بعد انهيار سعر الدولار.. الجنيه يحقق مكاسب جديدة اليوم    سعر كرتونه البيض اليوم الأربعاء 1اكتوبر 2025فى المنيا    ارتفاع توقع البقاء على قيد الحياة في مصر عام 2025    الإصدار السادس والأربعين لسندات التوريق يرفع إجمالي إصدارات شركة ثروة للتوريق إلى 35.3 مليار جنيه، بضمان محافظ متنوعة وتصنيفات ائتمانية متميزة    ميدو يفتح النار: فيريرا لازم يمشي .. أقل من الزمالك    تعرف على أسماء 11 عامل مصابي حادث انقلاب سيارة ربع نقل علي طريق المعصرة بلقاس في الدقهلية    بدء المدارس في تنفيذ أول تقييمات الفصل الدراسي الأول لصفوف النقل    ظهور فيروس اليد والفم والقدم (HFMD) بين طلاب مدرسة في الجيزة.. تفاصيل وإجراءات عاجلة لطمأنة الأهالي    في اليوم العالمي للمسنين.. أهم الإرشادات للتغذية السليمة وحماية صحة كبار السن    أرقام من مواجهة برشلونة وباريس قبل المواجهة الأوروبية    بالتزامن مع جلسة النواب لمناقشة قانون الإجراءات الجنائية.. تعرف على المواد التي اعترض عليها رئيس الجمهورية    بدء صرف معاشات شهر أكتوبر 2025 بالزيادة الجديدة    الإدارة العامة للمرور: ضبط (112) سائقًا تحت تأثير المخدرات خلال 24 ساعة    نقابة المهندسين: البدء في تنفيذ لائحة ممارسة المهنة الجديدة    خالد بيومي يهاجم اتحاد الكرة بعد سقوط شباب مصر أمام نيوزيلندا    فوز مصر ممثلة في هيئة الرعاية الصحية بالجائزة البلاتينية في المبادرة الذهبية فئة الرعاية المتمركزة حول المريض    تعزيز الشراكة الصحية بين مصر ولبنان على هامش القمة العالمية للصحة النفسية بالدوحة    الأخبار المتوقعة اليوم الأربعاء الموافق الأول من أكتوبر 2025    الاثنين أم الخميس؟.. موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 للموظفين بعد قرار مجلس الوزراء    محمد كامل: أمانة العمال بالجبهة الوطنية صوت جديد للطبقة العاملة في الجيزة    بالصور.. البابا تواضروس الثاني يدشن كاتدرائية مارمرقس بدير المحرق في أسيوط    «الإحصاء»: 45.32 مليار دولار صادرات مصر خلال عام 2024    «مدمن حشيش».. السجن 3 سنوات ل"طفل المرور" بتهمة تعاطى المخدرات    إصابة 14 عاملًا في انقلاب سيارة ربع نقل على طريق الفيوم الصحراوي    أمن المنوفية يكثف جهوده لكشف غموض حادث مقتل سيدة داخل منزلها بالمنوفية    تعاون بين «بحوث الصحراء» و«الأكاديمية الصينية للعلوم» لدعم التنمية المستدامة    «الدفاع المدني بغزة»: إصابة 7 ضباط إنقاذ بقصف للاحتلال    كتابان من وزارة الخارجية بشأن زيارات رئيس الجمهورية وإنجازات الدبلوماسية المصرية    بث مباشر| انعقاد الجلسة الافتتاحية لمجلس النواب لدور الانعقاد العادي السادس    «وزير الصحة»: مصر تترجم التزامات الأمم المتحدة إلى إجراءات وطنية ملموسة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاربعاء 1-10-2025 في محافظة قنا    عاجل| الدفاع المدني بغزة: الاحتلال استهدف طاقمنا بمدرسة الفلاح بحي الزيتون بشكل متعمد    ما حكم ظهور ابنة الزوجة دون حجاب أمام زوج أمها؟.. دار الإفتاء توضح    في بداية الشهر.. أسعار الفراخ اليوم تحلق عاليًا    روسيا تتولى رئاسة مجلس الأمن الدولي    مغامرة وحماس واستكشاف .. تعرف على أكثر 5 أبراج مفعمة بالشغف    طقس اليوم الأربعاء.. بداية محدودة لتقلبات جوية    وزير الخارجية يترأس اجتماع مجلس إدارة الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية    مع اقترابه من سواحل غزة.. رفع حالة التأهب ب"أسطول الصمود"    الحوثيون: استهداف سفينة بصاروخ مجنح في خليج عدن    بالأسماء.. إصابة 5 أشخاص إثر اصطدام سيارتين ملاكى بصحراوى البحيرة    كرة يد - موعد مباراة الأهلي ضد ماجديبورج على برونزية كأس العالم للأندية    ماجد الكدواني وغادة عادل وحميد الشاعري في عرض "فيها إيه يعني"    انهيار "الروصيرص" السوداني خلال أيام، خبير يحذر من استمرار الفيضان العالي لسد النهضة    «محدش وقف جنبي.. وخدت 6000 صوت بدراعي».. رد غاضب من مجدي عبدالغني بسبب مقولة ولاد الأهلي    أيمن منصور: الزمالك قدم شوطا جيدا أمام الأهلي والخسارة محزنة بعد التقدم    اعرف مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 1-10-2025 في بني سويف    المحكمة الدولية تطلع على حيثيات بيراميدز في قضية سحب الدوري من الأهلي    موعد معرض القاهرة الدولي للكتاب 2026.. انطلاق الدورة ال57 بمشاركة واسعة    د.حماد عبدالله يكتب: الإدارة الإقتصادية فى المحروسة (1) !!    محمد منير: الأغنية زي الصيد.. لازم أبقى صياد ماهر عشان أوصل للناس    محمد منير: «خايف من المستقبل.. ومهموم بأن تعيش مصر في أمان وسلام»    ماذا يحدث داخل الزمالك بعد القمة؟.. تمرد اللاعبين ومستقبل فيريرا    ضياء رشوان: نتنياهو سيحاول الترويج بأن خطة ترامب انتصار له    ضياء رشوان: أي مبادرة إنسانية في غزة يجب قراءتها سياسيًا وحق العودة جوهر القضية الفلسطينية    باسم يوسف يعود إلى الشاشة المصرية عبر برنامج "كلمة أخيرة" على ON    أمين الفتوى: احترام كبار السن أصل من أصول العقيدة وواجب شرعي    هل يجوز للمرأة اتباع الجنازة حتى المقابر؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فن التعامل مع الأخطاء..لماذا يقتل بعضنا بعضاً هماً وغماً ...؟!!!
نشر في المصريون يوم 02 - 04 - 2010

كثيرا ما تقع منا في مسيرة الحياة أخطاء متبادلة، في محيط الأسرة: بين الزوجين، أو بين الأخوة والأخوات، أو بين الآباء والأبناء، ناهيك عما يقع من أخطاء في محيط العمل ، أو بين الأهل وذوي القربى والجيران والزملاء والأصدقاء...، والمشكلة ليست في وقوع الأخطاء وإنما في تحولها إلى خطايا، أي في كيفية التعامل معها والميل دائما إلى تضخيمها، والتهويل في آثارها، والمبالغة في الإحساس بالتقصير أو الإهمال أو الإهانة بسببها...!!
ولو أخذنا على سبيل المثال بعض الأخطاء البسيطة بين الزوجين وتأملناها وحللنا أسبابها ونتائجها لهالنا وأفزعنا الكم الهائل من العنف اللفظي أو المعنوي الذي يتبادله كثير من الأزواج والزوجات، والذي يتطور في بعض الأحيان وينجم عنه مشاكل خطيرة تزلزل الأسر وتزعزع استقرارها وتعرضها للتمزق والانهيار، فكم من خلاف بسيط أو خطأ يسير يقع بين الزوجين، ويسيء الطرفان التعامل معه ويفشلان في احتوائه والتخلص من آثاره النفسية؛ فيأخذ أكبر من حجمه ويسبب شروخا كبيرة وجروحا عميقة في نفس كل منهما، ويقبع في زاوية من زوايا الذاكرة إلى أن يحين وقت استدعائه عند أقرب مشاجرة لاحقة؛ لينضم إلى غيره من المواقف والأحداث المماثلة... وهكذا يجد الزوجان أحدهما أو كلاهما مخزونا (استراتيجيا...!!) لا ينفد من الذكريات الحزينة والمواقف المؤلمة، ويستمتع صاحب الذاكرة الحافظة منهما باجترار هذه الذكريات من آنٍ لآخر، وينتشي بمشاعر الحزن والحسرة، ويشحن نفسه باستمرار بمشاعر الغيظ والغضب والحنق الشديد على رفيق دربه وشريك حياته، وكلما برئت نفسه من هذه الأحاسيس أعاد تذكيرها وشحنها بعيوب زوجه ونقائصه، وكأنه هو إنسان معصوم أو خال من العيوب والنقائص!! ولا شك أن النتيجة المتوقعة لكل ذلك هي مزيد من التشاحن والتباغض بين الزوجين؛ لأنهما يثبِّتان أعينَهما على السلبيات ويركِّزان على الأخطاء، ولا يحاولان حل مشاكلهما بهدوء أو معالجة أخطائهما ببساطة وتجاوزها بسلاسة، وإزالتها من الذاكرة أولا بأول لتظل النفوس صافية، والقلوب متآلفة، والصدور سليمة ومشاعر الحب والمودة جياشة ومتأججة، والعواطف ملتهبة والأحاسيس فياضة،... والنهاية الطبيعية لممارسة العنف المعنوي واللفظي وتضخيم الأخطاء، والتطرف في ردات الفعل الغاضبة الهائجة هي مزيد من التباعد النفسي والانفصال الوجداني، وغالبا ما تنتهي هذه القصة المؤلمة بالطلاق والانفصال الحقيقي، لتضاف بذلك حالة جديدة لسجل الفشل البشري القديم في ضبط الأعصاب، وعدم القدرة على التعامل مع الأخطاء بهدوء ومرونة وروية، وقوة ورباطة جأش...!!
إن الخطأ كما هو معلوم طبيعة بشرية، وليس هناك أحد معصوم منه، عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون" رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم، ولا يفهم من ظاهر الحديث أن المقصود هو الخطأ الشرعي أو الديني فقط، بل يفهم كل أنواع الأخطاء، إذن فأي خطأ كبُر أو صغُر يرتكبه شخص ما يُفترَضُ أنه أمر متوقع، ويُحتَمَل أن يقترفَ نفسَ الخطأ أيُّ إنسان آخر في أي زمان وأي مكان انسجاماً مع الطبيعة البشرية الخطَّاءة في كل الناس.
واعتقاد السلامة من الأخطاء هو نوع من الوهم، أو ضرب من المحال...!! وليست المشكلة في ارتكاب الأخطاء ووقوعنا فيها، فذلك أمر لا مناص منه ولا سبيل لتلافيه، وإنما المشكلة تكمن في سوء تعاملنا مع الخطأ، وسوء إدارتنا للمواقف التي تُرتَكَب فيها الأخطاء سواء في المنزل أو العمل أو الشارع... مع الزوجة أو الوالدين أو الأبناء أو الأخوة أو الأقارب أو الأصدقاء والزملاء أو الجيران.
فكم من رجل يقطع رحمه أو يهجر إخوانه وخلانه وأصدقاءه عند أي هفوة أو زلة!! وكم من خلاف زوجي بسيط يخطئ فيه أحد الزوجين في قول أو فعل ويتفاقم الخلاف بسرعة، وتنفلت الأعصاب وينتهي الأمر بالطلاق وتشتيت شمل الأسرة، وتمزيق أواصر المودة وعرى المحبة بين أفرادها!! وكم من صداقة حميمة انقلبت إلى عداوة شديدة وخصومة فاجرة؛ بسبب النزق والطيش وسوء التعبير واستخدام الكلمات الجارحة والكلام العنيف القاسي الذي يؤزِّمُ المواقف ويشعل الأحداث، ويتيح الفرصة لتدخلات شياطين الإنس والجن...!! بل كم من معارك قامت بين الدول والجماعات والقبائل بسبب الغطرسة والكبرياء وفحش القول وسوء إدارة مواطن الخلاف، وتحول الخلافات إلى صراعات خطيرة وحروب مدمرة!!
ولا ريب أن ذلك المسلك ليس بصائب ولا سديد، ولا بحكيم ولا رشيد؛ إذ النضج والعقل والحكمة والواقعية كل أولئك يقتضي التريث وحسن إدارة المواقف التي ترتكب فيها الأخطاء، والتعامل الحكيم مع المخطئين ومبادرتهم بلين القول وطيب الكلام، واكتساب قلوبهم وجذب مشاعرهم الطيبة الودودة؛ لدفعهم للخير وصرف نوازع الشر عنهم، وبالتالي يمكن السيطرة على أي موقف والخروج منه بأقل الخسائر الممكنة.
والسؤال الآن أين نحن من تعاليم ديننا الحنيف ومنهجه الحكيم الرائع في حل المشكل وعلاج الأخطاء؟ فما دامت الأخطاء ستقع لا محالة منا ومن غيرنا على النحو الذي بيَّنَّاه آنفاً فلماذا لا نتعلم كيفية التعامل معها بطريقة صحيحة هادئة وآمنة؟ إننا بحاجة إلى تفهم ديننا بطريقة أعمق، فلم يأت الدين كي يكون فقط مجرد مجموعة من الشعائر والطقوس نؤديها بأجسادنا دون أن نستفيد منها في تعاملاتنا وحياتنا اليومية، ولم ينزِّل الله تعالى القرآن الكريم فقط لتحفظه الصدور أو تتبارى الأصوات العذبة في تلاوته، كلا كلا... بل أنزله سبحانه لخيرنا ومصلحتنا في الدنيا والآخرة، قال تعالى:"وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا"[الإسراء : 82] وقال عز وجل:"إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا" [الإسراء : 9]
إننا بحاجة إلى ثقافة إسلامية واجتماعية ونفسية واعية تساهم في خفض التوترات الأسرية والمجتمعية، وتوفر مساحات واسعة من الأمل والتفاؤل، إن الإسلام يعلمنا الرفق والتسامح وقول الخير دائما، ويدعونا إلى التحلي بالحكمة واللين والرحمة؛ لجذب القلوب والعقول، وترك الأثر الطيب في الآخرين، وإدخال البهجة والسرور على نفوسهم، وهكذا يكون المسلم عنصر إبهاج ونفع في الحياة، وإضافة مميزة إليها لا حسماً منها وعبئا عليها...!!
وفي مجال الدعوة إلى الله أُمِرْنَا باتباع الحكمة واستخدام الأسلوب الحسن والكلام الطيب، والعبارات الهادئة، قال تعالى:"ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" [النحل : 125] بل حتى عندما أرسل الله تعالى نبيه موسى وأخاه هارون عليهما السلام إلى فرعون المتغطرس المتكبر الذي كان يقول" أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى" [النازعات : 24] أمرهما عز وجل قائلا:"اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)" [طه : 43 ، 44]
ويعلمنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من خلال أقواله وأفعاله الطريقة المثلى والمنهج القويم لعلاج الأخطاء التي يقع فيها الناس، فعن أنس رضي الله عنه قال : بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : مه مه!! (أي توقف عن فعل ذلك!!) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تزرموه دعوه " (أي لا تقطعوا عليه بولته؛ حتى لا يحدث له مكروه من احتقان ونحوه) فتركوه حتى بال، ثم دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: " إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول، ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل، والصلاة وقراءة القرآن " ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من القوم فجاء بدلو من ماء فصبه عليه.(متفق عليه).
بل تحدثنا سيرته العطرة صلى الله عليه وسلم بأكثر من ذلك، وفي موضوع شديد الحساسية لاسيما في البيئة العربية، فعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: إن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ائذن لي بالزنا!! فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا:مه مه!!(أي اسكت اسكت) فقال صلى الله عليه وسلم : "ادنه" (أي اقترب) فدنا منه الشاب قريبا فجلس، فقال صلى الله عليه وسلم :"أتحبه لأمك؟" قال: لا والله جعلني الله فداك، قال صلى الله عليه وسلم :"ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، أفتحبه لابنتك؟" قال الشاب: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك!! قال صلى الله عليه وسلم :"ولا الناس يحبونه لبناتهم، أتحبه لأختك؟" قال الشاب: لا والله جعلني الله فداك، قال صلى الله عليه وسلم :"ولا الناس يحبونه لأخواتهم، أتحبه لعمتك؟" قال الشاب: لا والله جعلني الله فداك، قال صلى الله عليه وسلم :"ولا الناس يحبونه لعماتهم، أتحبه لخالتك؟" قال الشاب: لا والله جعلني الله فداك، قال صلى الله عليه وسلم :"ولا الناس يحبونه لخالاتهم" فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده عليه ودعا له قائلا :"اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصِّن فرجه" فلم يكن ذلك الفتى يلتفت إلى شيء بعد ذلك. (أخرجه أحمد وصححه الألباني).
وكذلك كان موقفه صلى الله عليه وسلم مع مرتكبي الكبائر ومنتهكي حدود الله تعالى موقفاً إنسانياً رحيماً، إذ كان صلى الله عليه وسلم يكتفي بتطبيق حد الله تعالى، دون شماتة أو تشفٍّ أو رغبة في تعنيف المخطئ وإيذائه مادياً أو معنوياً، عن أبي هريرة قال : أُتِيَ النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب الخمر فقال:"اضربوه" ( أي أقيموا حد شرب الخمر عليه) فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه، فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاك الله، فقال صلى الله عليه وسلم :"لا تقولوا هكذا لا تعينوا عليه الشيطان" رواه البخاري ، وفي رواية أبي داود قال صلى الله عليه وسلم : "لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان، ولكن قولوا : اللهم اغفر له اللهم ارحمه" رواه أبو داود.
إن المتأمل لمعظم ما يحدث بيننا من مشاكل يجد أن مرده يرجع إلى العُجب بالنفس، وقلة التواضع، وإساءة الظن بالناس، وعدم حمل كلام الآخر وتصرفاته على المحمل الحسن، بل وتقديم سوء الظن وإساءة التفسير، والإسراع في رد الفعل دون أناة ولا روية، والانتصار للنفس في كل وقت وفي أي موقف، وعدم التماس العذر للمخطئ، واعتبار أن كل هفوة أو إساءة إنما قصدها عمدا بهدف الإهانة والتحقير والإذلال؛ ومن ثم تثور النفوس غضباً للكرامة التي أهينت، وماء الوجه الذي أريق، والحرمات الشخصية التي انتُهِكت، وللأسف الشديد كلنا في الغالب نبادر إلى التصرف بمثل هذه الطريقة الرعناء في معظم ما نتعرض له من مواقف، رغم أن ذلك يخالف التوجيهات النبوية لنا نظرية كانت أم عملية، ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" رواه البخاري ومسلم، وعن أنس رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي، فجذبه بردائه جذبة شديدة، فنظرت إلى صفحة عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أثر بها حاشية الرداء( ياقته الخشنة) من شدة جذبته ثم قال: يا محمد مُرْ لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم فضحك ثم أمر له بعطاء!! رواه البخاري ومسلم، هكذا قابل الرسول صلى الله عليه وسلم غِلْظَةِ الرجل وعنفه وقسوته بهدوء ولين ورفق، وقابل إساءته بابتسامة وعطاء (أي بعطاء معنوي ومادي) ولم يُنْقِصُ ذلك شيئا من قدر ومنزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من حب الناس له واعتزازهم به، فَلِمَ لا نتمثل هذه الآداب الرفيعة والأخلاق الحسنة والقيم السامية والسلوكيات النبيلة في كل تصرفاتنا ومعاملاتنا؟ لِمَ نبادر دائما إلى الغضب والانفعال؟! ألم نسمع قول الله تعالى: "وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" [آل عمران : 134]؟ لم نقابل السيئة بما هو أسوأ منها؟ ألم نسمع قول الله تعالى:" وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ " [فصلت :34]؟ ألا نعلم أن كل إنسان موكل به ملكان يسجلان كل ما يقوله وكل ما يفعله؟ قال تعالى:"مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ" [ق : 18] ثم لماذا لا نتراحم فيما بيننا؟! ألم يقل الله لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم :" فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ" [آل عمران : 159] ولِمَ نترك الفرصة للشيطان ينفخ فينا الغضب ويثير بيننا العداوات والإحن؟ ألم يحذرنا الله منه؟ قل تعالى:" وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا"[الإسراء : 53] وقال سبحانه:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)" [فاطر : 5 ، 6] فمتى نحذر الشيطان ونتخذه عدوا؟ متى لا نترك له الفرصة كي يثير العداوة والبغضاء بيننا؟ متى نتعامل مع أخطاء الآخرين برفق ولين ورحمة وتسامح؟ متى ندرك حقيقة ضعفنا البشري وحقيقة كوننا معرضين للوقوع في الأخطاء بحكم ما ركبنا عليه من نقص؟ ليتنا نتغافر ونتصافح ونتغافل ونتسامح فيما بيننا، وليتنا نتعامى عن أخطاء بعضنا البعض، ونتقن فن الإغضاء والتغافل وتقبل الآخرين كما هم فلدينا عيوب وأخطاء وهفوات كما لديهم بالضبط، وبذلك نحاصر الهموم والغموم في حياتنا، ونزيد من مساحات الأمل والبهجة والسعادة بدلا من أن يقتل بعضنا بعضاً هماً وغماً، ونضيع أعمارنا ونبدد طاقاتنا، ونهدر أوقاتنا وجهودنا في المشاحنات والمغاضبات، والعتاب واللوم والخصام والهجر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.