هل ما يحدث في مصر الآن والأزمة السياسية الحالية التي أعقبت عزل الدكتور محمد مرسي هي حرب على الإسلام؟ هل هي صراع بين فسطاطين؟ فسطاط أهل الإسلام وفسطاط أهل الكفر؟ هل هي مواجهة دينية فعلاً كما يصورها قيادات الإخوان وبعض المتعاطفين معهم داخل مصر وخارجها؟ السؤال ليس عارضًا، والإجابة عليه ليست ترفًا، وإنما هي تفكيك لخطأ كبير في تشخيص حال الأزمة، يتسبب في تضليلنا عن طرح تصور واقعي مقبول للخروج منها، إذا كان المؤيدون للإخوان يمثلون فسطاط الإسلام والدفاع عن الهوية، فلنلقي نظرة على الفسطاط الآخر، الذي نصوره على أنه فسطاط الكفر أو فسطاط الحرب على الإسلام كما يرى المتحمسون، في هذا الجانب المعارض لمرسي والإخوان والمتفهم لقرار عزله، باعتباره إنقاذًا لمصر من الفوضى والحرب الأهلية، سترى علماء كبار من أهل الإسلام وقيادات إسلامية تاريخية وكتاب وإعلاميين ودعاة يشهد تاريخهم كله على عطائهم للإسلام وريادتهم للدعوة الإسلامية، لعلنا نذكر هنا المجاهد الكبير الشيخ حافظ سلامة ومن معه، وهو قائد المقاومة الشعبية في حرب أكتوبر وواحد من أشرف من أنجبتهم مصر في تاريخها الحديث كله، وأبرز أعلام الحركة الإسلامية على مدار أكثر من نصف قرن، ويؤيده في رأيه جمع كبير من محبيه وتلاميذه، وفي هذا المعسكر حزب النور ورموزه الدعوية والسياسية، وهم جماعة من خيرة الدعاة وقيادات التيار السلفي التاريخية في مصر، بعيدًا عن مزايدات الصراع السياسي المسف في نقده للمخالف، ومعهم كوادر الحزب الرئيسية وقطاع واسع من قواعده رغم انجذاب قطاع كبير آخر للعاطفة مع الإخوان والدكتور مرسي، وفي هذا المعسكر أيضًا قيادة إسلامية تاريخية مثل الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، عضو مكتب إرشاد الإخوان سابقًا، وحزبه "مصر القوية"، وفي هذا المعسكر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، الذي يمكنك أن تختلف مع بعض اجتهاداته السياسية لكن لا يمكنك أن تنكر علمه وأخلاقه ونبل شخصيته وحبه للإسلام ودفاعه عن قضايا المسلمين في مواطن عديدة، ومعه المئات من علماء الأزهر يرون رأيه، وهناك المئات من علماء ودعاة وزارة الأوقاف، وهناك علماء أفاضل أحادثهم وأتشاور معهم من خيرة علماء الحالة السلفية ومجالسها، من غير حزب النور لمنع اللبس، يرون الرأي نفسه ولكنهم لا يجهرون به اتقاءً لحالة العصبية والتشنج والاتهامات المرسلة، فهل هؤلاء جميعًا يمكن أن يوصفوا بأنهم فسطاط الكفر أو الحرب على الإسلام، لأن لهم رأيًا سياسيًا معارضًا للإخوان ويتفق مع اعتبار عزل مرسي كان حالة اضطرار لإنقاذ البلاد من فوضى وحرب أهلية ووقف نزيف الدعوة الإسلامية ومصداقيتها والقبول الشعبي المتآكل تجاهها، على الجانب الآخر، رأينا في معسكر الإخوان والدكتور مرسي قيادات وشخصيات مسيحية عديدة، وبعض الرموز العلمانية المنحدرة من جذور شيوعية صريحة وشخصيات ليبرالية لا صلة لها بقضايا التيار الإسلامي بالجملة ومنظمات دولية ليس لها أدنى اهتمام بالمشروع الإسلامي، لكنها تقيم من منظور أخلاقي أو حقوقي، فهل يمكن أن نصنف هؤلاء على أنهم فسطاط الإسلام والدفاع عن مشروع الإسلاميين؟ أريد أن أخلص من ذلك إلى أهمية التشخيص الصحيح والواقعي لحالة الصراع الحالي، بعيدًا عن وساوس لحظات الإحساس بالقهر والغضب، هو صراع سياسي حاد، خاضه كل أطرافه القياديين كصراع سلطة لا شأن له بالدين سلبًا أو إيجابًا، وستجد في كل معسكر من الطرفين أهل الدين وأهل العلمانية، يمكنك أن تؤكد أن الحق "السياسي" أو الأخلاقي مع هذا أو مع ذاك، حسب تقديرك السياسي واجتهادك، ولكن لا يصح بتاتًا أن تحاول سحب هذا الصراع السياسي إلى خلفية دينية، ناهيك عن شخصنة القضية، فمن يقف مع مرسي فهو مع الإسلام ومن يقف ضده فهو ضد الإسلام. أيضًا، إذا كنا نؤمن فعلاً بأن المشروعية الثورية هي لثورة يناير فقط، كما يقول الإخوان الآن، فإن علينا أن نتذكر جيدًا الشعار الأساس والوحيد لتلك الثورة، والذي تجمعت حوله كل القوى والتيارات التي شاركت فيه، ليبراليين ويساريين وإسلاميين ومسيحيين، وهو "عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية"، ولم تشهد ثورة يناير أبدًا شعارات دينية، وكان هذا من لطف الله بها، وإلا تمزقت من أول أسبوع، وبالتالي فعندما تهتف مسيرات الإخوان اليوم "إسلامية إسلامية رغم أنف العلمانية"، فهي بكل تأكيد تستند إلى شرعية أخرى غير شرعية ثورة يناير، ناهيك عن أن هذا يمثل تمزيقًا للجبهة الوطنية الإسلامية العريضة التي انتصرت في يناير، وهو ما يمثل خدمة للفلول والثورة المضادة، والحقيقة أن هذا الاضطراب هو ما جعل الإخوان في غمار معركتهم الآن يحقرون من المتظاهرين المعارضين لهم في ميدان التحرير وفي غيره، بأنهم علمانيون وممثلون وراقصات ومسيحيون، ورغم أنه تشخيص غير دقيق، غير أن الأهم أن هؤلاء جميعًا كانوا شركاء لنا في ميدان التحرير نفسه في ثورة يناير، فما الجديد الذي اكتشفناه، وبالتالي فتحقيرهم هو تحقير للثورة ذاتها، رغم أي اختلاف معهم في القيم أو الأفكار أو الديانات. لقد دخل الإسلاميون معترك السياسة فجأة، بدون استعداد أو نمو طبيعي للوعي والخبرة، فتحت لهم ثورة يناير أبوابًا كانت أكبر من قدرتهم على استيعابها، فاندفعوا للمزاحمة المتعجلة، الأمر الذي أوقعهم في سلسلة من الأخطاء العفوية، سببها الأساس نقص الخبرة وتسارع الأحداث، وقد أثمر ذلك كله اضطراب الخطاب السياسي والخلط الشديد بين مقتضيات التدافع السياسي ومقتضيات الخلاف الديني، وبين خطاب الحزب السياسي وخطاب الجماعة الدعوية، ونحن نجني اليوم بعض أثار هذا الاضطراب. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.