«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فن التعامل مع الأخطاء..لماذا يقتل بعضنا بعضاً هماً وغماً ...؟!!!
نشر في المصريون يوم 02 - 04 - 2010

كثيرا ما تقع منا في مسيرة الحياة أخطاء متبادلة، في محيط الأسرة: بين الزوجين، أو بين الأخوة والأخوات، أو بين الآباء والأبناء، ناهيك عما يقع من أخطاء في محيط العمل ، أو بين الأهل وذوي القربى والجيران والزملاء والأصدقاء...، والمشكلة ليست في وقوع الأخطاء وإنما في تحولها إلى خطايا، أي في كيفية التعامل معها والميل دائما إلى تضخيمها، والتهويل في آثارها، والمبالغة في الإحساس بالتقصير أو الإهمال أو الإهانة بسببها...!!
ولو أخذنا على سبيل المثال بعض الأخطاء البسيطة بين الزوجين وتأملناها وحللنا أسبابها ونتائجها لهالنا وأفزعنا الكم الهائل من العنف اللفظي أو المعنوي الذي يتبادله كثير من الأزواج والزوجات، والذي يتطور في بعض الأحيان وينجم عنه مشاكل خطيرة تزلزل الأسر وتزعزع استقرارها وتعرضها للتمزق والانهيار، فكم من خلاف بسيط أو خطأ يسير يقع بين الزوجين، ويسيء الطرفان التعامل معه ويفشلان في احتوائه والتخلص من آثاره النفسية؛ فيأخذ أكبر من حجمه ويسبب شروخا كبيرة وجروحا عميقة في نفس كل منهما، ويقبع في زاوية من زوايا الذاكرة إلى أن يحين وقت استدعائه عند أقرب مشاجرة لاحقة؛ لينضم إلى غيره من المواقف والأحداث المماثلة... وهكذا يجد الزوجان أحدهما أو كلاهما مخزونا (استراتيجيا...!!) لا ينفد من الذكريات الحزينة والمواقف المؤلمة، ويستمتع صاحب الذاكرة الحافظة منهما باجترار هذه الذكريات من آنٍ لآخر، وينتشي بمشاعر الحزن والحسرة، ويشحن نفسه باستمرار بمشاعر الغيظ والغضب والحنق الشديد على رفيق دربه وشريك حياته، وكلما برئت نفسه من هذه الأحاسيس أعاد تذكيرها وشحنها بعيوب زوجه ونقائصه، وكأنه هو إنسان معصوم أو خال من العيوب والنقائص!! ولا شك أن النتيجة المتوقعة لكل ذلك هي مزيد من التشاحن والتباغض بين الزوجين؛ لأنهما يثبِّتان أعينَهما على السلبيات ويركِّزان على الأخطاء، ولا يحاولان حل مشاكلهما بهدوء أو معالجة أخطائهما ببساطة وتجاوزها بسلاسة، وإزالتها من الذاكرة أولا بأول لتظل النفوس صافية، والقلوب متآلفة، والصدور سليمة ومشاعر الحب والمودة جياشة ومتأججة، والعواطف ملتهبة والأحاسيس فياضة،... والنهاية الطبيعية لممارسة العنف المعنوي واللفظي وتضخيم الأخطاء، والتطرف في ردات الفعل الغاضبة الهائجة هي مزيد من التباعد النفسي والانفصال الوجداني، وغالبا ما تنتهي هذه القصة المؤلمة بالطلاق والانفصال الحقيقي، لتضاف بذلك حالة جديدة لسجل الفشل البشري القديم في ضبط الأعصاب، وعدم القدرة على التعامل مع الأخطاء بهدوء ومرونة وروية، وقوة ورباطة جأش...!!
إن الخطأ كما هو معلوم طبيعة بشرية، وليس هناك أحد معصوم منه، عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون" رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم، ولا يفهم من ظاهر الحديث أن المقصود هو الخطأ الشرعي أو الديني فقط، بل يفهم كل أنواع الأخطاء، إذن فأي خطأ كبُر أو صغُر يرتكبه شخص ما يُفترَضُ أنه أمر متوقع، ويُحتَمَل أن يقترفَ نفسَ الخطأ أيُّ إنسان آخر في أي زمان وأي مكان انسجاماً مع الطبيعة البشرية الخطَّاءة في كل الناس.
واعتقاد السلامة من الأخطاء هو نوع من الوهم، أو ضرب من المحال...!! وليست المشكلة في ارتكاب الأخطاء ووقوعنا فيها، فذلك أمر لا مناص منه ولا سبيل لتلافيه، وإنما المشكلة تكمن في سوء تعاملنا مع الخطأ، وسوء إدارتنا للمواقف التي تُرتَكَب فيها الأخطاء سواء في المنزل أو العمل أو الشارع... مع الزوجة أو الوالدين أو الأبناء أو الأخوة أو الأقارب أو الأصدقاء والزملاء أو الجيران.
فكم من رجل يقطع رحمه أو يهجر إخوانه وخلانه وأصدقاءه عند أي هفوة أو زلة!! وكم من خلاف زوجي بسيط يخطئ فيه أحد الزوجين في قول أو فعل ويتفاقم الخلاف بسرعة، وتنفلت الأعصاب وينتهي الأمر بالطلاق وتشتيت شمل الأسرة، وتمزيق أواصر المودة وعرى المحبة بين أفرادها!! وكم من صداقة حميمة انقلبت إلى عداوة شديدة وخصومة فاجرة؛ بسبب النزق والطيش وسوء التعبير واستخدام الكلمات الجارحة والكلام العنيف القاسي الذي يؤزِّمُ المواقف ويشعل الأحداث، ويتيح الفرصة لتدخلات شياطين الإنس والجن...!! بل كم من معارك قامت بين الدول والجماعات والقبائل بسبب الغطرسة والكبرياء وفحش القول وسوء إدارة مواطن الخلاف، وتحول الخلافات إلى صراعات خطيرة وحروب مدمرة!!
ولا ريب أن ذلك المسلك ليس بصائب ولا سديد، ولا بحكيم ولا رشيد؛ إذ النضج والعقل والحكمة والواقعية كل أولئك يقتضي التريث وحسن إدارة المواقف التي ترتكب فيها الأخطاء، والتعامل الحكيم مع المخطئين ومبادرتهم بلين القول وطيب الكلام، واكتساب قلوبهم وجذب مشاعرهم الطيبة الودودة؛ لدفعهم للخير وصرف نوازع الشر عنهم، وبالتالي يمكن السيطرة على أي موقف والخروج منه بأقل الخسائر الممكنة.
والسؤال الآن أين نحن من تعاليم ديننا الحنيف ومنهجه الحكيم الرائع في حل المشكل وعلاج الأخطاء؟ فما دامت الأخطاء ستقع لا محالة منا ومن غيرنا على النحو الذي بيَّنَّاه آنفاً فلماذا لا نتعلم كيفية التعامل معها بطريقة صحيحة هادئة وآمنة؟ إننا بحاجة إلى تفهم ديننا بطريقة أعمق، فلم يأت الدين كي يكون فقط مجرد مجموعة من الشعائر والطقوس نؤديها بأجسادنا دون أن نستفيد منها في تعاملاتنا وحياتنا اليومية، ولم ينزِّل الله تعالى القرآن الكريم فقط لتحفظه الصدور أو تتبارى الأصوات العذبة في تلاوته، كلا كلا... بل أنزله سبحانه لخيرنا ومصلحتنا في الدنيا والآخرة، قال تعالى:"وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا"[الإسراء : 82] وقال عز وجل:"إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا" [الإسراء : 9]
إننا بحاجة إلى ثقافة إسلامية واجتماعية ونفسية واعية تساهم في خفض التوترات الأسرية والمجتمعية، وتوفر مساحات واسعة من الأمل والتفاؤل، إن الإسلام يعلمنا الرفق والتسامح وقول الخير دائما، ويدعونا إلى التحلي بالحكمة واللين والرحمة؛ لجذب القلوب والعقول، وترك الأثر الطيب في الآخرين، وإدخال البهجة والسرور على نفوسهم، وهكذا يكون المسلم عنصر إبهاج ونفع في الحياة، وإضافة مميزة إليها لا حسماً منها وعبئا عليها...!!
وفي مجال الدعوة إلى الله أُمِرْنَا باتباع الحكمة واستخدام الأسلوب الحسن والكلام الطيب، والعبارات الهادئة، قال تعالى:"ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" [النحل : 125] بل حتى عندما أرسل الله تعالى نبيه موسى وأخاه هارون عليهما السلام إلى فرعون المتغطرس المتكبر الذي كان يقول" أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى" [النازعات : 24] أمرهما عز وجل قائلا:"اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)" [طه : 43 ، 44]
ويعلمنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من خلال أقواله وأفعاله الطريقة المثلى والمنهج القويم لعلاج الأخطاء التي يقع فيها الناس، فعن أنس رضي الله عنه قال : بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : مه مه!! (أي توقف عن فعل ذلك!!) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تزرموه دعوه " (أي لا تقطعوا عليه بولته؛ حتى لا يحدث له مكروه من احتقان ونحوه) فتركوه حتى بال، ثم دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: " إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول، ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل، والصلاة وقراءة القرآن " ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من القوم فجاء بدلو من ماء فصبه عليه.(متفق عليه).
بل تحدثنا سيرته العطرة صلى الله عليه وسلم بأكثر من ذلك، وفي موضوع شديد الحساسية لاسيما في البيئة العربية، فعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: إن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ائذن لي بالزنا!! فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا:مه مه!!(أي اسكت اسكت) فقال صلى الله عليه وسلم : "ادنه" (أي اقترب) فدنا منه الشاب قريبا فجلس، فقال صلى الله عليه وسلم :"أتحبه لأمك؟" قال: لا والله جعلني الله فداك، قال صلى الله عليه وسلم :"ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، أفتحبه لابنتك؟" قال الشاب: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك!! قال صلى الله عليه وسلم :"ولا الناس يحبونه لبناتهم، أتحبه لأختك؟" قال الشاب: لا والله جعلني الله فداك، قال صلى الله عليه وسلم :"ولا الناس يحبونه لأخواتهم، أتحبه لعمتك؟" قال الشاب: لا والله جعلني الله فداك، قال صلى الله عليه وسلم :"ولا الناس يحبونه لعماتهم، أتحبه لخالتك؟" قال الشاب: لا والله جعلني الله فداك، قال صلى الله عليه وسلم :"ولا الناس يحبونه لخالاتهم" فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده عليه ودعا له قائلا :"اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصِّن فرجه" فلم يكن ذلك الفتى يلتفت إلى شيء بعد ذلك. (أخرجه أحمد وصححه الألباني).
وكذلك كان موقفه صلى الله عليه وسلم مع مرتكبي الكبائر ومنتهكي حدود الله تعالى موقفاً إنسانياً رحيماً، إذ كان صلى الله عليه وسلم يكتفي بتطبيق حد الله تعالى، دون شماتة أو تشفٍّ أو رغبة في تعنيف المخطئ وإيذائه مادياً أو معنوياً، عن أبي هريرة قال : أُتِيَ النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب الخمر فقال:"اضربوه" ( أي أقيموا حد شرب الخمر عليه) فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه، فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاك الله، فقال صلى الله عليه وسلم :"لا تقولوا هكذا لا تعينوا عليه الشيطان" رواه البخاري ، وفي رواية أبي داود قال صلى الله عليه وسلم : "لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان، ولكن قولوا : اللهم اغفر له اللهم ارحمه" رواه أبو داود.
إن المتأمل لمعظم ما يحدث بيننا من مشاكل يجد أن مرده يرجع إلى العُجب بالنفس، وقلة التواضع، وإساءة الظن بالناس، وعدم حمل كلام الآخر وتصرفاته على المحمل الحسن، بل وتقديم سوء الظن وإساءة التفسير، والإسراع في رد الفعل دون أناة ولا روية، والانتصار للنفس في كل وقت وفي أي موقف، وعدم التماس العذر للمخطئ، واعتبار أن كل هفوة أو إساءة إنما قصدها عمدا بهدف الإهانة والتحقير والإذلال؛ ومن ثم تثور النفوس غضباً للكرامة التي أهينت، وماء الوجه الذي أريق، والحرمات الشخصية التي انتُهِكت، وللأسف الشديد كلنا في الغالب نبادر إلى التصرف بمثل هذه الطريقة الرعناء في معظم ما نتعرض له من مواقف، رغم أن ذلك يخالف التوجيهات النبوية لنا نظرية كانت أم عملية، ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" رواه البخاري ومسلم، وعن أنس رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي، فجذبه بردائه جذبة شديدة، فنظرت إلى صفحة عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أثر بها حاشية الرداء( ياقته الخشنة) من شدة جذبته ثم قال: يا محمد مُرْ لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم فضحك ثم أمر له بعطاء!! رواه البخاري ومسلم، هكذا قابل الرسول صلى الله عليه وسلم غِلْظَةِ الرجل وعنفه وقسوته بهدوء ولين ورفق، وقابل إساءته بابتسامة وعطاء (أي بعطاء معنوي ومادي) ولم يُنْقِصُ ذلك شيئا من قدر ومنزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من حب الناس له واعتزازهم به، فَلِمَ لا نتمثل هذه الآداب الرفيعة والأخلاق الحسنة والقيم السامية والسلوكيات النبيلة في كل تصرفاتنا ومعاملاتنا؟ لِمَ نبادر دائما إلى الغضب والانفعال؟! ألم نسمع قول الله تعالى: "وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" [آل عمران : 134]؟ لم نقابل السيئة بما هو أسوأ منها؟ ألم نسمع قول الله تعالى:" وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ " [فصلت :34]؟ ألا نعلم أن كل إنسان موكل به ملكان يسجلان كل ما يقوله وكل ما يفعله؟ قال تعالى:"مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ" [ق : 18] ثم لماذا لا نتراحم فيما بيننا؟! ألم يقل الله لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم :" فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ" [آل عمران : 159] ولِمَ نترك الفرصة للشيطان ينفخ فينا الغضب ويثير بيننا العداوات والإحن؟ ألم يحذرنا الله منه؟ قل تعالى:" وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا"[الإسراء : 53] وقال سبحانه:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)" [فاطر : 5 ، 6] فمتى نحذر الشيطان ونتخذه عدوا؟ متى لا نترك له الفرصة كي يثير العداوة والبغضاء بيننا؟ متى نتعامل مع أخطاء الآخرين برفق ولين ورحمة وتسامح؟ متى ندرك حقيقة ضعفنا البشري وحقيقة كوننا معرضين للوقوع في الأخطاء بحكم ما ركبنا عليه من نقص؟ ليتنا نتغافر ونتصافح ونتغافل ونتسامح فيما بيننا، وليتنا نتعامى عن أخطاء بعضنا البعض، ونتقن فن الإغضاء والتغافل وتقبل الآخرين كما هم فلدينا عيوب وأخطاء وهفوات كما لديهم بالضبط، وبذلك نحاصر الهموم والغموم في حياتنا، ونزيد من مساحات الأمل والبهجة والسعادة بدلا من أن يقتل بعضنا بعضاً هماً وغماً، ونضيع أعمارنا ونبدد طاقاتنا، ونهدر أوقاتنا وجهودنا في المشاحنات والمغاضبات، والعتاب واللوم والخصام والهجر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.