من ستنتخب؟ أكثر ما أسمعه يومياً، وفى كل مرة كنت أفصح فقط عن أسلوبى فى الاختيار، وليس عن مرشح بعينه لأن التعصب بلا فكر لمرشح بعينه ضرب من المقامرة بالمستقبل، فقضية الانتخابات قضية محورية ولهذا حاولت أن أسبر غورها من خلال العديد من المصادر، التى تحتاج إلى إعمال الفكر لنصل إلى نقاط الصدق فيها قبل أن أخط على الورق تصوراً ذهنياً لمحددات تفكيرى، حاولت فيه أن أقترب من صدق ما أصدره مرشحو الرئاسة من أقوال وبرامج مكتوبة لأطابقها على قناعاتى الخاصة.. وهاكم ما أرجو أن يكون نمطاً للنقد البناء. منذ أن قامت الأمة بتنحية رأس النظام السابق عن السلطة حدثت حالة استقطاب متعددة القطبية للحصول على أكبر قدر من المغانم، التى يظن كل فصيل بمشروعيتها لتدعيم ما يعتقده أنه النمط الأفضل لإدارة دفة الحكم على أحسن تقدير.. والأمر بهذه الصورة طبيعى لغياب قيادة للأحداث منذ بدايتها وحتى اليوم، وبالتالى تنازع الجميع السلطة بصورة فاقت التنازع الطبيعى ولتشارك فيه بدرجة متزايدة أعمدة النظام القديم، وهو كذلك أمر طبيعى.. فإذا بحث كل فصيل عن استحقاقه من كعكة الحدث فلا نتوقع ممن استحوذ فى الماضى على كل كعكة الوطن ألا يبحث عن نصيبه الجديد، وهو نصيب متزايد يذكرنى بقصة الثعلب الذى تم تحكيمه ليقسم قطعة الجبن إلى قسمين متساويين فقسم الجبن إلى قسمين بالتقريب ثم أخذ يُنقص من القسم الأكبر ليساوى الآخر حتى تتعادل كفتى الميزان وهلم جرا حتى أتى على كل الجبن فى عمل ظاهره العدل وباطنه الجور. تذكرت تلك القصة وأنا أتابع تناقص استحقاقات فرقاء السياسة الجدد أمام ثعلب استطاع أن يقذف بعدة مرشحين فى خضم السباق! القضية منطقية ودرس التاريخ حاضر أمام أعين الغالبية، ولكن البعض يظن أنه بممارسة سياسة ميكافيلية سيحقق أمله فى نهضة الأمة باعتبار أن التوازنات ستحقق للأمة وضعاً أفضل مما هى عليه متناسياً أننا قد خابرنا تلك السياسة سابقاً فكانت نتيجتها دوماً الموقع الأخير، ومتناسياً أن استحقاق الأمة للعدل استحقاق أساسى! فكرنى الموقف الحالى بما يُحاك لنا من الثعلب الذى يدافع عن مصالحه وامتيازاته، التى لم تنتهِ فنمط الإدارة السابق قد عاد بعد أن تراجع لمدة أقل من شهرين حينما اطمأن سدنة نظامه إلى إمكان الاستحواذ على أغلب قطعة الجبن! وبعد أن تراجع المد السياسى الحقيقى طيلة الفترة الماضية، إذا بنا نجد بعض سدنة الحكم السابق يعودون إلى واجهة الأحداث متوعدين سراً بإعادة مسلسل أحداث رومانيا، وهو مسلسل يدعو إلى الانقلاب على الوضع برمته حتى لا يتكرر استنساخ النظام القديم بشخوص جديدة، وهو أمر ليس ببعيد، ولكن يبقى أن هذا الأمر قفز إلى المجهول لأن المحرك لهذا الأمر غير معروف التوجه وبالتالى قد يكون داعماً للنظام القديم، وقد يكون انتصاراً لمرجعية وطنية! كما قد يكون ذلك الانقلاب مادياً أو ناعماً من خلال قرارات تقلص أو تدعم قدرات فصيل على حساب فصيل آخر! ثمة أمر آخر هو أن تدفق الأحداث ليس محدوداً بفترة زمنية محددة، حيث هو استجابات لمتغيرات قد يكون أهمها نتائج انتخابات الرئاسة، ولكن استشراف المستقبل يجعل الشهر القادم مسرحاً للعديد من المفاجآت! عودة إلى البحث عن مرشح رئاسى متتبعاً برامج المرشحين وما صدر عنهم من أفعال وأقوال، لأصل بداية إلى عدم إقصاء أى فصيل أو أى فرد ثم لأستبعد فى خياراتى كل من شارك فى إفساد الحياة فى مصر أو سكت على الفساد فى موقعه، وهو أمر واضح فى بعض الأسماء المطروحة.. وهذا الاستبعاد مرده قانون الفساد الذى تم طرحه فى السابق كتعديل لقانون الغدر لعام 1953م، والذى أرى أن يتضمن الاستبعاد السياسى لأعضاء الحزب المنحل وأعضاء الأحزاب الأخرى الكرتونية، التى ساهمت فى إفساد الوعى السياسى لجموع الشعب إضافة إلى موظفى الإدارة العليا الذين حصلوا على استحقاقاتهم الوظيفية بدون حيثيات شفافة عادلة معلنة.. هذا القانون للأسف لم يصدر ولكننى أرى حيثياته منطقية، وبالتالى بنيت توجهى على أساسه. الأمر الثانى الذى بنيت عليه قرارى هو استبعاد كل من حاول تجييش بعض القطاعات لصالحه على أساس طائفى أو مهنى ليفسد النسيج المجتمعى الواحد للأمة.. هذا التصور يجعلنى فيما أعتقد أقرب إلى مصداقية التوجه الوطنى ويجعلنى أستبعد من غازل بعض قطاعات الشعب للحصول على أصواتهم.. الأمر الآخر، والذى يأتى فى أولويات الفرز هو مصداقية المرشح مع أفعاله، حيث إن المبادئ لا تتجزأ وهو أمر قامت نتيجة له باستبعاد أحد المرشحين، الذى دافع عن مبدأ وباع عكسه رغم حضوره بواجهة الساحة! فى كل هذا كان المحك هو دراسة تاريخ المرشح الوظيفى والقومى، إضافة إلى مشاركاته فى العمل المجتمعى. بهذه الصورة قمت بالإجهاز على أغلب المرشحين ليتبقى ذوو الاتجاهات الواضحة فكرياً، حيث ينقسمون إلى اتجاهين بالأساس أحدهما يمثل التيار الأساسى للشعب والآخر تيار فكرى يركز على جزئية اجتماعية أساسية. وكلا التيارين يشملان طيفاً واسعاً من أصحاب الفكر المتحضر وأصحاب الفكر ضيق الأفق.. وفى انحيازى للتيار الأساسى للشعب المصرى وجدتنى أضمنه أسس الفكر المتحضر من التيار الآخر بل وأضمنه أسس تيار آخر راهن على سدنة النظام السابق ففقد مصداقيته التحررية، لتصبح إجابتى على السؤال متوافقة مع قناعة الأمة.. ورغم أننى بهذا أعتقد أننى كدت أفصح عن اختيارى إلا أن محدثى يكررون دوماً سؤالى: من ستنتخب؟ أ.د. محمد يونس الحملاوى أستاذ هندسة الحاسبات، كلية الهندسة، جامعة الأزهر [email protected]