أعتذر مقدما للقراء أن استخدمت مصطلحا أجنبيا بحروف عربية فى العنوان ، وهو النهج الذى أنتقده بشدة ، لكن ، ربما يكون المبرر الأساسى هو أن رئيس الحكومة الذكية الدكتور أحمد نظيف هو نفسه الذى صرح منذ شهور محدودة بأن " السيستم " فى مصر لم ينتج قيادات ورجالا يمكن الاعتماد عليهم فى استمرار المسيرة الوطنية . وفضلا عن ذلك فإن البديل كان فى استخدام مصطلح " النظام الحاكم " ، لكن تذكرى أننا ما زلنا نُحكم بقانون الطوارئ ، فإن نقد النظام الحاكم ، يختلف عن نقد الحكومة ، فالأول يمكن – عند اللزوم – تفسيره بأنه دعوة إلى كراهية النظام العام والتحريض ضده ، مما يؤهل ويمهد لقلب نظام الحكم !! بالإضافة إلى ثقتى التى هى بلا حدود فى ذكاء القارئ الذى يمكن أن يفهم بسرعة ما يريد الكاتب توصيله ، ربما – أحيانا – بغير ضرورة للتصريح به ! وإذا كنا نفهم الذكاء فى علومنا التربوية والنفسية بمعنى يتسع ليشمل ارتفاع كفاءة القدرة العقلية العامة ،وخاصة فى مستويات التفكير والتحليل والحكم والمقارنة وإدراك العلاقات والاستنباط ،والوعى بالعواقب وحسن الربط بينها وبين مقدماتها ، إلا أن التطبيق الحكومى ، يكاد ينحصر فى استخدام التقنيات الاتصالية الحديثة ، فإذا برئيس الحكومة يقيم فيما يسمى " بالقرية الذكية " ، وتتسمى حكومته بالحكومة الذكية ،ويردد هذا كثيرا ، بل ويكاد يتيه إعجابا بهذا الوصف ، حتى لو كان فى حقيقة أمره لا يعدو أن يكون " قبة من غير شيخ يرقد تحتها " ، على رأى عمنا الراحل الدكتور زكى نجيب محمود . والمقارنة البسيطة بين وصف الحكومة الحاضرة بالذكية وواقع حال المواطن المصرى هذه الأيام خصوصا ، يكشف زيف هذا وأننا نعيش " نظاما " يتسم لا بمجرد الغباء ،وإنما بالتخلف الشديد ، فضلا عن سمات أخرى مثل القهر والاستغلال وارتهان الإرادة الوطنية ،وسوف نترك هذه الجوانب مؤقتا ، رغم وعينا بأهميتها ، بل وربما فى قدرتها المؤثرة فيما سوف نشير إليه ونكتفى فقط فى مقالنا الحالى بمحاولة رصد بعض مظاهر تشير إلى قدر غير قليل من التخلف وكذ لك من الغباء . فالأزمات الحياتية الكبرى التى نمر بها جميعا ،والتى لا تخفى على أحد ، يمكن القول بأن كل بلدان الدنيا يمكن أن تعيش مثلها ، لكن ، حتى لو سلمنا جدلا بهذا – مع أنه يستحق الاعتراض والمناقشة – إلا أن المهم جدا أن نرصد كيفية مواجهة مثل هذه الأزمات، فهذا هو الذى يفرق بين الأذكياء والأغبياء : فمعظمنا لابد قد سمع عما يسمى " بنظرية المؤامرة " ،والتى يرتكن فيها الشخص أو الأمة ، على أسباب خارجية دائما فى تفسير ما يواجهه من فشل وإخفاق ، مثل التلميذ الذى يفسر رسوبه فى الامتحان بأن الأستاذ " صعب " فى التصحيح ، أو " متقصده " ، أو أن الامتحان لم يحدث أن جاء من قبل بمثل هذه الصعوبة ..إلى غير هذا وذاك من أسباب ، ليس من بينها أن يكون اتلميذ نفسه قد أهمل ولم يذاكر ، أو فهم الأسئلة خطأ أو أجاب إجابة غير صحيحة ! فإذا كانت حكومتنا " ذكية " حقيقة ، فلابد أن تعى الأسباب الحقيقية ،وأن تتوافر لديها تصورات للمستقبل وسيناريوهات المواجهة لاحتمالات متعددة ، تتحسب لها . لكن التصريحات المعتادة فى كثير من الأزمات تشير بإصبع الاتهام دائما إلى ما هو خارج إرادة الحكومة ، ولعل أشهر التفسيرات التى يعايروننا دائما بها هى أننا نتزايد سكانيا ،ومفروض أن هذه بديهية اجتماعية وبيولوجية ، فكل بلدان الدنيا تتزايد سكانيا ،بل وماذا تفعل بلد مثل الصين التى تتزايد بعشرات الملايين ؟ والهند ؟ واليابان ؟ وأندونيسيا ؟ وأمريكا ؟ وغيرها من بلدان العالم؟ هل يعايرون الناس أيضا بأنهم هم السبب فى المشكلة ؟ أم يعلمون أنه فى الوقت الذى يولد فيه إنسان ، فهذا إذا كان يعنى " فما " قد زاد ، فإنه يعنى كذلك أن " عقلا " قد أضيف ،وكسبنا يدين تعملان ،وأذنين وعينين كأدوات وظيفتها الأساسية هى إكساب صاحبها المزيد من المعرفة . وهناك شئ اسمه " معدلات " الزيادة ، لكل شعب ،وفقا لاستقراء اتجاهات النمو عبر السنوات السابقة ،وهى مسألة ليست عويصة فى معرفتها ،ويمكن لتلميذ فى الإعدادية أن يفهمها ،وبالتالى ، فإذا كان هناك رصد للتزايد السكانى فى مصر منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى الآن ، فماذا تقول فى حكومة " تفاجأ " بنسبة الزيادة هذا العام أو الذى قبله أو الآتى ،وتحت يديها هى الأرقام والإحصاءات المبشرة والتى يمكن التنبؤ بها مقدما ؟ وبالتالى ، فإن ما يرتبط بهذا ،من رصد لمعدلات الاستهلاك فى الكهرباء والغذاء والتعليم والنقل ، إلى غير هذا وذاك من مجالات الاستهلاك المعيشى لجملة المواطنين ، ليس أمرا عويصا معرفته مسبقا والتنبؤ به ، ولدينا جهاز ضخم اسمه الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء ، فضلا عن عشرات المراكز والجمعيات المتخصصة والكليات الجامعية والعلماء والخبراء والأساتذة وفرص متعددة متاحة للاتصال كذلك بمراكز الرصد والمتابعة والإحصاء العالمية والدولية ، فتعرف على وجه الدقة معدلات الاستهلاك فى هذا المجال أو ذاك ، أما بالنسبة للشبكة العنكبوتية للمعلومات ، فحدث ولا حرج من فيض ما بها معلومات وبيانات ، لا يحتاج الوقوف عليهها إلا ضغة زر ! وبالنسبة للمراكز البحثية العلمية فعلى سبيل المثال لدينا فى تربية عين شمس ، منذ ما يقرب من ثلاثين عاما من يُدَرّسون علوم المستقبل فى مجال التعليم ،وكيف أن الأمر أصبح الآن منضبطا بمناهج وأساليب فى التفكير والبحث والدراسة وأدوات ، بحيث يمكن التنبؤ باتجاهات المستقبل القريب والمتوسط ،وفق سيناريوهات ، يمكن أن نضع خطة واستراتيجية مواجهة مناسبة لكل سيناريو ،وبالتالى ، فإذا حدث السيناريو الأول ، نكون جاهزين بالاستراتيجية أو الخطة كذا ،ومن ثم لا تداهمنا الأحداث ، ذلك أن الأمر هنا مثله مثل الحروب ، فالفريق الذى تأخذه " المفاجأة " غالبا هو الذى ينهزم ،والفريق الجاهز بتصورات المستقبل وسنياريوهاته واستراتيجياته ،التى تتسم بالدقة والمرونة ، هو الذى ينجح فى المواجهة ،ولعل أكبر عامل لانتصارنا عام 1973 هو أننا – لأول مرة – لم " نفاجأ " ، بل العكس هو الصحيح ، نحن الذين " فاجأنا " العدو ! هل هذا الذى أقول مما يدخل فى باب العلوم المستعصية على الفهم العام ؟ هل هو مما أتينا فيه بما لم تأت به الأوائل ؟ هل هو مما يدخل فى مجال اللوغاريتمات ؟ لا هذا ولا ذاك ، بدليل مهم هنا ، وهو أننى لست متخصصا فى المستقبليات ، بل أكثر فى " الماضويات " ، ولكن قدرا بسيطا من المعرفة حصلته من تلاميذى الذين تخصصوا فى هذا الشأن ، وبعض القراءات البسيطة المتوافرة لكثيرين ، مكننى من أن أعى مثل هذه الأوليات ،فأصبحت أقف عند هذه الحدود البسيطة الدنيا ! وهكذا ، يمكن لك أن تفسر لى لماذا تقع الحكومة الذكية فى حيص بيص ، كل يوم ، فى هذه المشكلة أو تلك ؟ لعل أشهر الأمثلة ، ولو أننا الآن فى عز الحر ، لكننا نُذَكّر بما يحدث للقاهرة فى أى شتاء من سقوط أمطار لدة ساعة مثلا ..كلنا نعرف التشبيه الشهير : " تغرق الدولة فى شبر مية " ،ويكون من السفه الادعاء بأن السلطات المسئولة " فوجئت " بالأمطار ، فالأمطار منذ قرون احتمال وارد فى الشتاء فى مصر .وإذا استبعدنا الوسائل الهندسية الفنية المعروفة فى مجال " البلاعات " ، فأبسط الأمور التى يلاحظها من لا يعرف القراءة والكتابة ، ما تكون عليه شوارع رئيسية من هبوط وارتفاع ، فتتجمع المياه فى مناطق الهبوط ، مما يترتب عليه بالضرورة توقف حركة النقل تماما ,ويتكرر هذا منذ أن وُلدت أنا فى أواخر الثلاثينيات من القرن الماضى ، حتى الآن ،ونحن نتجاوز العقد الأول من القرن الحادى والعشرين ، دون ظهور أية إشارة إلى أننا نتعلم ،ولو من مجرد الخبرة مثل الأقوام البدائية الأولى لا حكومة ترفع شعار " الإدارة الذكية "! ومنذ ما لا يقل عن ربع قرن وأنا – مثل كثيرين – نقرأ ونسمع عن تغيرات مناخية ، ترفع درجة حرارة الجو تدريجيا ،وعندما يحدث هذا فلابد أن يتبعه استهلاك أكثر للمياه ،واستهلاك أكثر للطاقة الكهربائية ، فكيف يستسيغ عقل إنسان بسيط مثلى والله أن يسمع ويقرأ لمسئولين بأن استهلاك الكهرباء هذا العام تخطى الحدود المتوقعة !! هل لم يطلع هؤلاء على مئات التقارير المحذرة من ارتفاع درجة حرارة الأرض كلها ؟ ألم يسمعوا عن تحذيرات أن ارتفاع الحرارة يمكن أن يؤدى إلى غرق الدلتا ، أم ننتظر حتى تغرق فعلا، ونقرأ ونسمع مسئولا متحدثا عن أن الحكومة قد " فوجئت " ؟! ألا توجد حركة لرصد استيراد أجهزة التكييف وحركة الإقبال على شرائها بحيث يمكن التحسب لمعدلات الاستهلاك ؟! ألا توجد حركة لرصد ما يتم من إنشاءات لمؤسسات جديدة للخدمات وللإنتاج ،ورصد اتجاهات الاستهلاك للطاقة فيها ؟ إن الإجراء الذى اتخذته وزارة الكهرباء فى الحكومة " الذكية " هو قطع التيار الكهربائى بالتناوب بين بعض المناطق بعضا من الوقت ، فهل قام هذا الإجراء على دراسات مقارنة بين الكم الذى يتم توفيره ، وما قد يترتب على انقطاع الكهرباء عن بعض المواقع من خسارة أصبحت بعض التقارير الآن تصرح بأنها تتجاوز عشرات الملايين من تلف لبعض الأجهزة وفساد لمنتجات وتأخر لعمليات إنتاج ؟!