السبت 10 مايو 2025.. أسعار الأسماك في سوق العبور للجملة اليوم    السبت 10 مايو 2025.. أسعار الخضروات والفاكهة اليوم في سوق العبور للجملة    محافظ أسيوط يتابع تطوير مدخل قرية بني قرة ونقل موقف السرفيس لتحقيق السيولة المرورية    ليو الرابع عشر... أسبوعه البابوي الأول: خطوات واثقة نحو حبرية تبني الجسور وتدعو للوحدة    عاجل - لماذا استدعى العراق قواته من بكستان؟    القناة 12 العبرية: شركة ITA الإيطالية تمدد تعليق رحلاتها من وإلى إسرائيل حتى 19 مايو    الأمم المتحدة تؤكد استعدادها لزيادة المساعدات إلى غزة بمجرد رفع الحصار    زيزو يخضع للتحقيق في الزمالك بحضور محاميه    موعد مباريات اليوم السبت في دوري المحترفين والقنوات الناقلة    الداخلية: سحب 773 رخصة لعدم وجود الملصق الإلكتروني خلال 24 ساعة    "الطقس اليوم".. ذروة الموجة الحارة والأرصاد تحذر من ارتفاع درجات الحرارة    بعد نشوب 3 حرائق في يوم واحد بقويسنا.. الأهالي يطالبون بوحدة مطافئ دائمة لسرعة مواجهة الكوارث    المتحف المصري الكبير يستقبل رئيس جزر القمر ووزيرة التعليم والثقافة اليابانية    3 قرارات جمهورية مهمة و6 هدايا رئاسية سارة للمصريين وتكليفات حاسمة للحكومة    «وزارة التخطيط» تعلن عن أنشطتها في أسبوع    وزارة التخطيط والتعاون الدولي تترأس الاجتماع الأول للجنة الاقتصادية المشتركة المصرية السويسرية    الرئيس الصيني: سنواصل دعم فنزويلا في حماية سيادتها وتعزيز شراكتها الاستراتيجية    ضبط 6 أشخاص بينهم 3 مصابين فى مشاجرة بدار السلام سوهاج    «الصحة»: تدريب 5 آلاف ممرض.. وتنفيذ زيارات ميدانية ب7 محافظات لتطوير خدمات التمريض    سوزان نجم الدين تدافع عن بوسي شلبي في أزمتها مع ورثة الفنان محمود عبدالعزيز    وفاة زوجة الإعلامي محمد شردي والجنازة ظهر اليوم    ثلاثية بصرية.. معرض يوثق الهوية البصرية للإسكندرية بأسبوع القاهرة للصورة    «الثقافة» تنظم زيارة تثقيفية لأطفال المناطق الجديدة الآمنة بمركز الحضارة والإبداع    أمين الفتوى: طواف الوداع سنة.. والحج صحيح دون فدية لمن تركه لعذر    السبكي يبحث مع الصحة العالمية تطوير التعاون فى 6 محاور استراتيجية    شعبة مستأجري عقارات الإيجار القديم: نرفض بند الإخلاء بعد 5 سنوات    7 شهداء بينهم عائلة كاملة بقصف إسرائيلي على مدينة غزة الفلسطينية    الكنيسة القبطية تحيي ذكرى الأربعين للأنبا باخوميوس في قداس مهيب بدمنهور    قوات الدفاع الشعبى والعسكرى تواصل تنفيذ الأنشطة والفعاليات لدعم المجتمع المدنى    الرمادي يعقد جلسة مع لاعبي الزمالك قبل مواجهة بيراميدز    هل أصدرت الرابطة قرارا بتأجيل مباراة القمة 48 ساعة؟.. ناقد رياضي يكشف مفاجأة (فيديو)    تفاصيل مفاوضات الأهلي مع جارسيا بيمنتا    رئيس جامعة القاهرة يصدر قرارات لشغل عدد من المناصب الأكاديمية والإدارية    بعد اعتذاره عن المشروع X.. مصطفى شعبان يعود للسينما بفيلم جديد    وفاة زوجة الإعلامي محمد مصطفى شردي بعد معاناة مع المرض    المركزي للتعبئة العامة والإحصاء: ارتفاع معدل التضخم السنوي إلى 13.5% خلال ابريل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 10-5-2025 في محافظة قنا    حاجة الأمة إلى رجل الدولة    عاجل- رئيس الوزراء يزور شرق وغرب بورسعيد    الصحة: تدريب أكثر من 5 آلاف ممرض.. وتنفيذ زيارات ميدانية ب7 محافظات لتطوير الخدمات    مستشفيات جامعة القاهرة: صرف مكافأة استثنائية 1500 للعاملين    موعد مباراة الاتحاد السكندري ضد غزل المحلة في دوري نايل والقنوات الناقلة    اليوم.. محاكمة 9 متهمين بخلية "ولاية داعش الدلتا"    45 دقيقة تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. السبت 10 مايو 2025    حبس لص المساكن بالخليفة    مشجع أهلاوي يمنح ثنائي البنك مكافأة خاصة بعد الفوز على بيراميدز    جداول امتحانات الترم الثاني 2025 في محافظة سوهاج لجميع المراحل الدراسية    الصحة تكشف 7 فوائد للاهتمام بالحالة النفسية للأطفال    الرئيس السيسي يعود إلى أرض الوطن بعد مشاركته في احتفالات عيد النصر في موسكو    مدير مدرسة السلام في واقعة الاعتداء: «الخناقة حصلت بين الناس اللي شغالين عندي وأولياء الأمور»    الشعب الجمهوري بالمنيا ينظم احتفالية كبرى لتكريم الأمهات المثاليات.. صور    طريقة عمل الخبيزة، أكلة شعبية لذيذة وسهلة التحضير    هل تجوز صلاة الرجل ب"الفانلة" بسبب ارتفاع الحرارة؟.. الإفتاء توضح    السيطرة على حريق داخل عصارة عسل أسود بقنا    الهند توقف العمل في 32 مطارا مدنيا بسبب القصف الباكستاني    عمرو أديب بعد هزيمة بيراميدز: البنك الأهلي أحسن بنك في مصر.. والزمالك ظالم وليس مظلومًا    جامعة القاهرة تكرّم رئيس المحكمة الدستورية العليا تقديرًا لمسيرته القضائية    هل يجوز الحج عن الوالدين؟ الإفتاء تُجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما لا يفرز "السيستم" رجالا ..؟!
نشر في المصريون يوم 26 - 05 - 2010

أول مرة أسمع استخداما لهذا المصطلح " السيستم "، الذى أعتذر مقدما عن استخدامه ، حيث الحروف العربية تعبيرا عن مصطلح أجنبى ، كانت فى أول السبعينيات ، حيث ذهبت مع أستاذى الراحل محمد الهادى عفيفى إلى أحد مكاتب شركات الطيران الأجنبية لسفر يتعلق به هو ، فإذا بى أرى الكثير من الهمة والسرعة والدقة والاهتمام بالعميل ،والاختفاء التام لمنظر موظف يقرأ جريدة أو يشرب شايا أو يأكل ، وهى الأمور التى كانت مألوفة لدينا خبرة بالعمل الحكومى المصرى، إذ لاحظت أن كل الموظفين فى الشركة مصريون، فتساءلت مندهشا عما جعل الأمر هنا مختلفا تماما عما تعودنا ، فإذا بأستاذى يقول : إنه " السيستم " ! وراح الرجل يشرح لى معنى ذلك .
منذ ذلك الوقت وعيت جيدا كيف أن " النظام " ذى القواعد الموضوعية العلمية العادلة ، الصارم فى الثواب والعقاب ، المستغل لكل دقيقة من وقت العمل ، الذى يعتبر " العميل " على حق ،والذى يدفع بالمواهب إلى أمام وإلى أعلى ،والذى يتسم بالدقة والشفافية ، ويقوم على العدل ...وغير هذا وذاك مما يجرى المجرى نفسه ، إنما هو نظام لابد أن يكون ناجحا إلى حد كبير ، ولابد أن يفرز " كفاءات " و " قيادات " ، ويثرى الخبرات ،ويفجر الطاقات ،ويزرع الرضا بين الجميع .
ومن هنا فعندما أُبعد الصحفى الشهير محمد حسنين هيكل عن الأهرام عام 1974 ، إثر حلافه مع السادات ،سمعت البعض يقول أن الأهرام سوف يتراجع كأقوى جريدة ومؤسسة صحفية فى الشرق الأوسط ، على أساس تصور أنه كان يقوم على " شخص " هيكل " ،ووفقا لموروثنا الثقافى الذى يرى الأمور دائما ترتبط " بالشخص " ،وكنت قد اقتربت بدرجة ما من صورة العمل بداخل هذه المؤسسة عن طريق الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيرى ، الذى كان يتعاون مع مركز الدراسات الاستراتيجية ، ضمن وحدة تختص بالدراسات الخاصة بالصهيونية ،وبناء على معرفتى يومئذ ببعض ما يجرى فى هذه المؤسسة ، على الرغم من محدوديتها ، كنت أجيب على من أسمع منه توقعا بانهيار الأهرام بأن هذا لن يحدث ، لأن الرجل (هيكل)، اتفقنا معه أو اختلفنا ، كان قد وضع المؤسسة كلها على أدق ما يمكن أن تكون عليه المؤسسة الصحفية ،ومن ثم فإن من يجئ بعده سيجد نفسه مضطرا إلى أن يجرى مجراه كحد أدنى ، بل ويمكن أن يدفعه إلى مزيد من التطور والترقى ،وهو ما حدث بالفعل ، مهما تغير رؤساؤه وتعاقبوا عليه ، حتى الآن .
كذلك أذكر أحاديث كثيرة ومتعددة سمعتها طوال فترة اقترابى الشديد من الراحل العظيم الدكتور سليمان حزين منذ أواخر الثمانينيات فى المجالس القومية المتخصصة ، حيث كان مغرما بالحديث المطول عن الظروف التى أحاطت بعملية تأسيس جامعة أسيوط ، التى كان مكلفا بها منذ عام 1957 ، من قبل الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ، وكأنه حديث عاشق ولهان عن محبوبة عمره.
حكى لنا الدكتور حزين الكثير عن حرصه فى رسالة وجهها إلى الزعيم الكبير ،ومنشورة فى كتاب حزين ( شجرة الجامعة ) الذى طبعته جامعة القاهرة ،على ألا تعمل الجامعة إلا بعد أن توضع بعض الأسس الضرورية اللازمة لقيام جامعة محترمة تستحق هذا الاسم حقيقة لا شكلا ،وفعلا لا ادعاءا، من حيث وضع تصميم هندسى شامل ودقيق لكل ما هو ضرورى للمنشآت الجامعية بكلياتها ومعاملها وخدماتها ومستشفاها ومزرعتها ومكتباتها ومكاتبها وقاعاتها الدراسية ،وتجميع كل وحداتها فى " حرم " واحد ،وبحيث لا تختلط مبانيها بحركة السوق والشارع وجمهور المواطنين ،ومصادر الضوضاء المختلفة ، فضلا عن إرسال بعثات تغذى كليات الجامعة بما هى بحاجة إليه من أعضاء هيئة التدريس ، دون أن يقع المسئولون عن التأسيس والإنشاء أسرى الرغبة فى الاستعجال ،ورغبة فى التخلص من ملل الانتظار ، فماذا كانت النتيجة ؟
أصبحت جامعة أسيوط أفضل جامعة مصرية ،مهما تغير مديروها ورؤساؤها ، لأن المؤسس وضع الأسس الراسخة ،والقواعد الموضوعية ،والشروط الواجب توافرها فى الجامعة كما يجب أن تكون ،وتكفى المقارنة بين عملية تأسيس هذه الجامعة ،وكيفية تأسيس غيرها من الجامعات ، حتى ندرك اتساع الهوة حقيقة .
إنه " النظام " ، أو " السيستم " ، كما يشيع على ألسنة الكثرة الغالبة من المتحدثين فيما يتعلق بهذه القضية ..
تداعت إلى ذاكرتى كل هذه الأمور وأنا أقرأ بكل الحزن والأسى تصريحات رئيس الوزراء أحمد نظيف إلى رؤساء تحرير الصحف الحزبية والمستقلة ،وهو يشير إلى ما يتصل برئاسة مصر فى الفترة القادمة ، فللرجل أن يظل على رأيه بتفضيل سيادة الرئيس ، حيث من حقه أيضا أن يسوق ما يشاء من المبررات ، لكن أن يبرر تفضيله لسيادة الرئيس بأن " السيستم " لم يفرز لنا من يستحق أن يملأ هذا المكان ، فهذا هو المؤسف حقا ،والمحزن فعلا ..! لماذا ؟ لأن ذلك إعلان صريح بالفشل الذريع للنظام القائم نفسه ،يأتى من أعلى موقع تنفيذى فى البلاد إذا كيف يمكن أن نتصور عقلا أن يملك نظام كل صغيرة وكبيرة فى البلاد مدة ثلاثين عاما ، ثم يفشل فى أن يفرز " رجالا " و" قيادات " محترمة نطمئن إليها فى قيادة البلاد ؟
فى حديث مع بعض تلاميذى ، كان الموضوع يتعلق بمدرسة المعلمين العليا التى كانت قائمة فى مصر عقودا تقل عن أصابع اليد الواحدة ، قبل إنشاء معهد التربية العالى للمعلمين عام 1929 ،وأشرت إلى وثيقة تاريخية أكثر من رائعة ، ألا وهى الكتاب التذكارى للمدرسة بمناسبة مرور ربع قرن على إنشائها ، حيث أورد ثبتا كاملا لأبرز من تخرج منها ، تقرأه فتشعر بقدر غير قليل من الذهول ، فالكثرة الغالبة من قيادات مصر الفكرية والعلمية والسياسية والأدبية طوال الثلاثينيات والأربعينيات، قد تخرجت من هذه المدرسة ، فإذا قفزنا بسرعة إلى كليات التربية التى نشأت وفق نظامها الحديث عام 1970 وتكاثرت، ومن ثم فقد مر عليها أربعون عاما ، وتسأل عمن أفرزته من قيادات فى الأدب والسياسة والفكر والعلوم ، فلا تجد إلا ما قد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة ،ومن هنا كان من حقنا أن نحكم بصورة من صور الفشل لهذه الكليات .
لا تقل لى أن وظيفتها هى تخريج " معلمين " ، فقد كانت هذه هى نفسها وظيفة مدرسة المعلمين العليا ، مع الوعى بأن المعلمين العليا كانت مدرسة واحدة ، أما كليات التربية فهى بالعشرات ؟!
وهكذا يمكن لك أن تحكم – مثلا -على حال " الفن " السابق الذى أفرز عبد الوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش وليلى مراد وأنور وجدى ويوسف وهبى وأمينة رزق ،وغيرهم مما يصعب عده ، بكل الروائع التى أنتجوها ، مما يصعب أيضا حتى مجرد الإشارة إليه ،وحال " الفن " الآن الذى أفرز شعبان عبد الرحيم ،وهذا الذى يغنى " أنا مش خرونج ، أنا كينج كونج ، إيدى مربوطة ، لكن بلعب بينج بونج "!!
وارجع بذاكرتك إلى الوراء بعيدا ، مع بعد الشقة ، وتناقض المجال ، إلى صدر الإسلام ،وكيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يختار القيادات المبهرة للمهمات العسكرية والسياسية والدينية ، حتى ممن كانوا صغار السن ، فإذا بالخبرة والثقة والمناخ وهداية القيادة الرئيسية تفرز لنا مجموعة رجال ، كانوا هم " الخميرة " التى شكلت زناد الحضارة الإسلامية التى فاضت على الدنيا ، عدة قرون علما وإنتاجا ونظما وخيرا وإحسانا، ما زلنا نقتات على بعض آثارها كى نثبت أن لنا قيمة فى هذه الحياة الدنيا !!
لقد سبق لى أن كتبت مقالا بعنوان " تقزيم العمالقة " ، به الكثير مما يفسر هذا التصريح المخزى لرئيس الوزراء ، والذى أدان به – من حيث لا يدرى – النظام الذى يعمل فيه ، من موقع يلى موقع رئيس الدولة ، حيث أن النظام نفسه يحرص أشد ما يكون الحرص على " وأد " أى شخصية تبدو من ملامح خطواتها أنها يمكن أن يُشار إليها بالبنان ، أو تحظى بحب جماهير غفيرة ،وخاصة فى المجال السياسى ،والعكس أيضا ، حيث يحرص النظام على الإبقاء على من تبرهن الخبرة على كراهية الناس لهم وإفسادهم فى الأرض ،ويكفى أن تستدعى إلى ذاكرتك بعض الرموز فى السلطة التى مر على بقائها سنوات طويلة ، وما زالت فى مكانها ،وما هى عليه من سمعة تزكم الأنوف ، وآخرين ، لم يبق عليهم النظام رغم ما برهنوا به من علامات خير !
إنه النهج الفرعونى المستبد القاهر القائم على المقولة القرآنية المعروفة " مأ أُريكم إلا ما أرى " ، فلابد ألا يكون هناك عظيم إلا واحد فقط ،ولابد ألا يكون هناك " حكيم " إلا واحد فقط ، وإذا حاول أحد أن يكون حكيما ورائعا ، فلابد بد من إقصائه على الفور وتغييبه فى غيابات الجُب ، لا ليتلقطه بعض السيارة وإنما حتى يذهب إلى الجحيم ..
هذه هى مشكلة مصر ؟!
والملفت للنظر حقا ، أن عدوى هذا سرت فى مختلف المواقع ، حيث تجد النهج نفسه ، والنتائج نفسها ،وبالتالى المأساة نفسها !


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.