في حوار مع صديق لي .. يعد "مثقفا" يتباهى ب"علمانيته" ... واستشعر منه بعض الاستعلاء على باعتباري "مثقفا غيبيا" .. رغم أن صديقي خريج معهد تربية رياضية ويعمل "مدرس ألعاب" .. وأما أنا صحيح أني اعمل صحفيا إلا أني تخرجت في كلية العلوم قسم الكيمياء ! اكتشفت أن الرجل لايفرق بين مفهومي "العلم" و"العلمانية" فهو يخلط بينهما خلطا مضحكا .. لايفهم عن العلمانية إلا مفهومها الدارج أو المحصور في جانبها السياسي أي أنها تعني "الفصل بين الدين والسياسة" . المهم أنه في إحدى زياراته لي ، كان مستاء وغاضبا من الشيوخ في المساجد ، وتساءل مستنكرا : كيف ونحن في القرن الحادي والعشرين ، لايزال خطيب الجمعة يتحدث عن الجنة والنار ويعظ الناس في الغيبيات ؟! فقلت له ضاحكا : يا صديقي العزيز لاحظ أنك تتحدث عن مسجد وليس عن معمل كيمياء أو فيزياء أو مفاعل نووي لتخصيب اليورانيوم .. سكت ولم يعقب ! هذه ليست "عقدة" صديقي وحده .. بل هي عقدة الكثير .. لا أقول من ذوي التفكير العلماني .. ولكن ممن يعانون من عقدة النقص والدونية أمام كل من هو غربي أو شعره اشقر وعيونه "ملونه" . المدهش بل والمضحك أن كل من يدعي الاستنارة .. يتباهى أنه من سلالتها الطبيعية وليست المستنسخة أو المخلقة في معامل عقد النقص والدونية .. يريد من الشيخ أو من الواعظ .. في المسجد أن يتحدث عن الذرة وتركيبها الداخلي .. من بروتونات ونيترونات والكترونات .. وعليه أن يبين للمصلين أن الذرة متعادلة الشحنة لتساوي عدد البروتونات الموجبة بداخلها مع عدد الالكترونات السالبة الشحنة والتي تدور في مدارت الطاقة حولها .. وعلى المصلين البسطاء والغلابة بل والاميين منهم أن يحفظوا عن ظهر قلب قوانين نيوتين وقانون الطرد المركزي وقانون "حفظ الطاقة" لاينشتاين وقوانين الحركة المغزلية للالكترونات في مدرات الطاقة الفرعية ! يعني يريدون من الشيخ أو الواعظ أن يلاعب هو على المنبر الالكترونات على "الشناكل" على رأي صديق لي يعمل الان استاذا للفيزياء النووية باحدى الجامعات المصرية ، حتى يكون شيخا " مودرنا " يستحق شرف الاعتراف به في الاوساط المخملية ! حتى عندما تكلم جيولوجي كبير واستاذ بالجامعات البربطانية مثل د. زغلول النجار في الاعجاز العلمي للقرآن الكريم لم يسلم الرجل من السنتهم ، إذ سلقوه بكل نقيصة .. واتهموه بالدجل والدروشة والهلوسة ! ويحضرني في هذا السياق أني قرأت مقالا ساقني إليه القدر في صحيفة القدس العربي ، كتبته سيدة لا أعرفها ، كان المقال من قبيل تأبين الزميل الراحل ماهر عبدالله رحمه الله تعالى الذي كان يقدم برنامج الشريعة والحياة بقناة الجزيرة الفضائية ، إذ فوجئت بالكاتبة تتحدث باعجاب عن ماهر عبدالله لأنه أول اخواني .. يرتدي "بدلة وجرفت"! طبعا الرجل رحمه الله كان متدينا وعلى دين وخلق ولم يكن اخوانيا قط .. غير ان الكاتبة وتحت تأثير الثقافة الشعبية .. ترى في كل متدين إخوانيا ! وهذا يذكرني عندما كان يتحدث البسطاء في قريتي ويتساءلون : تعرفون فلان الفلاني ؟! فيرد آخر : تقصد الواد الاخواني ؟! ... لقد بات في عرفهم اخوانيا لمجرد أنه يرتاد المساجد ! لكن المدهش حقا .. أن الكاتبة كاد اعجابها بماهر يأخذها كل مأخذ لأنه "أول اخواني يرتدي بدلة وجرفت ويصافح النساء" ! لاتعرف هذه المسكينة التي بدا لي من كلامها انها مصرية تعيش"في الطراوة" بعيدا عن الوطن ولا تعلم عنه شيئا .. لاتعرف أن بالاخوان علماء ذرة وفلك ورياضيات واطباء كبار وفي تخصصات عالية جدا وذلك بين رجالها ونسائها المحجبات واللائي لايعجبها حجابهن ، وأنهم جميعا يعيشون على "الموضة" ويتقنون التعامل مع أرقى انواع التكنولوجيا في العالم . وللحديث بقية إن شاء الله تعالى [email protected]