسييها المعيّنين في قارّات العالم الخمس، لغة البلد الذي سيعملون فيه. ويخضع الدبلوماسيون إلى دورات تعليم تتفاوت من لغة إلى أخرى، لكن غالبيتها تنظم في واشنطن. وفيما يستغرق تعلّم الإيطالية أو البرتغالية ستة أشهر فقط، يمضي الدبلوماسي المُعين في عاصمة عربية، ثمانية عشر شهرا، بينها ستة في واشنطن وسنة في تونس. ويُدير معهد تونس عادة دبلوماسيون مُخضرمون، كان آخرهم جون ديفيدسون. وانطلق قرار الإقفال في البداية من خطّة كانت ترمي إلى نقل المعهد من ضاحية سيدي بوسعيد إلى داخل مبنى السفارة الأمريكية في ضاحية البحيرة، التي تبعُد عنها نحو ستة كيلومترات، لأسباب أمنية. وأظهرت الدراسات الفنية أن كلفة إنشاء مبنى خاص للمعهد، تصل إلى 40 مليون دولار. ووافق الكونغرس على القرار، بما في ذلك إعطاء الضوء الأخضر للإعتمادات المخصّصة للمشروع. وأبدى مصدر على علاقة وثيقة بالمعهد، استغرابه من أن المُمانعة لم تأت من البرلمان الأمريكي، مثلما جرت العادة، وإنما من موظّفي وزارة الخارجية، الذين اعتبروا تخصيص تلك المُوازنة لإقامة مبنى خاص للمعهد، إسرافا وتبذيرا. واقترح بعضهم نقله من العاصمة التونسية إلى عاصمة أخرى في المشرق العربي، وكانوا يفكِّرون في عمّان أو القاهرة. وأفاد مُدرس في المعهد، فضل عدم الكشف عن اسمه، أن 52 دبلوماسيا في الخارجية، غالبيتهم من الطلاب السابقين في المعهد، طلبوا في رسالة جماعية نقل المعهد إلى منطقة أخرى، وكانوا يفكِّرون في مصر أو الأردن "لأسباب أمنية"، واستخدموا حُججا من نوْع أن الهدف من وجود المعهد في بلد عربي وليس في واشنطن، هو إعطاء فرص للطلاب للاحتكاك مع المجتمع المحلّي والتدرّب على استعمال العربية في الحياة اليومية. وقالوا إن اللغة السائدة في تونس، وخاصة في الضواحي الراقية للعاصمة، هي الفرنسية ما يُقلل من فُرص التحدّث بلغة الضاد والتدرب عليها، وهكذا أضيفت دوافع ثقافية لنقله من تونس، زيادة على الإعتبارات الأمنية. العربية... لهجات؟ وبعدما استقرّت الأمور على قرار نقل المعهد من تونس والتخلّي عن مشروع المبنى الجديد، ظهرت في وزارة الخارجية الأمريكية حُجج من نوع آخر، مفادها أن العربية الفصيحة ليست لغة مُوحّدة في كل البلاد العربية وأن اللهجة المحلية هي التي تطغى في الإستخدام اليومي على صعيد كل بلد، ما يجعل فُرص التعليم والتدرب على التخاطب بالعربية، محدودة الفائدة، حتى في بلدان المشرق، حيث لا تزاحم الفرنسية اللغة العربية. ويقول هؤلاء، إن هناك عربية أردنية وأخرى مصرية وثالثة سورية، ما يجعل الدبلوماسي الذي ينتقل من العمل في لبنان إلى السودان أو الخليج مثلا، مضطرا لمعاودة التعلّم من جديد أو على الأقل تعديل ما درسه في "معهد اللغة العربية"، وكان هذا أحد الأسباب التي أدّت إلى التخلّي عن البديل، وهو نقل المعهد إلى عاصمة مشرقية، وسرعان ما اتّخذت وزارة الخارجية قرارا نهائيا بإقفال المعهد وتوزيع الدبلوماسيين - الطلاب في المستقبل، على معاهد لغة عربية عادية في المنطقة. واكتسى اتخاذ القرار صِبغة استعجالية لم تُفهم أسبابها. وقال أحد الإداريين ل swissinfo.ch ، إن بيل (وليام) إيتون، مدير مراكز التدريب في الخارجية الأمريكية، زار تونس في شهر مايو الماضي وتفقّد المعهد وتناقش مع المُشرفين عليه وعلى الإطار التدريسي، وعبّر عن اندهاشه من سرعة حسْم القرار. وعلمت swissinfo.ch أن قرار الخارجية يقضي بغلْق المعهد في 30 يونيو 2012، أي بعد سنتين على أن يكون الغلق الإداري في مطلع يناير 2013، من أجل إفساح المجال للمشرفين عليه لإنهاء المعاملات المالية والإجراءات الإدارية مع هيئة التدريس والدوائر التونسية والطاقم الإداري... والسؤال الذي يتردد هذه الأيام: ما هو مصير الإطار التّدريسي، الذي ينتمي إلى جنسيات عربية مختلفة، بعد إقفال المعهد؟ أجاب أحد المدرِّسين بأنهم سيحظَون بالأولوية لدى المشاركة في الإنتدابات، إلى الهيئات الدبلوماسية الأمريكية (السفارات والمراكز الثقافية الأمريكية في المنطقة العربية) أو المؤسسات القريبة منها، مثل مكاتب "مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا" المعروفة ب "ميبي"، والتي لديها مكتب في تونس وآخر في القاهرة وثالث في أبو ظبي. وعلى عكس ما يتبادر لبعض الأذهان، لا يدُل قرار الإقفال على تراجُع الإهتمام بالمنطقة العربية، وإنما "يعود فقط لأسباب مالية وإدارية"، مثلما أوضح مصدر على علاقة بالملف ل swissinfo.ch، واعتبر أن إجادة العربية شرْط هام لنجاح الدبلوماسيين العاملين في العواصم العربية، كي يفهموا ذهنيات أهلها ويتواصلوا معهم بسهولة، وأكد أن إخضاع الدبلوماسيين المعيّنين في عواصم المنطقة إلى تكوين في اللغة العربية قبل استلامهم لمناصبهم سيستمر في أشكال مختلفة، ولكن ربما سيكون أكثر مُرونة من المنهج الحالي. المصدر: سويس انفو