بقلم: د. كمال بريقع عبد السلام عندما ننظر إلى ما يحدث الآن في مانيمار (بورما) من اضطهاد المسلمين هناك، فإن ذلك يطرح علينا سؤالا مهما وهو: ما هو الدور الواجب على الدول الإسلامية والعربية إزاء ما يحدث تلك الدول؟ ومن القضايا المهمة والتي يجب أن تطرح على الساحة في هذا التوقيت وتستحق منا أن ننظر إليها بعين الاعتبار هي قضية كوسوفا، وكثير من شبابنا اليوم لا يكاد يعرف الكثير عن هذه الجمهورية. وجمهورية كوسوفا ديانيتها الرسمية الإسلام حيث يشكل المسلمون 96% من إجمالي عدد سكانها، وقد دخلها الإسلام في القرن الخامس عشر الميلادي مع الفتح العثماني لها، ولغتها الرسمية الأكثر انتشارا هي الألبانية التي يتحدث بها نحو 95% ثم اللغة الصربية بنسبة 2 ٪ بالإضافة إلى لغات الأقليات الأخرى . وتقع في جنوب شرق أوروبا تحدها جمهورية مقدونيا من الجنوب الشرقي وصربيا من الشمال الشرقي والجبل الأسود من الشمال الغربي وألبانيا من الجنوب. عاصمتها بريشتينا. يبلغ عدد سكانها حوالي ثلاثة ملايين نسمة، وقد كانت كوسوفا من ضمن الاتحاد اليوغسلافي ، وبعد تفكك الاتحاد اليوغسلافي وإعلان الجمهوريات الأخرى استقلالها ك(سلوفينا وكرواتيا ومقدونيا والجبل الأسود والبوسنة والهرسك، وصريبيا، وأخيرا كوسوفا في 17 فبراير 2008م حين أعلن البرلمان الكوسوفوي بالإجماع استقلالها وإعلان برشتينا عاصمة لها . وكلمة كوسوفا تعني "الطائر الأسود" باللغة الصربية، والنطق الصربي هو كوسوفو أما النطق باللغة الألبانية فهو كوسوفا، بينما الاسم العثماني التاريخي لإقليم كوسوفاو هو قوصوه. وتعد"برشتينا" العاصمة هي أكبر مدنها، ونظام الحكم فيها برلماني، وئيس الدولة الحالي السيدة عاطفة يحيى آغا، ورئيس الوزراء هو هاشم ثاتشي، ورئيس البرلمان يعقوب كراسنيتش كان عام 1998 هو العام الذي لفت أنظار العالم بقوة إلى خطورة الأوضاع في كوسوفا حيث دخل جيش تحرير كوسوفا في صراع مع الجيش الصربي فأرتكب الأخير مجازر وحشية ضد المدنيين الألبان، مرتكبا أبشع جرائم الإبادة والتطهير العرقي والذي كان محملا بالكراهية الدينية لشعب كوسوفا المسلم. وقد جاء تحرك المجتمع الدولي متأخرا بعد أن أوشك أن يُباد الشعب الكوسوفي عن آخره، وبعد أن ارتكبت في حقه أبشع الجرائم من قتل للأطفال وجرائم اغتصاب وعمليات تهجير للمواطنين لم يشهد التاريخ مثلها، وحقن للأطفال بأمصال تصيبهم بالعقم لضمان عدم زيادة السكان في المستقبل وغيرها كثير من الجرائم التي يندى لها الجبين. وفي مارس 1999م، شن حلف شمال الأطلسي (النيتو) غارات جوية على صربيا مما أرغم السفاح ميلوشيفيتش على الانسحاب من كوسوفا. وفقدت بلغراد السيطرة الفعلية على الإقليم الذي وضع تحت حماية الأممالمتحدة وحلف النيتو الذي ينشر نحو 17 الف عسكري فيه. وجرت مفاوضات حول الوضع النهائي لكوسوفا بين الصرب والكوسوفيين الألبان, قدم في ختامها مارتي اهتيساري الذي كلفته الأممالمتحدة إعداد خطة لوضع نهائي للإقليم تقضي باستقلاله تحت اشراف دولي, دعمها الأميركيون ومعظم الأوروبيين. وفي يوم 17 فبراير/شباط 2008م أعلنت كوسوفا استقلالها بدعم من الدول الديمقراطية العظمى كالولايات المتحدة وعدد من دول الإتحاد الأوروبي والسعودية وباقي دول الخليج العربي التي سارعت بتأييد الاستقلال في حين رفضته روسيا بشدة ودعت إلى جلسة عاجلة لمجلس الأمن، وذلك لما هو معلوم أن صربيبا عرقيا تتيع روسيا. ومن العجيب وبرغم اعتراف عدد كبير من الدول بجمهورية كوسوفا كدولة مستقلة، وفي الوقت الذي كانت تنتظر فيه كوسوفا من الحكومة المصرية وقتذاك دعمها والاعتراف بها، إلا أن الأمور سارت عكس ما توقعت كوسوفا، فعقب زيارة الرئيس المصري المخلوع لروسيا سنة 2008م والتي كانت وما زالت تقف وبشدة ضد الاعتراف بكوسوفا كدولة مستقلة، رفضت مصر الاعتراف بها كدولة مستقلة، وذلك على الرغم من أن سياسة الحكومة المصرية في هذا الوقت كانت تابعة للسياسة الأمريكية ولا تحيد عنها قيد أنملة، إلا أنها سارت عكس السياسة الأمريكية في قضية كوسوفا الأمر الذي يدعو للحسرة والدهشة تجاه هذه التوازنات الغريبة، والتي لا تصب إطلاقا في صالح المسلمين ولا في صالح مصر. ومما يدعو للحسرة أيضا أن النظام السابق قد اعترف بدولة جنوب السودان فور انفصالها ودون أي اعتبار أو أهمية وحدة السودان الشقيق والذي يمثل بالنسبة لمصر عمقا تاريخيا وبعدا استراتيجيا وأمنيا. ومن الجدير بالذكر أن هناك 91 دولة تعترف بكوسوفا كدولة مستقلة حتى الآن؛ ولكي تصبح عضوا في الأممالمتحدة يجب أن تحصل على اعتراف أكثر من 110 دولة على الأقل. وقد وعد الدكتور محمد مرسي، باعتراف مصر بدولة كوسوفا حال فوزه بمنصب رئيس الجمهورية، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل تستجيب مصر ما بعد الثورة لتحقيق آمال وطموحات شعب كوسوفا وتعترف بها كدولة مستقلة وتدعمها لكي تحصل على اعتراف باقي الدول العربية بها، ومن ثم تستعيد مصر دورها المحوري على المستويين الإقليمي والدولي، خاصة وأن هناك علاقات تاريخية وثقافية وأواصر حميمة تربط بين الشعبين الشقيقين، ومن قبل ذلك أخوة الدين والعقيدة... فهل يتحقق لشعب كوسوفا ما يطمحون إليه؟! [email protected] الموقع غير مسئول قانونا عن التعليقات المنشورة