وسط غيوم الشارع السياسي الذي لا يبدد حرارة الصيف أجدني مضطرا للتذكير بمحطات خمس قال فيها الشعب كلمته والتي تعلو علي أي قرارات أو قوانين تم تفصيلها في العهد البائد. تلك المحطات هي التعديلات الدستورية عام2011 م وانتخابات مجلسي الشعب والشوري والدستور وانتخاب رئيس الجمهورية. ومن هذا المنطلق أنا لا أريد أن يرحل الرئيس المنتخب ببساطة لأنه أتي بإرادة شعبية أما الحكومة فأمر آخر لا أري غضاضة في أن ترحل إن لم تحل أزماتنا سريعا لأنها بمواقفها الضعيفة تضيع هيبة الدولة ولأن الوضع بالأساس مسئولية الحكومة رغم عدم براءة الرئيس من المسئولية. رحيل الرئيس ليس مطلوبا علي الإطلاق لأن البديل لذلك هو الفوضي ولكننا يجب أن نرسل الرسالة تلو الأخري للرئيس كي يختار حكومة قوية لها رؤية ورئيس حكومة قويا له رؤية وليس رئيس حكومة انتقالية. وحتي يكون تقييمنا موضوعيا فإن رأيي المتواضع أن الرئيس أخطأ في قبوله بنقض قراره بعودة مجلس الشعب في بداية تعيينه وهو المجلس الذي أتي بإرادة شعبية, ولكنه آثر أن ينحني لقضاء يعلم الجميع مدي فساده. وما نحن فيه هو نتيجة لذلك علما بأنه تأتي الفرص الواحدة تلو الأخري للتخلص من منظومة فاسدة وإيجاد منظومة حكم عادلة دون أن نقتنصها! هذا الأمر يضاف إلي نظرة منظومة الحكم البطيئة للأمور مما يجعلها تعالج الأمور بمنظومة رد الفعل وليس بالمبادرة بطرح رؤي قومية, فالمشاريع الكبري التي تتحدث عنها الحكومة مستدعاة من عهود مضت وكأننا لا نستطيع توليد أفكار وآليات عمل مبتكرة. وحين ننظر علي الجانب الآخر من الصورة نجد المعارضة التي تمقت كل عمل من الفصيل الحاكم سواء كان خيرا أم شرا وهو ما يستدعي عدم الموضوعية في النقد ويجعلنا لا نستطيع تطويع الأمور لنستخلص منها أي جانب إيجابي! يشغلنا الإعلام حاليا بعدة قضايا ليست من بينها التنمية الحقيقية سواء من الحكومة أم من المعارضة وكأننا أمام إفلاس فكري من قطبي اللعبة السياسية. وسط هذا يلوح أعضاء هيئة التدريس بالجامعات وهم من يفترض فيهم الحكمة بالعصيان دون أن يضيفوا للمشهد الفكري أي إضافة لعدة أسباب منها استقطاب بعضهم لأطراف اللعبة السياسية ومنها عدم قدرة بعضهم علي الإضافة البناءة في منظومة التنمية. يتم هذا والمجتمع يغط في سبات فكري عميق نتيجة إفلاس نخبة ومنها أساتذة الجامعات, فلم تخرج من جامعاتنا منظومة فكرية قومية وإن كان البعض يبذل الجهد في هذا المضمار ولكنها جهود فردية لا تصل لصانع القرار الذي يناوئ الجامعة كما تناوئها الصناعة, فالبنية الإنتاجية سواء في الصناعة أم في السياسة تناوئ الفكر ولم يبذل أساتذة الجامعة الجهد الكافي لتخطي تلك العقبة التي تمت زراعتها في وجدان الشعب في العقود السابقة بل استسلم أغلبهم لتلك الفرية التي تحرم المجتمع من ثمرة جهود أبنائه. ولكن ما المخرج؟ في أغلب الظن أن المخرج لا يمكن إلا أن يكون هزة مجتمعية قوية تشمل الجامعة وتجبرها علي التغيير في الاتجاه الصحيح بفرض منظومة قيم حاكمة موجبة تجبر مختلف أركان المجتمع علي أن تنصاع للعدل كقيمة مجتمعية حاكمة علي مختلف أفراد ومؤسسات المجتمع بما فيها سلطاته العليا الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية. يستدعي الموقف السياسي الحالي موقفنا مع لغتنا القومية التي درج أغلبنا في تعاملاته معها علي أنها سياقات معرفية تتخاصم مع قضايا العلم والتنمية كالرطانات التي ليست لها من العلم محل رغم أن هذا التصور يقتطع من اللغة دورها الأساسي من حيث كونها أداة حياة وقيم وعلم وثقافة تحافظ علي وحدة المجتمع وقيمه وتاريخه وحضارته وثقافته وعلومه فهي البوتقة التي تحوي مختلف منتوجات المجتمع من أدب وفن وصناعة وزراعة وقيم وحضارة وبدونها يصبح المجتمع عبارة عن مربعات متناثرة لا يربطها إطار واحد يحدد شخصيتها في مقابل غيرها. وفي عصور ازدهار الأمم كما في عصور انحطاطها نجد تناغما بين سمات مختلف مكونات المجتمع إما سموا وإما انحطاطا, فلا يمكن لطائر أن يطير بجناح واحد. ورغم التفوق النسبي للأمم في فروع العلم المختلفة إلا أننا لم نشهد حضارة كل مكوناتها نتاج أدبي محض أو نتاج تطبيقي محض. وأمتنا العربية ليست استثناء من هذه القاعدة فسياقاتها المعرفية الحالية منخفضة القيمة كقضاياها في العلم والتنمية وحتي نستطيع أن ننهض بلغتنا يجب ألا نتناسي جناح المعرفة التطبيقي الذي لا يمكن لنا أن نحلق في رحابة العلم والتقدم واللغة بدونه. لقد تخلفنا نتيجة عدة أسباب منها الخصام النكد بين العلم واللغة بكل ماتحمله من مكنون ثقافي ولنتذكر كيف حافظت ألمانيا واليابان رغم هزيمتهما في الحرب العالمية علي تلك العلاقة بين لغتها بموروثها الثقافي وبين المستحدث من العلم بلغتها وليس بلغة المنتصر. قضية الفصام بين اللغة والعلم تكاد تكون سمة لأغلب الشعوب التي اكتوت بنيران الاحتلال وباتت أسيرة لرؤاه مثلما ذكر ابن خلدون في مقدمته دون أن تفكر أو تعي آليات العلم عندمن احتلها حتي وصل حالنا إلي درجة من التخلف لا يمكن تصديقها فنحن طبقا لمؤشرات الأممالمتحدة في وضع متدن علميا ولغويا وثقافيا حيث ننتج30 كتابا جديدا سنويا لكل مليون مواطن بينما تنتج فنلندا وتعدادها خمسة ملايين نسمة2533 كتابا لكل مليون مواطن, فهل يمكن أن تكون اللغة إحدي آليات استنهاض الهمم لإفاقة المجتمع من سباته؟ رابط دائم :