التحذير الأخير للجيش، جاء في الوقت المناسب، معلنًا وفاة النخبة الدينية والمدنية في مصر. الجيش استخدم ولأول مرة لغة واضحة، لا تحتمل تعدد التأويلات أو القراءات.. كان موجهًا للجميع، سلطة ومعارضة: أمامكم أسبوع من الآن، وإلا سأضطر إلى التدخل. تدخل الجيش هنا هو العنوان الأبرز، ولكنه يخفي خلفه الكثير من التفاصيل، إذ ماذا يعني مثل هذا التدخل؟! الجيش قال إنه لن ينتظر إلى أن تخرج الأمور عن السيطرة، وبمعنى أمني، فإنه حريص على منع "الجريمة" قبل وقوعها.. ولذا على الرئيس والمعارضة، أن يعيا جيدًا المهلة التي حددها لهما "كوبري القبة". 30 يونيو.. هو آخر يوم للمهلة.. ولكن وفقًا لكلمة وزير الدفاع فإن ثمة قرارًا ستتخذه المؤسسة العسكرية، قبل فجر هذا اليوم.. وهذا ما نفهمه من أنها لن تنتظر إلى أن تخرج الأمور عن السيطرة. هذا الكلام يعني أن مصر، خلال أقل من شهر، ستشهد تغييرات سياسية كبيرة، ومفصلية، قد تكون على شكل مغاير تمامًا للمرحلة السابقة عليها. تحذير الجيش كان موجهًا للجميع.. ولم يستثن أحدًا، غير أن صدوره، عقب مليونية الإسلاميين، في ميدان "رابعة العدوية" يوم الجمعة، 21/6/2013، ربما يجعله تحذيرًا موجهًا للإخوان وحلفائها في المقام الأول. والمشكلة الأكبر ربما تتعلق بسؤال "التدخل" شكله وحدوده، ولا أدري ما إذا كانت السلطة والمعارضة على وعي بمعناه الحقيقي لا المجازي.. لأن التدخل هنا لن يكون مرهونًا بوقوع أحداث العنف، وإنما بمنعه قبل أن يحدث فعلاً.. ومن الثابت أن صناع الأزمة، وأطراف الدفع بالبلاد إلى أتون الحرب الأهلية معروفة في السلطة وفي المعارضة، وهذا يعني صراحة أن التدخل، ربما يشمل سلسلة من الاعتقالات التي تطال عددًا من قيادات ورموز صناع الفتن السياسية، ودعاة العنف في الطرفين. الرسالة التي أبرقها الجيش، في معناها البسيط، أن أمام السلطة والمعارضة، أسبوعًا لتسوية الخلافات، وإلا فإن بالسجن والمعتقلات، متسعًا لذوي العقول الضيقة.. وللجهلاء السياسيين، ولأمراء الدم.. وأثرياء الفتن السياسية. وفي تقديري أيضًا أن تحذير المؤسسة العسكرية، ربما يكون قد جاء متأخرًا، وبعد فوات الأوان، فكلا الطرفين على عناده وشروطه، فيما لا تثق بالمرة المعارضة بوعود مؤسسة الرئاسة، ولا توجد ضمانات تعيد الثقة المفقودة.. وتصر الأولى على موقفها بضرورة إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.. فيما يهدد أنصار الرئيس، بأن إزاحته عن الحكم دونه الدم.. ما يعني أن الصدام واللجوء إلى العنف، هو السيناريو المرجح ليوم 30 يونيه.. والأيام التالية عليه.. ما يعطي شرعية أخلاقية ووطنية ل"الخيار المر".. وتوسعة السجن الحربي، والسجون المدنية الأخرى لاستقبال "زبائن جدد" من ذوي الجلابيب والياقات البيضاء ونجوم المنصات والفضائيات المخملية. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.