جمال سلطان من حق الرأي العام السياسي في مصر أن يسأل عن أسباب تجاهل الإخوان المسلمين لانتفاضة القضاء ، فلم نسمع عن أي مسيرة تضامن إخوانية أو مشاركة في دعم انتفاضة القضاة ، التحرك الشعبي الوحيد نسبيا الذي نتابعه خلال الأسابيع الأخيرة من قبل الإخوان المسلمين هو المتعلق بمشكلة الزملاء في صحيفة آفاق عربية بعد الانقلاب الذي أطاح بنفوذ الجماعة فيها ، لكني أعتقد أن انتفاضة القضاة أخطر ألف مرة من مشكلة الزملاء في آفاق عربية ، رغم تضامني الكامل معهم ومع حقوقهم التي تم اغتصابها بدون ذنب جنوه ، الاتهامات التي وجهها البعض إلى الإخوان بخذلان القضاة في موقفهم الأعظم في تاريخ مصر الحديث لها ما يبررها وما يدعمها في الواقع العملي ، أين هي حشود الإخوان الشعبية التي رأيناها في الانتخابات البرلمانية من الإسكندرية شمالا إلى أسوان جنوبا ، أين هي عشرات الآلاف من الشباب الذين كانوا يحتشدون من أجل الدفاع عن أصوات مرشحيهم وحقهم في المشاركة السياسية حتى سالت دماء المئات منهم واستشهد آخرون ، فص ملح وذاب ، لا أحد يسمع لهذه الحشود صوتا ، وتركوا القضاة وحدهم في معركة الوطن كله ، ومعركة الإخوان أنفسهم ، هؤلاء القضاة لا يدافعون عن مصالحهم الفئوية والشخصية بل إن انتفاضتهم يدفعون ضريبتها من هذه المصالح نفسها ولكنهم يضحون بالشخصي من أجل ما هو عام لصالح الوطن ومستقبله ومستقبل العدالة فيه ، هؤلاء القضاة هم الذين قاتلوا من أجل حماية المقاعد التي حصل عليها الإخوان في الانتخابات ، ولولا وقفتهم البطولية وجسارتهم وشرف موقفهم وتضحياتهم التي يدفعون ضريبتها الآن ، لولا هذا كله لما رأى الإخوان مقعدا واحدا في البرلمان ، ولما أمكن لهم أن يتباهوا في الخارج والداخل بأنهم قوة المعارضة الرئيسية في البرلمان ، أليس من حق هؤلاء الذين ضحوا من أجلنا أن ننصرهم ونضحي من أجلهم ، أم أن نخذلهم ونسلمهم لخصومهم عراة من أي دعم شعبي ، أنا لا أذهب مع الذين يروجون لأن الإخوان ينتظرون دائما نهاية المعركة من أجل قطف ثمار ضحى من أجلها آخرون ، فالإخوان ضحوا من قبل وما زالوا ، صحيح أن تضحياتهم كانت لمشروعات تخصهم أو قضايا تتعلق بالجماعة ونفوذها وحضورها السياسي ، وندر أن يضحوا من أجل قضية وطنية جامعة ، ولكني أعتقد أن تضحياتهم في النهاية أيضا تصب لصالح القضية الوطنية ، ولكني على المستوى الإنساني والوطني والديني لا يمكن أن أتسامح مع موقف يخذل قضاة مصر ، الممثلين الشرعيين الآن للقضية الوطنية المصرية بكاملها والرمز الأهم لمسيرة الإصلاح في بلادنا ، أعرف أن التضحيات التي ستقدم في مثل هذه الحالة ستكون كبيرة ، ولكن القضية تستحق ، كما أن الجماعة بحكم كونها الفصيل الشعبي الأكبر بين قوى المعارضة المصرية تتحمل ، شرعا وعرفا ووطنية ، المسؤولية الأكبر وينتظر منها التضحيات الأكبر ، لا يصح ولا يجوز أن يتحرك بعض الشباب الوطني الغيور وحدهم ، على قلة ، في الشوارع وعلى أعتاب المحاكم وأبواب النقابات ، دعما للقضاة ويدفعون ضريبة الوطن من حريتهم ومن مستقبلهم ، وبعضهم طلاب ، وهم لا يمثلون جماعة ولا حزبا ولا مؤسسة ، وإنما يمثلون براءة وطن وجيل جديد يبحث عن حياة أكثر حرية وعدلا وكرامة ، بينما جماعة بحجم وضخامة الإخوان بقياداتها وقواعدها ، يتفرجون كالعوام والدهماء على المشاهد "الجميلة" للاعتقال والسحل على شاشات الفضائيات ، إن من لا يشارك ويتحمل ضريبة الوطن ، كل الوطن ، للإصلاح ، لن يكون جديرا بمكان كريم في ظلال فجر جديد . [email protected]