يقول أينشتاين صاحب قانون الطاقة الذى كان لمسعاه لدى الرئيس الأمريكى روزفلت الفضل فى إنتاج القنبلة الذرية: لا يمكننا حل المشاكل باستخدام نفس العقلية التى أنشأتها. فى مقولة أينشتاين الكثير من الصدق والحكمة التى يجب أن نأخذها مهما كان مصدرها حتى وإن كان قائلها أحد داعمى الحركة الصهيونية وأحد دعاة السلام فى نفس الوقت فهذه قضية أخرى تتعلق بالمفاهيم وتعريفاتها! وفى نظرتنا للمشهد السياسى الحالى نتجرع نفس مسيرة العقود السابقة من رتابة الفعل ومن غياب أى تغيير حدى فى الفعل وفى الزمن ومن غياب النظرة الكلية لتنمية المجتمع. خلال ما يقرب من عام ونصف لم يتغير شىء فى المشهد السياسى سوى ثلاث محطات شعبية يتم حالياً الانقضاض عليها. لقد بات علينا أن نُقَوِّم المؤسسات التى أفرزت الفساد فى العقود الماضية من خلال إعادة تصميم علاقات منظومة الحكم ومنظومة العمل الشعبى باستخدام العمل التطوعى كجزء من بنية الحكم لتحسين المنظومة ككل. الأمر الآخر الذى يبدو مهمًا فى هذا السياق هو العلاقات البينية لهيئات ومؤسسات الحكم سواء أكانت التنفيذية أم التشريعية أم القضائية. لقد أفرزت المؤسسات الحالية ما نحن فيه من فساد وكما يقول أينشتاين: الجنون هو أن تفعل نفس الشىء مرة بعد أخرى وتتوقع نتيجة مختلفة. لقد وجب علينا أن نضع رؤية الوطن أمام أعيننا ونشكل على أساسها المؤسسات التى تدافع عن أفراد الشعب وعن الوطن قبلهم بغية دفع التنمية بكافة جوانبها للأمام. لقد بات احتياجنا لإطار عام لبنية المجتمع من خلال دراسة مؤسسات المجتمع الحالية وتقاطعاتها لنستوعب إيجابياتها وسلبياتها بغية وضع تصور عام لمنظومة الحكم فى الجمهورية الثانية. إن وضع منظومة علاقات مختلف قطاعات المجتمع الرسمية والخاصة والشعبية والاجتماعية والأسرية وتقاطعاتها أصبح أمراً مهماً يحتاج إلى فكر وجهد الجميع خاصة مفكرى الأمة لدراسة مواطن ضعفها وقوتها وآليات التغيير الممكنة سواء أكانت فرصاً أم بدائل. كان ابن خلدون رائد علم الاجتماع من أوائل من اهتم ببنية الهندسة فى علم الحياة، حيث يقول فى وصفه للهندسة: واعلم أن الهندسة تفيد صاحبها إضاءة فى عقله واستقامة فى فكره، لأن براهينها كلها بينة الانتظام جلية الترتيب، لا يكاد الغلط يدخل أقيستها لترتيبها وانتظامها، فيبعد الفكر بممارستها عن الخطأ وينشأ لصاحبها عقل على ذلك النهج. من هنا فإن لمنظومة هندسة المجتمع دورًا كبيرًا فى تصميم منظومات المجتمع الجزئية كمؤسسات وكأفراد بدمج الجهود الشعبية لمراقبة الأداء فى منظومة العمل المجتمعى والرسمى. فى هذا السياق لا يمكننا أن نتناسى إعمال العدل فى المنظومة كهدف أساسى لكافة مناشط المجتمع وهو أمر كفيل بخلق مجتمع الوفرة التى نحلم بها ولا نضع له المقاييس. لقد بات على مفكرى الأمة أن يضعوا لنا منظومة فكرية لأِعمال العدل فى مختلف مؤسساته ومفاصله. ولنتذكر قول المفكر الجزائرى مالك بن نبى: لقد أصبحنا لا نتكلّم إلاّ عن حقوقنا المهضومة ونسينا واجباتنا، ليس الشعب بحاجة إلى أن نتكلّم عن حقوقه وحريّته، بل أن نُحدّد له الوسائل التى يحصل بها عليها، وهذه الوسائل لا يمكن إلاّ أن تكون تعبيراً عن واجباته. ولن يتأتى ذلك إلا من خلال قواعد واضحة محكمة شفافة. أتذكر أننى زاملت أحد أساتذة الجامعة فى أحد الأعمال الحكومية وكنا ننسق الأمور الخاصة بالعمل سوياً، وفجأة أصبح وزيرًا فاتصلت به فى المنزل فور إعلان التشكيل الوزارى وهنأته وقلت له بالحرف: أنت الآن فى موقع يمكنك معه تنفيذ ما كنا ندافع عنه ووعدنى أن يفعل. بعد ذلك بفترة حضرت أحد الاجتماعات التى قال فيها بالحرف أيضًا: الصورة من الداخل ليست كالصورة من الخارج، ومن وقتها انقطعت صلتى به. بعد مدة خرج مع تعديل وزارى وحال الوزارة عندما دخلها لم يتغير عن حالها عندما تركها. فى آليات التوظيف القديمة هذه هى النتيجة فى جل المواقف فهل هذا ما ينتظره الشعب وينتظره الرئيس؟ لا أعتقد أن أحداً سيقول نعم. فى هذا السياق لا يمكننا أن نصفق لأى خطأ، نعم لقد تخاذل الأستاذ الدكتور الكتاتنى -رئيس مجلس الشعب- عن حقه الدستورى فى استمرار عقد جلسات مجلس الشعب بعد قرار حله، وبالتالى وصلنا لما نحن فيه اليوم من سجال حول المجلس. وأتساءل لماذا لم يمارس الدكتور رئيس مجلس الشعب سلطاته التى أوكله الشعب إياها من تشريع ورقابة على أداء السلطة التنفيذية؟ أليس التخاذل فى إعمال الحق مذلة فى حق الشعب الذى انتخب نواب المجلس بينما الشجاعة فى الحق مفخرة نتمنى من كل من بيده السلطة أياً كانت أن يُفاخر بها؟! لقد تخاذل مجلس الشعب عن وضع أولويات لمكافحة الفساد وتعامل مع المهم وتناسى الأهم أو نسيه، ولم يتعامل المجلس مع أناس اكتسبوا وضعاً مادياً ومعنوياً بدون وجه حق ويتنافسون مع أفراد الشعب؛ فكيف يتم ذلك؟ لقد تحرك البعض على السعة وتناسوا أننا نحتاج لعدد سنين أقل من عدد أصابع اليد الواحدة لننهض بأمتنا إن نحن عقدنا العزم وقدمنا النهج والقدوة. ولنحيى كل المتشككين الذين يقولون نحتاج عشرات السنين لنبدأ على الطريق الصحيح! أ.د. محمد يونس الحملاوى أستاذ هندسة الحاسبات، كلية الهندسة، جامعة الأزهر [email protected]