رغم سخونة التوقعات لما قد يحدث خلال الأسبوع القادم مع قرب مرور عامين على انتفاضة الشعب عام 2011م، يبقى أن نأمل فى يد قوية للدولة بالعدل وبالحق. لقد تعدى المشهد السياسى محاولة إظهار الرؤى السياسية والدفاع عنها فى إطار ديمقراطى إلى محاولة إسقاط الدولة، وهو أمر لا يجب أن ننساق إليه. فى مقارنة سريعة للموقف السياسى قبل وبعد يناير 2011م، نجد العديد من التشابهات التى تمس المواطن العادى، بل وتمس مسار الدولة، ولكن هناك خمس محطات فاصلة يشهد الجميع بنزاهتها بعكس مثيلاتها فى النظام المنحل، ولا يختلف عليها أحد تبدأ بالتعديلات الدستورية فى مارس 2011م، وتتضمن انتخابات مجلسى الشعب والشورى وانتخابات رئيس الجمهورية وخامسها الاستفتاء على الدستور. وكل ما عدا تلك المحطات الخمسة هو من بقايا النظام القديم وهو ما نأمل تغييره، فبدون تغيير المنظومة السابقة لن تخطو المنظومة الجديدة أية خطوة نحو التنمية والتقدم. القضية التى لا يدركها الغالبية أن بناء الوطن لا يتم من خلال معالجات جزئية، بل من خلال تغيير المنظومة بأسس، حاول الحكام الحاليون تغييرها وهم خارج السلطة. قضية أن الصورة من الخارج غيرها من الداخل تعنى الفشل الذريع فى تقديم نموذج جديد يمكن أن يدفع المجتمع للأمام وهو أمر يحتاج أن نهز المجتمع لينتفض للأمام، وهو أمر لم يلمسه المواطن العادى حتى اليوم رغم مرور عدة أشهر على انتخاب رئيس الدولة وعلى غياب أى مشروع قومى يحدد معالم لا ملامح النظام الجديد. الصورة تبدو مهتزة عند رجل الشارع الذى يعطيه النظام الأسانيد لمعارضته. ولنأخذ مثلاً موضوع قرض البنك الدولى الذى يحاول بعض علماء السلطان التلاعب بفلسفة فائدته على أنها ليست بربا رغم وضوح الأمر لكل ذى بصيرة. هذا الوضع وغيره لا يمكن أن يصنع تنمية وهى القضية الأخطر فى منظومة الحكم. فى واقعنا الأسيف، يحاول بعض من يتصدر الساحة الإعلامية إيجاد الأعذار للبطء فى التنمية والتهليل والتطبيل لأى قرار لا موضع محدد له فى منظومة التنمية التى لم أسمع عنها كغيرى من أبناء الوطن. أقترح أن ينظر مسئولو الحكم الحالى إلى سلوكهم ومطالبهم وهم فى صفوف المعارضة ليحققوا ما كانوا يدعون إليه ويطبقوه على أنفسهم. إن مقارنة بسيطة بين الموقفين لكفيل بتنمية الشعور تجاه السلطة إما إيجاباً أو سلباً. حال بناء منظومة تنمية لإنهاض الوطن يجب أن ننظر إلى ما يجب أن يحدث ونقارنه بما يتم على أرض الواقع وهاكم بعض الأمثلة. دعم الطاقة المعلن أغلبه تدليس على العامة لأنه لا يفترض معرفة المجتمع بالتكلفة الفعلية للغاز الطبيعى الذى ننتجه والذى نبيعه بسعر مُربح ولكننا نتخيل أننا حال بيعه فى الخارج سنربح مبالغ طائلة هى الدعم الوهمى. وفى مقابل هذا الوهم تربح شركات الغاز وتغدق على موظفيها من تلك الأرباح الوهمية لنصل إلى منظومة تماثل بل تطابق ما كان يتم فى العصر البائد. أليس لمنظومة الحكم أن تصارح الشعب الذى أعتقد أنه من خلال خطاب واقعى شفاف لابد من أنه سيستجيب لدواعى تنمية الوطن؟ وهاكم مثال آخر يتعلق بشركات الغاز التى تفرض على من يقوم بإدخال الغاز الطبيعى لمسكنه دفع مبلغ مساهمة فى شبكة الغاز لتستطيع دفع أرباح وهمية لموظفيها من جيوب دافعى الضرائب. أما كان من الممكن أن تكون تلك المبالغ التى يدفعها المواطن العادى أسهمًا فى رأس مال شركة توزيع الغاز ونحن نتحدث عن المشاركة المجتمعية؟ أليس من الظلم أن نقتطع المال من جيوب الشعب لتصل إلى جيوب مسئولى وموظفى شركات الغاز؟ أمن المنطق أن يحدث هذا ونحن نتحدث عن الصكوك التى تحاول الحكومة طرحها والترويج لها كحل إسلامى لمشكلة الإقراض؟ وحينما نتحدث عن الإقراض لابد أن نراجع مفهوم سندات الخزانة وأرباحها التى تدخل تحت باب الربا والتى لا يتحدث عنها أحد مجاراة لترويج الحكومة لفائدة قرض البنك الدولى على أنها ليست ربا، ويتحدث من يتصدر المشهد الإعلامى المدافع عن السلطة عن أمور لا تمت لجوهر التنمية بصلة. أما يمكن للحكومة أن تصارح الشعب بحقيقة الموقف المالى للدولة وحقيقة خططها للتنمية، أم أن غياب خطط التنمية الجادة والحقيقية تجعل الحكومة فى موقف الضعيف؟ أنت فى الموقع الذى تضع فيه نفسك كما يقول المثل الأمريكى. ألنا أن ننفض عنا غبار التخلف والتردد والخوف ونخوض غمار التنمية بفكر واضح وبعزيمة قادرة على الفعل الموجب وليس إضاعة الوقت والتردد فى اتخاذ قرارات قوية تدفع المجتمع للأمام؟ أكرر احتياج المجتمع لهزة قوية تدفعه للأمام وإن لم تستطع الحكومة فعل هذا فعليها أن ترحل لتترك الساحة لمن هم أكفأ منها. ودعونى أقول بمنتهى الشفافية أن تعاطف الشعب مع من أفرزته انتخابات نزيهة أمر قريب إلى قلوب غالبية الشعب، ولكن حُبنا للوطن أشد! فليعى الحاكم ذلك ولا يضع الشعب فى هذا الخيار الصعب، خاصة أن المواطن العادى يريد أن يلمس تغييرا جذريا فى حياته فى الاتجاه السليم. هناك العديد من القرارات التى يجب اتخاذها والتى يجب أن تطبق الدستور المستفتى عليه وللأسف تلوح فى الأفق بعض القرارات التى تتعارض مع ذلك، بحجة الحفاظ على المسرح السياسى بدون تغيير جذرى لحين إجراء انتخابات مجلس النواب، وهو أمر إن دل على شىء إنما يدل على انعدام الشفافية وارتعاش اليد. فى مسيرة حل مسألة عجز الموازنة نلاحظ أن الاقتصاد المصرى يعانى من بضاعة راكدة فى مخازن الحكومة تقدر بنحو اثنين وتسعين مليار جنيه تشكل حوالى نصف عجز الموازنة المعلن! ماذا فعلت الحكومة للاستفادة من هذا المخزون الراكد؟ الأمر يتعدى كل هذا لأن الهدف القومى غائب، ولأننا لا نُطلع الشعب صاحب المصلحة الحقيقية على خططنا للتنمية إن وجدت! قضية التنمية تحتاج إلى حقن شجاعة لكل منظومة الحكم التى تعَوَد أغلب أعضائها بحكم تاريخهم على عدم الصدام، ولكن التخلى عن الزحف والذى هو خطوة خارقة (وليست صغيرة) للأمام نقيصة، وأى نقيصة؛ لأننا بهذا نضر الوطن أكثر من أى شىء آخر. ولنتساءل: هل يمكن استيعاب ذلك المخزون من خلال الحلول التقليدية من داخل الصندوق سواء كان الصندوق الدولى أم المحلى؟! فى منظومة التنمية، هل يمكن استكمال منظومة العدل من خلال قوانين كلها خروقات لا تضع حكماً محدداً لكل واقعة، ولكنها باستمرار تتيح إمكانية الحكم على الشىء الواحد بعدة أحكام من خلال منظور السلطة سواء كانت موظفاً أم قاضياً؟ كثر الحديث عن قضية فساد القضاء، رغم أن القضية التى يجب أن تثار هى قضية الإفساد بوضع قوانين ظالمة غير محددة البداية والنهاية والتى يجب أن يُحاكم كل من وضعها ومن طبقها بالمخالفة للعدل. الأمر أكبر من هذا، ولكننى أظنه مطلبًا شعبيًا، وهو وضع ضوابط صارمة لاستقلال السلطة القضائية. تلوك الألسنة باستمرار شعار: العدل أساس الحكم، دون أن نراعى معنى ذلك. والمطلب الشعبى الآخر يتمثل فى أن يطبق القضاء العدل لدرجة لفظ كل ما يعارض العدل، حتى ولو كان قانوناً. مطلوب تطهير القضاء ومحاكمة كل من سنَّ قانوناً غير عادل يجذر الظلم. ونحن حينما نتحدث عن العدل وعن جرائم التصالح المطروحة على الساحة حالياً يجب أن نلاحظ أن التصالح فى جرائم الفساد دعوة لكل حرامى لأن ينشط ويسرق وينهب ويضرب بالعدل والانضباط ومقومات المجتمع عرض الحائط، وإن تم ضبطه يتصالح، مما يجعلنا نتساءل عن المساواة بين من يسرق وينهب ويتصالح وبين الشريف الذى راعى حق المجتمع. ألا تتقدم المجتمعات عندما يشعر الإنسان الفرد مهما كان وضعه فى المجتمع بالعدل وأن له قيمة موجبة إن أصاب وعليه عقاب إن أخطأ. أ.د. محمد يونس الحملاوى أستاذ هندسة الحاسبات، كلية الهندسة، جامعة الأزهر [email protected]