الكتلة الحرجة.. في الأصل هي اصطلاح شائع في العلوم النووية، قد يحتاج إلى شرح، وأنا درست في الجامعة "الكيمياء النووية" و"الفيزياء النووية" على يد علماء كبار في مصر.. ولعل ذلك ساعدني على فهم معناه الاجتماعي، بعدما انتقل ليكون أحد أهم مفردات علم الاجتماع السياسي.. وألحظ أن المفكر السياسي الكبير الزميل عبد المنعم سعيد، هو أكثر الباحثين استخداما لهذا المصطلح للدلالة على "النقطة" التي عندها تنكسر قدرة المجتمع على تحمل نفقات فاتورة "الاصلاح الاقتصادي" أو فساد رجال الدولة.. حيث ينفذ صبره وينتظم في احتجاجات واسعة يصعب السيطرة عليها أمنيا، قد تؤدي بالتراكم إلى اندلاع ثورة جماهيرية على غرار ما حدث في "قيرغيزستان" مؤخرا.. حيث انتفض الشعب وهرب الرئيس خارج البلاد. سعيد.. في مقالات سابقة كان يتساءل: أين هي الكتلة الحرجة؟!، وذلك في رده على المعارضة التي تراهن كما يرى سعيد على أن مرور مصر بمرحلة "الفوضى" قد بات شرطا ل ولوجها عصر التغيرات السياسية الكبيرة.. والسؤال كان عادة يطرح بشكل "استهزائي" ساخر، خاصة وأن د. سعيد لم يكن ليخوض في موضوع إلا وكان مسلحا بالأرقام والإحصائيات والتي بتحليل مضمونها بحسب قراءته وأداوته الخاصة تسفر في النهاية عن نتيجة واحدة، هي أن "الكتلة الحرجة" التي تراهن عليها المعارضة، ترفل في نعيم "الاصلاحات الاقتصادية" التي تبناها الوطني منذ ثلاث عقود مضت.. وكان عادة ما يسأل: إذا صدقنا التقارير التي تقول إن 40% من الشعب المصري يعيشون تحت خط الفقر، فلم لا نسأل عن ال 60% الأخرى التي تشكل قوام الكتلة الحرجة التي تنتظر ثورتها المعارضة المصرية؟! عبد المنعم سعيد وهو أحد أهم منظري الحزب الوطني كان يعتمد على مسلمة واحده، وهي أن الكتلة الحرجة "هوس" لا يوجد إلا في رأس المعارضة المتطرفة، وأن "الوطني" لا تعنيه مثل هذه "الهلاوس" باعتبار أن أكثر من 60% من المصريين يتفيأون جنات الوطني الاقتصادية.. وهي النسبة "الخطرة" التي باتت بفعل الاصلاحات الرسمية كتلة "مأمونة" ومسالمة وربما مغيبة في "النعيم" الذي وفرته لهم الحكومات التي تعاقبت في فترة حكم الرئيس مبارك!. يوم أمس السبت 16/4/2010 كتب د. عبد المنعم سعيد، مقالا في الأهرام، نقل فيه بشكل لافت وصادم "الكتلة الحرجة" من موقع "هلاوس" المعارضة لتحل محل "القلب" من اهتمامات الحزب الوطني ليس فقط قبل الاستحقاقات البرلمانية والرئاسية المقبلة.. ولكن أيضا الآن وعلى وجه السرعة.. بل إنه حذر الحزب الوطني من أن الكتلة الحرجة "المسالمة" ربما تتخلى عن حياة "الدعة" التي تعيش فيها تحت ضغوط تطلاعات أعلى.. وربما يتصيدها الآخرون وتحويلها إلى "قوة ثورة"! هذا الانقلاب في رؤية د. سعيد بشأن الكتلة الحرجة.. كان لأول مرة صادقا فيه، لأنه كتبه بعد ثورة "الكتلة الحرجة" في "قيرغيزستان " والتي حركتها دعوة للإضراب وقف ورائها الائتلاف المعارض "الحركة الشعبية الموحدة" ردا على الفساد والبطالة والفقر والمحسوبية والاستبدا وتوريث "باكييف" السلطة لعائلته. كان واضحا أن ثورة ""قيرغيزستان " ألقت بظلالها على مقال الدكتور سعيد.. ويبدو أن الأخير استشعر الخطر، واكتشف أخيرا أن المسألة لا تحتمل مثل هذا "الاستخفاف" الذي تعامل به مع المصريين طوال السنوات الماضية.. الوضع فعلا لا يحتمل "هزار" ولا يحتمل لي عنق الأرقام والاحصائيات وخداع "الاصدقاء" في السلطة بأن الجو بديع والدنيا ربيع.. ولا ضير من تقفيل الصناديق.. فربما "الجرة" لا تسلم هذه المرة. [email protected]