عندما ننظر إلى ما يحدث الآن فى مانيمار (بروما) من اضطهاد المسلمين هناك، فإن ذلك يطرح علينا سؤالا مهما وهو: ما هو الدور الواجب على الدول الإسلامية والعربية إزاء ما يحدث تلك الدول؟ ومن القضايا المهمة، والتى يجب أن تطرح على الساحة فى هذا التوقيت وتستحق منا أن ننظر إليها بعين الاعتبار هى قضية كوسوفا، وكثير من شبابنا اليوم لا يكاد يعرف الكثير عن هذه الجمهورية. وجمهورية كوسوفا ديانتها الرسمية الإسلام، حيث يشكل المسلمون 96% من إجمالى عدد سكانها، وقد دخلها الإسلام فى القرن الخامس عشر الميلادى مع الفتح العثمانى لها، ولغتها الرسمية الأكثر انتشارًا هى الألبانية التى يتحدث بها نحو 95% ثم اللغة الصربية بنسبة 2٪ بالإضافة إلى لغات الأقليات الأخرى. وتقع فى جنوب شرق أوروبا تحدها جمهورية مقدونيا من الجنوب الشرقى وصربيا من الشمال الشرقى والجبل الأسود من الشمال الغربى وألبانيا من الجنوب.. عاصمتها بريشتينا. يبلغ عدد سكانها حوالى ثلاثة ملايين نسمة، وقد كانت كوسوفا من ضمن الاتحاد اليوغسلافى، وبعد تفكك الاتحاد اليوغسلافى وإعلان الجمهوريات الأخرى استقلالها ك(سلوفينا وكرواتيا ومقدونيا والجبل الأسود والبوسنة والهرسك، وصربيا، وأخيرا كوسوفا فى 17 فبراير 2008م حين أعلن البرلمان الكوسوفوى بالإجماع استقلالها وإعلان برشتينا عاصمة لها. وكلمة كوسوفا تعنى "الطائر الأسود" باللغة الصربية، والنطق الصربى هو كوسوفو، أما النطق باللغة الألبانية فهو كوسوفا، بينما الاسم العثمانى التاريخى لإقليم كوسوفاو هو قوصوه. وتعد"برشتينا" العاصمة هى أكبر مدنها، ونظام الحكم فيها برلماني، ورئيس الدولة الحالى السيدة عاطفة يحيى أغا، ورئيس الوزراء هو هاشم ثاتشى، ورئيس البرلمان يعقوب كراسنيتش. كان عام 1998 هو العام الذى لفت أنظار العالم بقوة إلى خطورة الأوضاع فى كوسوفا حيث دخل جيش تحرير كوسوفا فى صراع مع الجيش الصربى فارتكب الأخير مجازر وحشية ضد المدنيين الألبان، مرتكبا أبشع جرائم الإبادة والتطهير العرقى، والذى كان محملا بالكراهية الدينية لشعب كوسوفا المسلم. وقد جاء تحرك المجتمع الدولى متأخرا بعد أن أوشك أن يُباد الشعب الكوسوفى عن آخره، وبعد أن ارتكبت فى حقه أبشع الجرائم من قتل للأطفال وجرائم اغتصاب وعمليات تهجير للمواطنين لم يشهد التاريخ مثلها، وحقن للأطفال بأمصال تصيبهم بالعقم لضمان عدم زيادة السكان فى المستقبل وغيرها كثير من الجرائم، التى يندى لها الجبين.. وفى مارس 1999م، شن حلف شمال الأطلسى (النيتو) غارات جوية على صربيا مما أرغم السفاح ميلوشيفيتش على الانسحاب من كوسوفا.. وفقدت بلغراد السيطرة الفعلية على الإقليم الذى وضع تحت حماية الأممالمتحدة وحلف النيتو الذى ينشر نحو 17 ألف عسكرى فيه.. وجرت مفاوضات حول الوضع النهائى لكوسوفا بين الصرب والكوسوفيين الألبان, قدم فى ختامها مارتى اهتيسارى الذى كلفته الأممالمتحدة إعداد خطة لوضع نهائى للإقليم تقضى باستقلاله تحت إشراف دولى, دعمها الأمريكيون ومعظم الأوروبيين. وفى يوم 17 فبراير 2008م أعلنت كوسوفا استقلالها بدعم من الدول الديمقراطية العظمى كالولايات المتحدة وعدد من دول الاتحاد الأوروبى والسعودية وباقى دول الخليج العربى، التى سارعت بتأييد الاستقلال فى حين رفضته روسيا بشدة ودعت إلى جلسة عاجلة لمجلس الأمن، وذلك لما هو معلوم أن صربيبا عرقيا تتيع روسيا. ومن العجيب وبرغم اعتراف عدد كبير من الدول بجمهورية كوسوفا كدولة مستقلة، وفى الوقت الذى كانت تنتظر فيه كوسوفا من الحكومة المصرية وقتذاك دعمها والاعتراف بها، إلا أن الأمور سارت عكس ما توقعت كوسوفا، فعقب زيارة الرئيس المصرى المخلوع لروسيا سنة 2008م والتى كانت وما زالت تقف وبشدة ضد الاعتراف بكوسوفا كدولة مستقلة، رفضت مصر الاعتراف بها كدولة مستقلة، وذلك على الرغم من أن سياسة الحكومة المصرية فى هذا الوقت كانت تابعة للسياسة الأمريكية ولا تحيد عنها قيد أنملة، إلا أنها سارت عكس السياسة الأمريكية فى قضية كوسوفا، الأمر الذى يدعو للحسرة والدهشة تجاه هذه التوازنات الغريبة، والتى لا تصب إطلاقا فى صالح المسلمين ولا فى صالح مصر. ومما يدعو للحسرة أيضًا أن النظام السابق قد اعترف بدولة جنوب السودان فور انفصالها ودون أى اعتبار أو أهمية وحدة السودان الشقيق، والذى يمثل بالنسبة لمصر عمقًا تاريخيًا وبعدا استراتيجيا وأمنيًا. ومن الجدير بالذكر أن هناك 91 دولة تعترف بكوسوفا كدولة مستقلة حتى الآن؛ ولكى تصبح عضوًا فى الأممالمتحدة يجب أن تحصل على اعتراف أكثر من 110 دول على الأقل. وقد وعد الدكتور محمد مرسي، باعتراف مصر بدولة كوسوفا حال فوزه بمنصب رئيس الجمهورية، والسؤال الذى يطرح نفسه هنا: هل تستجيب مصر ما بعد الثورة لتحقيق آمال وطموحات شعب كوسوفا وتعترف بها كدولة مستقلة وتدعمها لكى تحصل على اعتراف باقى الدول العربية بها، ومن ثم تستعيد مصر دورها المحورى على المستويين الإقليمى والدولي، خاصة أن هناك علاقات تاريخية وثقافية وأواصر حميمة تربط بين الشعبين الشقيقين، ومن قبل ذلك أخوة الدين والعقيدة... فهل يتحقق لشعب كوسوفا ما يطمحون إليه؟! [email protected]