يشكل تاريخ 17 فبراير 2008 علامة فارقة فى تاريخ كوسوفا حيث أعلن فى هذا اليوم استقلال دولة كوسوفا عن الاحتلال الصربى، لقد دفعت كوسوفا ثمنًا باهظًا لنيل هذا الاستقلال، حيث عانت من المجازر البشعة التى ارتكبتها الصرب فيها عامى 1998 – 1999، مما دعا لتدخل حلف الأطلنطى الذى شن العديد من الغارات الجوية التى أجبرت القوات الصربية على الانسحاب منها، وتم وضعها تحت حماية الأممالمتحدة إلى أن أعلنت استقلالها. وقد بلغ عدد الدول التى اعترفت بكوسوفا حتى الآن ما يقرب من مائة دولة، وتحديدًا 98 دولة، على رأسها الولاياتالمتحدة، ومعظم الدول الأوروبية، و13 دولة عربية، وللأسف الشديد فإن مصر لم تعترف بها حتى الآن برغم مرور أكثر من خمس سنوات على إعلان الاستقلال، ودون أسباب واضحة لهذا الموقف، سوى ما ذكر عن المحافظة على علاقات مصر مع صربيا، وبالرغم من قيام الثورة فى مصر والموقف الإيحابى لكوسوفا منها، إلا أن المجلس العسكرى لم يقدم على الاعتراف بها، ومع تولى د.محمد مرسى الرئاسة ازدادت وتيرة العلاقات بين مصر وكوسوفا وتبادل كبار المسئولين، فى كلا البلدين، الزيارات، وأعلنت رئاسة الجمهورية فى 31 مارس الماضى أن مصر فى طريقها للاعتراف بكوسوفا، إلا أنه لم يتم حتى الآن الإقدام على هذه الخطوة والتى تأخرت كثيرًا. إن على مصر وهى تتطلع بعد الثورة إلى استعادة مكانتها وزعامتها على الصعيدين العربى والإسلامى، المسارعة للاعتراف بكوسوفا، ومد يد العون إلى الشعب المسلم هناك الذى تعرض لمحاولات قاسية لسحق هويته الإسلامية.. هذا على المستوى العام، أما على المستوى الشخصى فقد أتاحت لى دراساتى على مدى سبع سنوات، للحصول على درجتى الماجستير والدكتوراه عن تاريخ البلقان، فى الفترة من 1463 حتى 1913، الفرصة للاطلاع على تاريخ هذه المنطقة، حيث تنقلت طوال تلك الفترة بين سهول البلقان وجباله ومرتفعاته ومنحدراته، وعايشت أهلها من الآريين والذى يرجع إليهم أصل الألبان فى ألبانيا وكوسوفا، ورافقت الشعوب السلافية فى هجرتها للبلقان وتأسيس العديد من دولة كالبوسنة والهرسك والصرب والجبل الأسود، ثم كانت الفتوح العثمانية فى البلقان التى شهدت الكثير من المعارك وتوقفت عند موقعة كوسوفا 1389، (يطلق عليها بالتركية "قوصوه"، وتعنى الطيور السوداء)، والتى هزم فيها التحالف البلقانى بزعامة الصرب وقتل ملكها لازار، واستشهد فى آخرها السلطان مراد الأول غدرًا، ولا تزال هذه المعركة تعيش فى وجدان الصرب، ويحتفلون بها بالرغم من هزيمتهم فيها، وأسر ملكهم ثم قتله. ثم كان عهد السلطان محمد الفاتح (1451 - 1481)، الذى خضع فيه معظم البلقان فعليًا تحت سلطة الدولة العثمانية، ثم كان عهد السلطان سليمان المشرع (1520 – 1566)، الذى شهد السيطرة العثمانية الكاملة على كل منطقة البلقان وانطلقت الفتوحات الإسلامية فى عهده، حتى تم فرض الحصار على فيينا عاصمة النمسا. وفى ظلال الحكم العثمانى للبلقان، انتشر الإسلام بين سكانه بفعل الدافع الذاتى له، وبفضل جهود المخلصين من الدعاة والعلماء المسلمين، وقد عاشت جميع الملل والنحل فى البلقان وغيرها من أرجاء العالم العثمانى فى جو من الحرية والتسامح الدينى الذى عرفت به الدولة العثمانية. ومع بداية القرن 19 بدأت الروح القومية تسرى فى البلقان لتبدد الهدوء الذى ساده تحت الحكم العثمانى لأكثر من ثلاثة قرون، وكانت البداية من الصرب ثم اليونان ثم امتدت النيران إلى باقى البلقان فى الوقت الذى عانت فيه الدولة العثمانية من الضعف حتى أطلق عليها الرجل المريض. وفى عام 1878، وفى مؤتمر برلين تم توزيع أملاك الدولة العثمانية وتقلص الوجود العثمانى فى البلقان، ثم جاءت حرب البلقان الأولى 1912، لتقضى على الوجود العثمانى فى البلقان، الذى لم يتبق له فى أوروبا إلا مساحات صغيرة تمثل الآن تركيا الأوروبية. لقد انعكست النزعة القومية فى البلقان وما صاحبها من تمرد وثورات بالسلب على المسلمين فى البلقان، سواء من مواطنى البلقان أنفسهم الذين اعتنقوا الإسلام، أو المهاجرين من رعايا الدولة العثمانية الذين استقروا فيه، والذين عانوا من التهجير والطرد من بلادهم، وتعرضوا لأبشع أنواع التعذيب والتطهير العرقى، خاصة فى بعض بلاد البلقان الذين كان عدد المسلمين فيها يشكل نصف السكان على الأقل كبلغاريا واليونان. لقد تقلص التواجد الإسلامى فى أوروبا مع نهاية الحكم العثمانى فى ثلاثة أماكن هى البوسنة والهرسك، وكوسوفا، وألبانيا وهى البلاد التى اعتنق أهلها الإسلام بعد الفتح العثمانى، وتمسكوا بعقيدتهم وقدموا العديد من العلماء والأدباء والشعراء الذين لهم إسهاماتهم فى مضمار الحضارة الإسلامية. لقد انتهى الأمر بكل من البوسنة والهرسك، وكوسوفا بوقوعها ضمن الاتحاد اليوغسلافى، بينما سيطر الحكم الشيوعى على ألبانيا، ولكن مع انهيار الاتحاد السوفيتى، وما تبعه من تهاوى الحكم الشيوعى فى أوروبا الشرقية سعت الجمهوريات المنضوية تحت حكم الاتحاد اليوغسلافى، وعلى رأسها كل من كرواتيا وسلوفينيا، للاستقلال فى الوقت الذى تمسكت فيه الصرب بالاتحاد، ومحاولة فرض سيطرتها عليه، وقد أعلنت البوسنة والهرسك الاستقلال فى مارس 1992، وجاء رد الفعل من جانب الصرب عنيفًا، حيث اشتعلت الحرب فى البوسنة، وانتهى الأمر بحصول البوسنة على الاستقلال، وتبعتها كوسوفا فى 2008، أما ألبانيا فقد تهاوى النظام الشيوعى الاستبدادى بها واستعاد الشعب الألبانى حريته وإرادته. إن على مصر بكل مؤسساتها الرسمية والشعبية من أحزاب ومنظمات مجتمع مدنى وجامعات وروابط وجمعيات وغيرها من الهيئات المسارعة إلى تقوية علاقاتها بالدول الثلاثة فى كافة المجالات، خاصة المجال الدينى والثقافى، وعلى الحكومة المسارعة للاعتراف بكوسوفا، وفتح سفارة مصرية بها وتقوية العلاقات مع الدول الإسلامية الثلاثة فى أوروبا، ومد يد العون لها بدلاً من تركها فريسة لدول الاتحاد الأوروبى التى تأخذها بعيدًا عن قضايا العرب والمسلمين وعن هويتها الإسلامية. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.