إحصائية حديثة مفزعة عن العنف الأسري تشي بأن سي السيد لم يعد له وجود في مجتمعنا أو علي الأقل تنازل عن سلطاته وسلطانه وجبروته الشرقي المعتاد إلي نصفه الآخر الذي كان مسالما, ثم انزوي في ركن يتلقي اللطمات والركلات والصفعات من زوجته, وهو مهيض الجناح مكسور الخاطر, لا يستطيع أن يرد أو يصد. وبالطبع لا يجرؤ أن يغضب ويذهب إلي بيت أمه أو أبيه باكيا شاكيا, طالبا من والديه أن ينقذاه من براثن زوجته المفترية.. أو يجدا له حلا! الإحصائية واردة في دراسة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية, ونشرتها الزميلة رانيا حفني في الأهرام قبل أيام, وتقول إن40% من الرجال المتزوجين يتعرضون للتأديب والتهذيب والإصلاح الذي يصل إلي حد العاهات المستديمة, كما لو أنهم يعيشون في إصلاحيات للأحداث أو في مدرسة للمشاغبات! وقد قرأت دراسة جيدة قبل سنوات تحدد صفات الزوجات المفتريات, بأن أغلبهن أميات أو يقرأن ويكتبن بالكاد, والقليل منهن حاصلات علي مؤهلات متوسطة. وأرجعت الأسباب إلي الحرمان العاطفي والبخل والإهمال, والتعطل عن العمل والخلافات المالية, وعدم الإنفاق علي البيت والعصبية والعند وأخيرا سوء معاملة لمدد طويلة تدفع الزوجة إلي الاستبياع! لكن الأهم أن أغلب الأزواج المضروبين هم من متوسطي الذكاء, ولا يتمتعون بشخصية قوية, ويهتمون بالنساء الأخريات أمام زوجاتهم, وفي الغالب من أصحاب أجساد ضعيفة البنية أو بدينة وثقيلة الحركة! وقد يكون الضرب أرحم من الخلع أحيانا أو هو والخلع مثل السحابة السوداء التي لا ترحم ولا تسمح برحمة ربنا تنزل.. إذ يتكاثر المخلعون في البلاد أكثر من تكاثر الجراد,44 ألف مخلوع كل عام والبقية في الطريق! صحيح أن هذا النوع من الرجال يفكر في طلب حماية من مؤسسات المجتمع المدني علي غرار الحماية التي وفرتها الجمعيات النسائية للمرأة في عصر سي السيد, لكن المسألة أخطر من ذلك بكثير فالضرب والخلع والطلاق ليس مجرد أرقام واحصاءات, وإنما عائلات انسانية: رجالا ونساء وأطفالا, وأحوال اجتماعية وسياسية وثقافية تصب في العمل والتنمية والسلوكيات والمحاكم وأقسام الشرطة والسجون, أي طاقة بناء أو طاقة مهدرة. والسؤال الذي أتصوره ضروريا لن يكون عن سر الانقلاب في طبيعة المرأة من الخضوع إلي التمرد, ومن الرضا إلي الرفض, ومن الانكسار إلي القوة وإنما: وكم عدد الرجال الذين يضربون زوجاتهم؟ حسب الإحصائية هو60%.. وفي دراسة سابقة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية عن العنف الأسري برر الرجال ضرب زوجاتهم بأنهن عنيدات جدا, غيورات إلي حد لا يطاق, يصل إلي درجة فرض الحصار لضمان عدم الاقتراب أو التصوير, بخيلات نحو ضيوفه, وعلي الأخص أقاربه وأسرته الأولي, وأكثرهن عصبيات مستفزات لرجولة أزواجهن بالتورط في أخطاء أو كلام ملتهب وجارح أحيانا أمام الغرباء, وبعضهن غير متسامحات لا يغفرن الإساءة, ويحملن روحا ثأرية تلبد الجو بالغيوم, لتهب رياح العنف مرة أخري وتدخل من الباب والشباك. وتلعب القيم المزدوجة دورا في الضرب, فالأزواج قد يرون الزوجات المضروبات أقل تدينا مما يجب, وهو ما يجعل هؤلاء الرجال أكثر نفورا وارتيابا في سلوكهن, خاصة إذا كن أقل احتشاما, وطبعا مفهوم الاحتشام الآن صار قرين الحجاب والنقاب.. وهذا النوع من الرجال لديه تصور خاص عن تدين المرأة, بأنه تسامح وكظم للغيظ وتحفظ شديد في التعامل مع الجنس الخشن من الغرباء أو حتي زملاء العمل, وعدم الخروج من البيت دون إذن أيا كانت الأسباب, وطاعة الزوج طاعة عمياء, وعدم مناقشته بصوت عال, دون أن يسأل الرجال: هل هذا التدين حقيقي أم قناع؟ وهذا ناتج عن الخلط في العقل المصري الراهن بين شكل المرأة من ملابس ومكياج, وجوهر سلوكها من عفة وتعفف, وقد نغفل الجوهر العطن, ونتمسك بالشكل إذا بدا بريئا ملتزما! وحددت الدراسة خمسة أسباب رئيسية لعنف الزوج.. * عصيان أوامره. * الشك في سلوك الزوجة. * إهمال شئون البيت. * سوء معاملة أهله. * غيرتها الشديدة. وفي كل الأحوال, تتسم مؤسسات الزواج التي يتبادل فيها الطرفان الضرب بسمة واضحة في جميع الحالات وهي عدم الرضا عن الزواج بالمرة, صحيح أن المشكلات الحياتية كانت موجودة قبل الزواج, لكن الجانب الأكثر سوءا منها هو الذي ينمو ويتوحش, فيلقي كل طرف علي الطرف الآخر مسئولية الفشل سواء في الحياة العملية أو في البيت, بعدها تنقطع خطوط الحوار العائلي, ويعيش كل منهما في جزيرة معزولة تبعد بينهما آلاف الأميال النفسية, بالرغم من وجودهما في فراش واحد لا يفرق بينهما أحيانا شعرة, ومع مرور الأيام ينظران شذرا وغضبا مقرونا بقرف إلي بعضهما البعض, يتحول إلي كلام ساخن ثم إلي ركلات ولكمات. إذن نحن ليس أمام مؤسسة زواج ومودة ورحمة وسكينة, نحن أمام مؤسسة عنف متبادل.. ولا ننسي أن صفحات الحوادث بالجرائد لا تخلو أيضا من حكايات عنف ضد الأبناء أو بين الأخوة أو ضد الأبوين. لكن مهما تعددت الأسباب والظروف تظل العلاقة الزوجية هي مثلث برمودا في محيط الأسرة, فهي أصل العنف أو منها ينبع العنف ويمتد إلي بقية الأفراد! وهنا يصبح السؤال أكثر شمولية: ما الذي حدث في بنية المجتمع ونسيجه وقلب الأفعال الشاذة إلي عادة يومية؟!, وبالقطع الضرب فعل شاذ سواء مارسه الرجل أو المرأة. لايهم من يضرب من, لأنه حين يقع العنف في الأسرة لا ينجو منه أحد, ويصبح الكل ضحايا بدرجات متفاوتة, فالعنف مثل الحرب, الكل خاسر, وأولهم الأطفال.. أي تدمير لجزء من المستقبل قبل أن يأتي. [email protected]