يتسم المشهد السياسى الحالى بحالة من الوضوح بعدما تكشفت مواقف مختلف أطرافه ورغم ذلك يتسم فى ذات الوقت بالفوضى نتيجة لتوقيت إدخال عناصر جديدة فى المشهد، إضافة إلى عدم رغبة أطراف عديدة تصديق مفردات الأحداث مما يجعل المشهد يبدو وكأنه يَصعُب التنبؤ بخطوته التالية.. ورغم أن مشهد أوائل فبراير 2011م، قد كشف انتماءات من شارك فى إسقاط رأس النظام السابق وتحديدهم من خلال رصد أرضى وجوى قامت به الطائرات المقاتلة والعمودية، التى كان أزيزها كافيًا لأن يفض اعتصامات ميدان التحرير إلا أن الإصرار الذى غلف تلك الأحداث كان أقوى من أى نشاط للطيران! فور تنحى الرئيس مبارك وقيام الجيش بتولى ترتيب الأوضاع الداخلية لم يستمر الزخم الميدانى، كما كان وبات على ناشطى الأحداث تنظيم أنفسهم، مما أتاح للعديد ممن ظن أن القضية قد انتهت، وأن المشهد يستحضر من يشارك فى تقسيم الكعكة ليحصل على نصيبه منها، وهو ما سمح باصطفاف العديد من الاتجاهات الفاعلة وغيرها لتدخل الفوضى على المشهد من خلال بعض من لا يرضى إلا بفرض توجهه رغم وزنه النسبى الضئيل نسبة إلى رفاق الوطن.. وكانت النتيجة امتداد الفترة الانتقالية لأضعاف ما كان مقرراً لها ابتداءً.. وحتى لا نتباكى على اللبن المسكوب علينا التعامل مع مفردات القضية حالياً من حكم للمحكمة الدستورية بالتوصية بحل مجلس الشعب نتيجة الموافقة على تلبية رغبات تلك المجموعات ضئيلة الوزن النسبى بصورة يشوبها عدم القانونية، وهو أمر يدل على قصر نظر فى اتخاذ القرار من أطراف كان عليها أن تتسم بحس قانونى أكبر. الأمر بهذه الصورة لا يعدو توصية صدرت فى وقتها لتبصرة جموع الناخبين بوضع المؤسسة التشريعية كونها الوحيدة، التى أتت بإرادة شعبية حقيقية.. ولكن للصورة أبعاداً أخرى منها محاصرة الأمن لمجلس الشعب وصدور قرار وزير العدل بمنح سلطة الضبطية القضائية لبعض العسكريين فى بعض جرائم قانون العقوبات التى تقع من مدنيين ومنها نشاط إعلامى مكثف من إعلام رأس المال للتجييش ضد مرشح بعينه، مما قد يؤثر على إرادة الناخبين بطرح أطروحات تجاوزها الزمن مثل تأجيل الانتخابات أو تشكيل مجلس رئاسى من راسبى المرحلة الأولى للانتخابات الرئاسية وممن انسحب منها وغيرها، مما يدخل فى باب تضييع الممكن جرياً وراء المحتمل البعيد.. ولهذا لا يمكننا أن نيأس ولابد من السير قدماً للأمام فعندنا مجلسا شعب وشورى بأخطاء نقومهما لكن لا نلغيهما رغم اتسام أدائها بعدم المعرفة وعدم الخبرة، ولكنها بدون فساد وهو أمر جدير بالتذكر حيث يبقى الأمل فى هذه الحالة شريطة ألا نتقاعس جميعاً عن المتابعة.. لقد سرنا فى طريق انتخاب رئيس لا نتراجع عنه مهما كانت النتائج، ولنتذكر أننا لا يمكننا المساهمة فى إيقاف عجلة بناء مؤسسات الدولة رغم الأخطاء المتعمدة وغير المتعمدة من البعض مهما كانت النتائج! الموقف الحالى وإن بدى مشوشاً إلا أن مواقف أطرافه جميعهم واضحة رغم سلبية وتلون العديد منهم ولنتذكر أن مقاليد الخطوة التالية بيد غالبية الفاعلين شريطة أن يتجاوزوا الحالة النفسية، التى يُراد لهم أن يمروا بها فيدخل اليأس إلى قلوبهم وتنهار فاعليتهم! أليس علينا أن نتذكر أن لغة حرب الأعصاب وإطلاق الشائعات هى من مفردات أية معركة حتى ولو كانت انتخابية؟ إن للتاريخ لذاكرة، وهو ما يجعل البعض يسترجع أجواء 1954م وخلع وإعادة الرئيس محمد نجيب بإرادة شعبية ثم إقصائه وتحديد إقامته، لنتعلم منها أن سياسة النفس الطويل المنظم كفيلة بتحقيق مطالب الشعب. لقد أشارت انتخابات مرحلة الإعادة للمصريين فى الخارج إلى أن الجميع مطالب بأن يبذل جهداً أكبر بعدم التقاعس عن التصويت، حيث أتت نسبة المشاركة أعلى من المرحلة الأولى على عكس أغلب التوقعات، وهو ما يعنى قدراً أكبر من المسئولية علينا فى الداخل التأسى به.. ولنتذكر أن نتيجة الانتخابات تتحدد بالمشاركة وبعدم إبطال الصوت وبالاصطفاف خلف من تعتقد أنه يحقق آمالك وآمال مواطنيك وآمال الوطن ويضمن للوطن نقلة حضارية هو جدير بها.. لقد بات المشهد الانتخابى الذى نحياه حالياً أيسر من مرحلته الأولى لوجود فريقين فقط، إلا أن وضوح رؤية أحدهما وعمله الدءوب فى الحشد للتصويت وتردد بعض أطياف المعسكر الآخر الذى يظن أنه مع الميدان تجاه مقاطعة الانتخابات أمر يشوش على الصورة.. أما لهذا المشهد أن ينتهى لنصل إلى نسبة تصويت عالية للجميع فالتخاذل عن هذا الحق خطيئة بل وكارثة؟ إن التصويت بكثافة فى مرحلة الإعادة لأبلغ رد على ما يظنه البعض انقلاباً ناعماً على مسار نقل السلطة وتأكيداً لوعى الجميع بنتائج مشاركته وبتأثير النتيجة على مصيره، فالمقاطعة هروب بطعم توهم الوقوف على الحياد فى لحظات القرار تذكرنى بأن الإنسان قرار.. يقول الزعيم والقس ديزموند توت الجنوب أفريقى: أن تكون محايداً فى مواقف انتفاء العدل تعنى أنك قد اخترت جانب الظالم. ورغم التشويه المتعمد للعديد من رموز الساحة السياسية إلا أن ما يحدث يسير فى طريق واضح لا أظنه يشابه طريق الجزائر أو رومانيا شريطة أن يعرف ويتفهم الجميع بمختلف انتماءاتهم أن مركب الوطن واحد يتسع للكل وعلى الجميع الإبحار به وفيه ليرتقى بنا جميعاً. اليقظة فاليقظة ثم اليقظة هى واجب الوقت.. يقول شاعرنا أحمد شوقى: مخطئ من ظن يوماً:: أن للثعلب ديناً. أ.د. محمد يونس الحملاوى أستاذ هندسة الحاسبات، كلية الهندسة، جامعة الأزهر [email protected]