حين نشاهد كم حشود الجمعة الماضية فى محيط ميدان رابعة العدوية ونرى أنه لم يحدث بها حالة تحرش واحدة أو حالة عنف واحدة وأن المحلات لم تغلق أبوابها مكان التظاهر يجب أن نلتفت إلى دقة التنظيم وحسنه رغم وجود تباينات فى الصورة. وحتى تكتمل تلكم الصورة علينا أن ندرك أنه مع قرب مرور عام على تولى الرئيس مقاليد الحكم لابد من أن نتساءل ماذا فعل وما هى المعوقات وهل صارح بها الشعب ولعلنا نتساءل عما وعد به وهل فعله؟ وفى نفس الوقت يلفت النظر تقرير رئاسة الجمهورية بمناسبة مرور عام على تولى الدكتور مرسى منصب الرئيس ورغم وجود بعض الإيجابيات فى التقرير إلا أنها لا تتضمن الحديث عن أي هدف قومي أو أي مشروع قومي وهو أمر أراه مخلًا بمفهوم حكم دولة بحجم مصر وبعراقتها، فالحكومة الرشيدة هي التي تسبق تطلعات الشعب وليست التي تستجيب فقط لمطالب الجماهير الآنية، فذاكرة الجماهير قصيرة المدى أما الحكومات الرشيدة فذاكرتها تمتد لقرون ولكن على تلك الحكومات أن تدرك أنه لا تقدم بلا تضحيات يجب أن تطالها في البدء، فلا يمكن أن تطالب الشعب بالتقشف وأعضاء آلية الحكم ينعمون برغد العيش! ورغم أن أغلب الحوارات العامة تركز عما يمكن أن يحدث أول يوليو القادم وكأن رحيل الرئيس بات أمر]ا مقدرًا متناسية أن انتخاب الرئيس أحد الاستحقاقات الخمسة التي قال الشعب فيها كلمته وهي التعديلات الدستورية 2011م وانتخاب مجلسي الشعب والشورى وانتخاب الرئيس والاستفتاء على الدستور والتي لا يجوز التنازل عنها؛ إلا أنه رغم ضبابية حوارات القضية والسلمية الممتنعة التي تشير إليها أطراف المعادلة السياسية كافة فى مصر تجعلك تؤمن أنه لا سبيل أمامنا سوى السير في اتجاهي البناء والقضاء على الفساد وهو حل ممكن ولكنه يحتاج إلى حسم وحزم في منظومة يسودها العدل المطلق. لقد درجنا على الإقصاء والإقصاء المضاد: هؤلاء شباب وهؤلاء شيبة، وهؤلاء رجال وتلكم نساء، وهؤلاء عسكريون وتلكم مدنيون، وهؤلاء مسلمون وتلكم أقباط، والسلسلة لا تنتهى، ولعلنا نحتكم لأصيل ثقافتنا فنعلن أنه لا للإقصاء لمصري مهما كان. ولنتساءل هل استطاعت آلية الحكم أن تغير من منظومة القانون الذى لا يعلى قيمة العدل المطلق والمليء بالثغرات حتى بات للقضية الواحدة وبالقانون أكثر من حكم محتمل؟ وهل كانت آلية الحكم موفقة حين أقصت أحد استحقاقات الشعب الخمسة وهو مجلس الشعب؟ ولعلنا نصرح بأن تلكم كانت بداية تداعيات أخطأت فيها آلية الحكم وجرت علينا جميعًا تداعيات عام بأكمله. ولعلنا نستشعر أن كلمة السر في أي عمل تنموي هي العدل وعلينا أن نطبقها بحزم حين نترسم الخطى فيه. وحتى حين نترسم تلك الخطى علينا أن نستشعر أصول قيمنا المجتمعية من واقع ثقافتنا التى لا تنادى بالخرافات والتى تُعلى من المطلق فى كل شيء ونستشعر كم نحن غافلون عن تلك القيم الإنسانية التي تنادي بالمساواة والعدل فهل نتفهم تلك الأمور أم أن علينا أن نعيد إنتاج تاريخ أوروبا الأسود والذى نتج عنه أكبر ضحايا البشرية لعدة قرون؟ لقد بات العدل هو القيمة التي بفعلها سوف تستقيم أمورنا فهل نحن على استعداد لتلك الخطوة التي أراها أساسية أم أن أيدينا المترددة المرتعشة سترسم لنا طريقًا آخر يعيدنا إلى دائرة التخلف التي ما برحناها والتي نريد أن نلفظها؟ لقد بذلنا جهدًا لكشف الفساد ولم نكترث بالفرص التي أهدرناها لنقدم الفاسدين والمفسدين لمحكمة ثورة لإهدار مقومات الشعب. هذا الكشف الذى تفوح منه رائحة كريهة بأحكام البراءة المتوقعة التي تطال أغلب رؤوس النظام السابق، لأننا قصرنا ليس فقط في تشكيل محكمة ثورة بل قصرنا فى إصلاح منظومة القضاء والقوانين التي يحكم بها. وحتى حينما شكلنا نيابة ثورة تركناها نهبًا لقانون ليس به جريمة فساد سياسي! القضية يبدو أن بها شبهة جهل أو تجهيل أو غباء أو تغابي سياسي! وفى هذا الخضم يبدو أن مرحلة ما بعد كشف الفساد وهي التطهير أمامها زمن طويلا حتى تحدث؛ إن حدثت؛ وهو أمر يطل من ثناياه السؤال التالي: متى يحدث التطهير إن لم يحدث اليوم، أم أنه سيلحق بالفرص المهدرة في حق استحقاقات الشعب؟ ولنتساءل هل علينا أن نُفَعِّل عنصر الزمن لنثبت أننا يجب أن نُحيى هؤلاء الذين جسموا على جسد الشعب لعقود يملئون عقوله بما يُسمى التحكم فى العامة وكانت النتيجة أن ذهبت أموال الشعب لجيوبهم وقذفوا له بالفتات؟ والعجيب أن العديد ممن شارك في النظام السابق يدعى الوطنية وهو أمر يجعلني أتساءل عن مقياس للوطنية سوى الكلمات المعسولة والوعود البراقة والخطب الرنانة! أين العمل وأين وأين؟ بل وما هي السيرة الذاتية لمن يتحدث عن الوطنية من ناتج عمله طبقًا لمقوماته الشخصية والعلمية غير أنه تم الاستعانة به من قبل الفساد لنشر الإفساد. لقد درجنا على التعايش مع منظومة تجهيل فى مختلف مناحي حياتنا ولابد من التصدي لها. وأبسط مثال لتلك المنظومة ما يحصل بمقتضاها من لا يعرف القراءة والكتابة على أجر أعلى من خريج الجامعة في رسالة واضحة لجدوى أو عدم جدوى التعليم والثقافة وكل القيم النبيلة في ثقافتنا. هناك العديد من الحلول للوضع المتردي الذي نحياه بدون بارقة أمل، واللوم للحكومة ولآلية الحكم لأنها ضعيفة فلا نجد لها عذرًا سوى أن توجهاتها وحلولها إن وجدت بطيئة بحكم كم الفساد المستشري في مفاصل الدولة (وهو ليس بعذر ولكنه محفز لبذل مزيد من الجهد) وبحكم تطلعنا لمكان نستحقه نتأخر عنه بمضي الزمن. إنه لمن الصعب تجاهل تدافع الخصوم لتقويض حلم التنمية قبل أن يرى النور ولهذا لابد من يد قوية بالحق والعدل وقبل ذلك لابد من رؤية لم أشعر بها حتى الآن! لقد غاب عن المجتمع معيار العمل لعقود ومن ثَمَّ بتنا نخلط بين آلية العمل ومعيار العمل فعلى سبيل المثال حينما تحدثنا عن اختيار القيادات الجامعية تحدثنا عن الآلية بالانتخاب ولم نتحدث عن معيار شغل تلك الوظائف، وحتى في آلية الانتخاب تحدثنا عن آلية خرقاء تسمى المجمع الانتخابي يمكن تفصيل عملها حسب الأهواء حتى يمكن من خلالها السيطرة على النتائج بالقانون ودون سند من المنطق وكانت النتيجة أن أتى العديد من عمداء الكليات ورؤساء الجامعات ممن يشغلون تلك المناصب منذ العهد السابق. وللأسف لم تلفت تلك النتائج نظر أحد! إن محاسبة كل مسئول بما فيهم الرئيس أمر مستحب ولكن بالأسلوب الذى ارتضيناه وهو الديمقراطية، إضافة إلى بذل النصح وتقديم البدائل! في النظم الديمقراطية تنشأ حكومات ظل من المعارضة تنصح وتعارض وتعمل لمصلحة الوطن فهل نحن نسير على هذا الطريق أم أن الهدف الكرسي وبعد ذلك سنفكر ونفكر ونفكر؟ القضية أكبر من أن تحتمل تطاحنات فى الشارع حتى لا تُضار الدولة، فهناك بوادر عنف من المعارضة فهل ننتظر العنف المضاد كما يُتداول علنًا وعلى شبكات التواصل الاجتماعي فى ظل غياب منظومة العدل والشرطة؟ ونحن فى مسيرتنا هذه علينا أن نتفاخر بحضارتنا وننشرها بشرط وحيد هو التزامنا بقيم تلك الحضارة وأولها العدل. ولنتساءل كيف لا يتم تفعيل دور مجلس الشورى بسن قوانين ترفع الظلم عن الجميع؟ لم يشعر المواطن العادي بالتغيير المنشود ولو في مجال وحيد لأن يد العمل فاسدة وغير عادلة ولكنها للأسف قانونية، ولكن الشعب الذى انضبط سلوكه خلال الشهر التالي لأحداث يناير 2011م يتعطش للعدل فما هو العمل؟ من خلال متابعة ما يدور في مجلس الشورى وهو المجلس المنوط به التشريع حاليًا نجده يُشَخِص الوضع الداخلي ثم لا يتخذ أي إجراء. هذا الخلل لابد أن يستتبع وقفة لأن المجلس بهذا ضعيف ومقصر. فهل لنا أن نرسل رسالة مفادها أننا نريد أن نرى فعلًا من الحكومة ومن المجلس النيابي، أم أن الخوف من النتيجة يغل اليد عن العمل؟ ألا يدرك أعضاء المجلس وأعضاء الحكومة أن فساد النتيجة أو المنتَج لا تعني فساد الآلة إلا أن فساد الآلة يستتبعها بالضرورة فساد المنتَج. لعلنا ندرك إن الآلة هنا هي القانون والمنتَج هو العدالة. يقول شارل ديجول رئيس فرنسا الأسبق: حيث إن السياسي لا يصدق أبدًا ما يقول، سيفاجأ بوجود أناس تعتبره ملتزمًا بكلامه. أ.د. محمد يونس الحملاوى أستاذ هندسة الحاسبات، كلية الهندسة، جامعة الأزهر عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.