تعودت فى كل عام أن أقدم إلى القارىء العزيز قراءة موجزة للتقرير السنوى الذى تنشره منظمة الشفافية العالمية ، والذى يتم فيه ترتيب دول العالم المختلفة طبقا لما تتمتع به الأجهزة السياسية والإدارية فيها من الشفافية ، أو بعبارة أخرى ما تتسم به تلك الدول من الفساد باعتبار أن أكثر الدول شفافية هى أقلها فسادا والعكس صحيح ، تعودت أن أقدم تلك القراءة مع تركيزخاص على وضع مصر مقارنا بوضع جيرانها من الدول العربية وغير العربية، وقد صدر منذ أسابيع تقرير تلك المنظمة العالمية غير الحكومية لمستوى شفافية دول العالم المختلفة خلال عام 2009، وهنا أعتذر للقارىء أنى أرجأت تقديم قراءتى للتقرير لسببين: أولهما هو أنى كنت أرى أن هناك من الموضوعات ما هو أكثر إلحاحا وأكثر مدعاة للتناول ، وثانيهما وأهمهما هو أنه لم يطرأ جديد على وضع الفساد فى مصر، ذلك أن نقاط الشفافية التى حصلت عليها لعام 2009هى نفس النقاط التى حصلت عليها لعام 2008وهى 28 نقطة من النهاية العظمى (100نقطة) أى أن مصر قد حصلت على الدرجة التى يحصل عليها طالب راسب بتقدير ضعيف جدا للعام الثانى على التوالى مبرهنة بذلك أنها متمسكة بمبدأ الثبات على الفساد!!، ربما كان الجديد فى هذا العام أن مصر قد تعادلت مع الجزائر، سواء فى النقط التى حصلت عليها كل منهما ( 28) أوفى ترتيب كل منهما فى الجدول (111) و(111مكرر) ، وتشترك معهما فى نفس هذا المركز المتدنى سبع دول أخرى هى جيبوتى وأندونيسا وكيريباتى ( لمن لم يسمع بكيريباتى نقول له إنها جمهورية صغيرة فى المحيط الهادى كانت تعرف فيما مضى بجزر جيلبرت ) ثم مالى وجمهورية ساوتومى (جمهورية صغيرة فى المحيط الهادى) ثم"جزر سليمان" وتوجو ، أما السر فى تعادل مصر مع الجزائر عام 2009 فيرجع ببساطة إلى أن الجزائر قد تدهورت أحوالها فأصبحت أقل شفافية وأكثر فسادا عما كانت عليه فى عام 2008 وبعد أن كانت تحتل المركز 92 بنقاط قدرها 34أصبحت تحتل المركز 111بنقاط قدرها 28 متساوية بذلك مع مصر التى ظلت ثابتة المستوى ومحتفظة بنفس النقاط المتدنية التى حصلت عليها فى العام السابق، التقرير الأخير لا يكشف إذن عن أية مفاجآت سوى أن مصر قد نجحت فى ألا تتدهور أكثر ( إذا جاز أن نعتبر أن هذه مفاجأة )، وظلت رغم حصولها على تقدير ضعيف جدا .. ظلت محتفظة بمسافة كبيرة نسبيا تفصلها عن القاع الذى يتمثل فى المركز 180من بين 180 دولة شملها التقرير) وهو المركز الذى تحتله الصومال منفردة بنقاط قدرها 11نقطة وقبلها مباشرة تجىء أفغانستان بنقاط قدرها 13 نقطة ثم ميانمار (14نقطة) فالسودان 15نقطة ، ربما يتساءل القارىء إن كانت هناك دولة عربية قد حققت مستوى متقدما نسبيا فى الشفافية والبعد عن الفساد والجواب: نعم ، فقد حققت دولة الإمارات المركز 30بنقاط قدرها 65نقطة وبتقدير: "جيد" متفوقة على إسرائيل التى حققت المركز 32 بنقاط قدرها 61 وبتقدير " مقبول "، وكذلك سلطنة عمان التى حقت المركز 39بنقاط قدرها 55وبتقدير مقبول والأردن التى حققت المركز 49 بنقاط قدرها 50 درجة ( أى مقبول بالكاد ) ...أما بقية الدول العربية فهى للأسف الشديد دون ذلك ، ولعل القارىء يتساءل الآن عن الدولة التى شغلت المركز الأول والتى حققت أعلى مستوى شفافية على مستوى العالم ، وفى هذه النقطة أيضا لا توجد أية مفاجآت لأن تلك الدولة هى نيوزيلنده التى كانت فى عام 2008 تشترك مع الدانيمرك فى المركز الأول لكنها انفردت به فى هذا العام بنقاط قدرها 94نقطة بينما هبطت الدانيمرك إلى المركز الثانى بنقاط قدرها 93نقطة وكلاهما على أية حال تقديره ممتاز، وهو تقدير يبدو أنه ليس بوسعنا أن نتطلع إليه فى ظل ظروفنا الراهنة على الأقل . [email protected]