تنسيق الجامعات.. كل ما تريد معرفته عن برنامج المعلوماتية الطبية بجامعة حلوان    «التضامن» تقر تعديل وتوفيق أوضاع 3 جمعيات في القليوبية وكفر الشيخ    النائب أحمد فرغلي يعلن رفضه لمشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالي الجديد 2025/2026    وزير الإسكان: ملتزمون بتذليل العقبات أمام المطورين والمستثمرين    الوكالة الدولية للطاقة الذرية:التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل يؤخر العمل نحو حل دبلوماسي    حقيقة استبعاد محمود تريزيجيه من مباراة بالميراس البرازيلي    «الداخلية» تقرر السماح ل42 مواطنًا مصريًا بالحصول على جنسيات أجنبية    أرق الصيف.. كيف تحمي نفسك منه؟    رئيس «النواب» ينتقد تغيب وزيري المالية والتخطيط خلال مناقشة الموازنة: لا نقبل الأعذار    المكتب الإعلامي الحكومي في غزة: قطع الاحتلال للاتصالات والإنترنت جريمة مدروسة ومقصودة لعزل القطاع    رئيس مجلس النواب يضع مجموعة قواعد لمناقشة مشروع خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية    ميدو: الأهلي أضاع فرصة التأهل.. وزيزو غير جاهز بدنيًا    شوبير يكشف سبب تبديل زيزو أمام إنتر ميامي وحقيقة غضبه من التغيير    توقيع عقد ترخيص شركة «رحلة رايدز لتنظيم خدمات النقل البري»    محافظ سوهاج يدعو المواطنين للإبلاغ عن وقائع الغش في امتحانات الثانوية العامة بالأدلة    اليوم.. محاكمة 29 متهمًا بالانضمام لجماعة إرهابية فى المقطم    في أول زيارة لماسبيرو.. "المسلماني" يستقبل هدى نجيب محفوظ قبل افتتاح استديو نجيب محفوظ    بعد أزمة تواجدها في العراق.. إلهام شاهين: أخيرا هنرجع مصر    قصر ثقافة أبو سمبل يشهد انطلاق برنامج "مصر جميلة" لاكتشاف ودعم الموهوبين    وزير الزراعة يفتتح ورشة العمل الأولى لتنفيذ استراتيجية إعلان كمبالا للبحث والتطوير الزراعي في أفريقيا    الصحة: إصدار 19.9 مليون قرار علاج مميكن من الهيئة العامة للتأمين الصحي خلال عام    صحة الشرقية تطلق قافلة طبية بالمجان لأهالي العزازية ضمن المبادرات الرئاسية    وزير التعليم العالى: بنك المعرفة المصري تحول إلى منصة إقليمية رائدة    القبض على 3 متهمين بسرقة كابلات من شركة بكرداسة    الإعدام شنقا لجامع خردة قتل طفلة وسرق قرطها الذهبى فى العاشر من رمضان    الدخول ب 5 جنيهات.. 65 شاطئًا بالإسكندرية في خدمة المصطافين    السيسي لا ينسي أبناء مصر الأوفياء.. أخر مستجدات تكريم الشهداء والمصابين وأسرهم    انخفاض الطماطم.. أسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور اليوم    بدء تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع جنة بالمنصورة الجديدة.. 6 يوليو    أحمد السقا يرد برسالة مؤثرة على تهنئة نجله ياسين بعيد الأب    خلافات زوجية في الحلقة الثالثة من «فات الميعاد»    شام الذهبي تطمئن الجمهور على نجل تامر حسني: «عريس بنتي المستقبلي وربنا يشفيه»    حكم الصرف من أموال الزكاة والصدقات على مرضى الجذام؟.. دار الإفتاء تجيب    معلق مباراة الأهلي: الحماس سبب تريند «تعبتني يا حسين».. والأحمر كان الأفضل (خاص)    أسعار النفط تقفز وسط تصاعد المخاوف من تعطل الإمدادات    مستقبل صناعة العقار في فيلم تسجيلي بمؤتمر أخبار اليوم    محافظ أسوان: 14 ألف حالة من المترددين على الخدمات الطبية بوحدة صحة العوضلاب    موريتانيا.. مظاهرات منددة بالعدوان الإسرائيلي على إيران وغزة    الاثنين 16 يونيو 2025.. البورصة المصرية تعاود الارتفاع في بداية التعاملات بعد خسائر أمس    مستشار الرئيس للصحة: مصر سوق كبيرة للاستثمار في الصحة مع وجود 110 ملايين مواطن وسياحة علاجية    ترامب يصل إلى كندا لحضور قمة مجموعة السبع على خلفية توترات تجارية وسياسية    استكمالا لسلسلة في الوقاية حماية.. طب قصر العيني تواصل ترسيخ ثقافة الوعي بين طلابها    حالة الطقس اليوم في الكويت    أحمد فؤاد هنو: عرض «كارمن» يُجسّد حيوية المسرح المصري ويُبرز الطاقات الإبداعية للشباب    الرئيس الإيراني: الوحدة الداخلية مهمة أكثر من أي وقت مضى.. ولن نتخلى عن برنامجنا النووي السلمي    إيران تنفذ حكم الإعدام فى مدان بالتجسس لصالح إسرائيل    انتصار تاريخي.. السعودية تهزم هايتي في افتتاحية مشوارها بالكأس الذهبية    تضرر شبكة الكهرباء فى وسط إسرائيل بسبب الضربات الإيرانية    مدرب بالميراس يتوعد الأهلي قبل مواجهته في مونديال الأندية    "عايزة أتجوز" لا يزال يلاحقها.. هند صبري تشارك جمهورها لحظاتها ويكرمها مهرجان بيروت    بعد تعرضها لوعكة صحية.. كريم الحسيني يطلب الدعاء لزوجته    3 أيام متواصلة.. موعد إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والبنوك والمدارس (تفاصيل)    مجموعة الأهلي| شوط أول سلبي بين بالميراس وبورتو في كأس العالم للأندية    كريم رمزي يكشف تفاصيل جديدة عن توقيع عقوبة على تريزيجيه    أمين الفتوى: الله يغفر الذنوب شرط الاخلاص في التوبة وعدم الشرك    هل الزيادة في البيع بالتقسيط ربا؟.. أمين الفتوى يرد (فيديو)    إيران تعلن اعتقال عنصرين تابعين للموساد الإسرائيلى جنوب طهران    بوستات تهنئة برأس السنة الهجرية للفيس بوك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كوسوفا .. تاريخ الأرض والشعب
نشر في محيط يوم 21 - 02 - 2008


كوسوفا .. تاريخ الأرض والشعب

محيط - شيماء عيسى
صلاة العيد بكوسوفا
استقبل العالم الإسلامي في 17 فبراير 2008 بشارة انقضاء وصاية صربيا على إقليم كوسوفا واستقلال الأخير في دولة جديدة إسلامية ، الأمر الذي قوبل بترحيب أيضا من معظم الدول الأوروبية والولايات المتحدة لأنه يضمن الاستقرار في البلقان ، ورغم المعارضة الروسية الصربية المتوقعة ، حتى أن كوسوفا تسعى كذلك للاعتراف الدولي بها لتكون عضوا رسميا بالأمم المتحدة .

وقد جاء استقلال كوسوفا بعد صراع دموي مع صربيا طال لعشرة أعوام ، أُستعملت فيه كل انواع الاسلحة لابادة الأغلبية المسلمة في الاقليم ( 90 %)،فيما وقفت القوى الكبري تشاهد لسنوات راح ضحيتها عشرة آلاف شهيد مسلم قبل ان تتدخل لوضع الاقليم تحت الانتداب الدولي باشراف الامم المتحدة ، وفق وكالة الأخبار الإسلامية .
تعرض مسلمو إقليم كوسوفا ، والتي تشكل 15% من مساحة صربيا لمجازر وقمع شديدين من قبل الصرب في دولة صربيا ، على مدار 10 سنوات منذ عام 1989 ، حينما قام الرئيس الصربي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش بإلغاء ميزة الحكم الذاتي لكوسوفا والذي منحه إياها الرئيس اليوغوسلافي الأسبق تيتو 1974 ، ولقي نتيجة لهذا ، 10 الاف مدني ألباني حتفهم ، وفق تقارير دولية منشورة ، فيما تم تشريد 800 ألف عن مناطقهم في كوسوفا، ورد المسلمون على ذلك بإجراء استفتاء عام حول استقلال الإقليم في 1991 انتهى بتصويت السكان على الاستقلال بنسبة 99% وانتخاب رئيس مسلم .
نظرة على كوسوفا
كوسوفا – أو قوصوه كما هو اسمها في المصادر العربية القديمة – إقليم جغرافي داخلي مغلق لا يطل على أي منفذ بحري ، ويعرف في الجغرافيا السياسية ب"الأرض الحبيسة" وهو يقع في الجزء الجنوبي الغربي من شبه جزيرة البلقان ، وإقليم كوسوفا – كما هو واضح من الخريطة – يشكل امتدادا طبيعيا لأراضي جمهورية ألبانيا في شمالها الشرقي ، وتطوقهُ من الجهات الأخرى العديد من دول البلقان - التي نالت استقلالها حديثا وخرجت من تحت عباءة الاتحاد اليوغسلافي - فتجاوره من الشمال الغربي جمهورية الجبل الأسود ، ومن الجنوب جمهورية مقدونيا بينما تحيط به جمهورية صربيا - جارته اللدودة وغير العزيزة - من الشمال والشمال الشرقي.
ووفق مقال أحمد الظرافي بوكالة الأنباء اليمنية ، فإنه في قديم الأزل كان الإقليم جزءا من منطقة أوسع ُتسمى - ( داردانيا Dardania ) – نسبة إلى سكانها الدردن - وهذا الاسم مأخوذ من الكلمة الألبانية
خريطة كوسوفا
dardhë التي تعني كمثرى ، وعليه فيكون معنى الكلمة " أرض الكمثرى " وأما اسمه الحالي " كوسوفا " فيعني – طبقا لبعض المصادر- حقل الطيور السوداء .
تشكل كوسوفا الاجزاء الجنوبية من جمهورية يوغسلافيا السابقة (صربيا حاليا) حيث تبلغ مساحتها 11 الف كليومترا مربعا، توزعت عليها 1348 مدينة وقرية تبلغ مساحة إقليم كوسوفا حوالي 11 ألف كم ، وعدد سكانه نحو 2 ونصف مليون نسمة ، وتبلغ نسبة المسلمين داخل كوسوفو 92% والأقليات نحو 8% تشمل الصرب والمونتيغري والبوسنيين والغجر والأتراك ، يعد الإسلام هو الدين الرسمي داخل الإقليم .
وتشكل السهول والوديان 36.5% من الاراضي الكوسوفية، ومثل هذه النسبة من المرتفعات والجبال والغابات، اما المساحات الباقية فهي لحساب الانهار، واهمها : مبيلي دريم ، وايبار ، ونيكا.
ويتركز شعب كوسوفا في عدد من المدن المنتشرة في أجزاء متفرقة من الإقليم ومن أهم تلك المدن :
برشتينا عاصمة الإقليم وأكبر المدن فيه ، يقطنها أكثر من 600 ألف نسمة ، وهي المركز الإداري والاقتصادي والثقافي في كوسوفا ، وفيها أهم الجوامع وأقدمها في البلقان. ومنها مسجد السلطان محمد الفاتح، الذي بني سنة 1461م والذي يعتبر معلم بارز من معالمها الإسلامية .
مدينة " بريزرن " مدينة تاريخية علي سفوح جبال السار في الجزء الجنوبي من كوسوفو بالقرب من الحدود مع ألبانيا ومقدونيا ، وهي واحدة من أجمل مدن كوسوفا ، وكانت أول عاصمة للإقليم واستمرت كذلك خلال فترة الحكم العثماني ، والفترة التي تلتها قبل أن يتم تحويل العاصمة إلى برشتينا في الخمسينيات من القرن العشرين ، وعدد سكانها حوالي 165 ألف نسمة - يمثل البوسنيون نسبة هامة منهم - ومن أهم معالمها الإسلامية مسجد سنان باشا .
" بيجا " ، مركز ثقافي واقتصادي في غرب كوسوفا متأخمة للحدود مع الجبل الأسود يسكنها حوالي 154 ألف نسمة .
" ميتروفيتشا " في الشمال وهي مدينة مختلطة ومقسمة عرقيا يسكنها حوالي 97 ألف نسمة من الألبان والصرب حيث يفصل بينهم نهر إيبار ، وتعتبر أكثر مدينة قابلة للتفجر في كوسوفا بسبب شدة الكراهية العرقية والدينية التي لا تزال موجودة فيها
" جاكوفا " مدينة تقع على ضفة نهر ارنيك ، وتحيط بها غابات الصنوبر من جهاتها الأربع ويبلغ عدد سكانها أكثر من 60.000 نسمة، وهي من أقرب مدن الإقليم ، إلى الحدود مع ألبانيا .
بالطبع كانت روسيا تعارض خطة انفصال كوسوفا عن دولة الصرب ، في الوقت الذي سعت كل من الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا من اجل تحقيق هذا الهدف لا لمصلحة المسلمين في هذا الإقليم ولكن لإضعاف شوكة روسيا ، ولكنهم عادوا للتخلي عنهم ، لأنهم وفق ما ذكره المحلل السياسي محمد جمال عرفة ، سمعوا للأصوات الأوروبية التي تطالب بمنع نشوء هذه الدويلة المسلمة في قلب أوروبا في الوقت الذي دوت التحذيرات المسيحية مما اعتبروه دولة " متطرفين "، ومن جانب آخر كان الصرب يتحججون بحجج واهية لمنع انفصال اقليم كوسوفا منها أن أهم الأديرة المسيحية موجودة بكوسوفا !
الشعب الكوسوفي المسلم ، وفق الباحث الظرافي ، شديد التمسك بعاداته وتقاليده والتي تعتبر من أجمل عادات وتقاليد ، شعوب البلقان ، ومن ذلك كرم الضيافة والأمانة والشجاعة والكرم والرجولة وعزة النفس والمواساة وغيرها من الشمائل الكريمة المتفقة مع روح وجوهر الدين الإسلامي الحنيف .
يقول مراسل مجلة العربي الذي صاحب بعثة المساعدات الكويتية إلى كوسوفا في عام 1999: الذي أدهشنا هو أنه رغم كثرة أعداد الذين أتوا للحصول على المساعدة بعد أن استدعاهم رئيس الحي ... إلا أنه لم يحدث أي تزاحم، كانت الملابس تنم عن أناقة سابقة وكان الإباء " عزة النفس " تكشف عن تحضر وعفاف أذلته الحاجة وبكاء الأطفال الجوعى ، وقسوة المناخ الألباني الشديد البرودة في الشتاء والأقرب إلى اللهيب صيفا "
التاريخ إذا نطق
كوسوفا
أشارت أحدث الدراسات الاثرية والتاريخية الى ان هذه المنطقة الالبانية كانت مسكونة بالبشر منذ العصر الحجري، وان الاليريين الاوائل عاشوا في جبالها واحراشها منذ الفي سنة قبل الميلاد. حتى بسطت عليهم الامبراطورية الرومانية سلطتها، وحتى القرن الثاني عشر الميلادي تعاقب على حكمهم البيزنطيون والمقدونيون والصربيون.
وقد طرق العثمانيون ابواب البلقان، في النصف الثاني من القرن الرابع عشر ، حيث تقدمت القوات العثمانية بقيادة السلطان مراد نحو كوسوفا في عام 1389، وهناك واجهت قوات التحالف البلقاني التي قادها ملك الصرب وانضوى تحت لوائها البلغار والالبان مع الصربيين، وفي كوسوفا دارت معركة شرسة انتصر فيها العثمانيون بينما قتل السلطان مراد وملك الصرب.
ورغم الانتصار فان الجيوش التركية انسحبت سريعا من المنطقة لمهام اخرى، حتى ان نفوذ السلطان العثماني لم يعترف به في البانيا الا في سنة 1423.
وفي عهد العثمانيين كانت ولاية كوسوفا أكبر الولايات العثمانية في رومليا ( أوروبا ) ، وقد اكتسبت أهمية إستراتيجية لوقوعها على الطريق التجارية إلى البلقان وتمتعت كغيرها من بقية أقاليم البلقان بأطول فترات السلم والاستقرار والرخاء وشهد نهضة عمرانية إسلامية وما زال بعض تلك المنشآت قائماً حتى الآن .
لم يتعرف الألبان في كوسوفا على الإسلام بحد السيف كما يردد البعض حينما دخلت البلاد القوات العثمانية ، ولكن – بحسب كتابات تاريخية كثيرة – أن بلاد العرب كانت الجسر الذي تعبر عليه تجارة الشرق الى الغرب، وانها كانت تنقل عبر موانىء الشام الى روما والبندقية على الساحل الاوروبي، الامر الذي فتح بابا واسعا للتعامل بين العرب والاوروبيين. وكانت جسور التجارة هذه هي القنوات التي نقلت الاسلام الى تلك المناطق ، ويذكر ياقوت الحموي ان ملك البلغار واهلها قد اسلموا في ايام المقتدر بالله «295ه/ 908 م» وارسلوا الى بغداد رسولا يعرفون المقتدر ذلك ويسألونه في انفاذ من يعلمهم الصلاة والشرائع.
ولكن في نهاية الدولة العثمانية تنامى سلطان الاتحاديين في تركيا ، سعى الالبان الى الاستقلال مع نهاية القرن التاسع عشر، خصوصا بعدما سرت الموجة في البلقان وصار لليونان ولاهل الجبل الاسود وللصربيين دول مستقلة، وبعد ان خلع البلغار تبعيتهم للسلطان.
بعد معركة كوسوفا 1389 - 938 ه. - التي هزمت فيها الجيوش الأرثوذكسية المتحالفة بقيادة صربيا على يد الجيوش العثمانية بقيادة السلطان مراد الأول - بدأ الصرب مسيرة البحث عن ذريعة لإنقاذ سمعتهم ولتبرير هزيمتهم المريرة أمام المسلمين الأتراك القادمين من الأناضول ، ولم يجدوا أمامهم سوى ألبان كوسوفا ليلصقوا بهم هذه التهمة ، والتي ظلت ولاية عثمانية لأكثر من أربعة قرون ، بل ويتهمونهم بأنهم وراء ما يسمونه ب " النزوح الكبير " الذي يزعمون أنه حدث لهم العصور الوسطى مع دخول العثمانيين بلادهم، وحتى وقت قريب كانوا لا يرتوون من رؤية دماء مسلمي كوسوفا ، حتى أنه ، وفق وكالة الأنباء اليمنية ، تحولت هزيمة الصرب في معركة كوسوفا الشهيرة سنة 1389 إلى ذكرى سنوية يتم الاحتفال بها سنويا ويتم خلالها تمجيد القادة والفرسان الصرب الذين خاضوا تلك المعركة والثناء عليهم - في حين تستنزل اللعنات خلالها على الألبان.
الصرب وكراهية الكوسوفيين
في عام 1293ه /1876م شهد العالم ولادة صربيا الحديثة والتي قادت تحالفا دينيا مسيحيا مع بلغاريا والجبل الأسود واليونان ، لطرد الدولة العثمانية من البلقان والانتقام من المسلمين " إلا أنهم هزموا أيضا ، مما دفع روسيا القيصرية لتهب لنجدتهم وتعلن الحرب على الدولة العثمانية في العام التالي . وهذا التاريخ يعتبر البداية الحقيقية للمذابح الجماعية وأعمال التهجير والتطهير الديني التي تعرض لها المسلمون في البلقان على أيدي الأوروبيين ، حيث انتهت هذه الحرب بهزيمة القوات العثمانية هزيمة حاسمة على يد الروس في قلب البلقان لأول مرة منذ خمسمائة عام .
اعلنت البانيا استقلالها في نوفمبر عام 1912 بينما حرب البلقان الشهيرة قد اشتعلت بين تلك الدول حديثة الاستقلال، الامر الذي ادى الى تمزيق البانيا واستيلاء جيرانها الطامعين فيها على اجزاء منها، فاحتلت مملكة صربيا اقليم كوسوفا، واقتطعت اجزاء منها لتضم الى اليونان ومقدونيا والجبل الاسود.
وقد صادف قيام البانيا المستقلة نشوب الحرب العالمية الاولى، فاختلت امور البانيا اختلالا كبيراواصبحت ارضها نهبا للناهبين حتى احتلت الجيوش النمساوية والايطالية اجزاء منها.
إذن كوسوفا كانت جزءا من ألبانيا إلى أن انتهى في ظل الحكم العثماني الذي انتهى في 1912 م، وفي نفس العام أعلن الألبان استقلال دولة ألبانيا الكبرى بما فيها كوسوفا تحت رئاسة " اسماعيل كاميلي" في مدينة " فلورا" لكن عمر هذه الدولة كان قصيرا لأنها بعد سنة تكالبت عليها الدول الأوروبية خاصة البلقانية بما فيها اليونان وجيوش صربيا وجيوش الجبل الأسود ، فانضم جزء كبير من البانيا بما فيها كوسوفا إلى دولة الصرب والكروات والسلوفيين التي سميت بعد ذلك بمملكة يوغوسلافيا .
وفي عام 1913 وفي اجتماع لندن اجتثت كوسوفا وبعض الأجزاء الأخرى وبقيت جزء منها تحت صربيا ، وجزء تحت جمهورية مقدونيا ، وجزء منها تحت اليونان ، وجزء تحت الجبل الأسود ، وهذا التقسيم حتى لا يكون هناك دولة قوية مسلمة في البلقان ، وبالذات كوسوفا التي تشكل همزة الوصل للبوسنة وبالتالي ستكون الأراضي الإسلامية في حالة استقلال كوسوفا المسلمة موصولة فيما بينها ، ولذلك أيضا كانت مستهدفة من قبل القوات اليوغوسلافية والصربية دوماً ، حسبما أورد د. مصطفى هافولي مدرس أصول الفقه بكلية الدراسات الإسلامية في برشتينا عاصمة كوسوفا في حوار مع فضائية " الجزيرة ".
يذكر التاريخ أن سلطات بلغراد قامت بتطبيق سياسة الاستيطان فاستدعت الصرب من المناطق الأخرى وقامت بتوطينهم في كوسوفا وأصدرت في فبراير 1914 ما أسمته ب" مرسوم الاستيطان في الأراضي المحررة حديثا " والتي وعدت فيه الحكومة الصربية المستوطنين الصرب بمنحهم 9 هكتارات من الأراضي لكل عائلة ، وقد شمل التطهير العرقي آنئذٍ العديد من المدن المسلمة في الإقليم ، وبعد كل الممارسات الوحشية بحق المسلمين السكان الألبان ، قام الصرب بجلب من تبقى حيا بريزون الكوسوفية من الأعيان الألبان المسلمين ، وأجبروهم على تقديم برقية إلى بيتر ملك الصرب في بلغراد ، يشكرونه فيها على تحريرهم من العثمانيين!!.
بعد الحرب العالمية الثانية كان من سوء حظ كوسوفا أن وجدت ضمن يوغوسلافيا الفيدرالية التي أسسها جوزيف بروس تيتو الطاغية المعروف ، والذي أعطى لها استقلالا ذاتيا إلى أن أتى طاغية آخر "ميلوسوفيتش " فسحب الحكم الذاتي عنها ، كما أوردنا ، في عام 1989م .
ويدحض د. هافولي ما سطره المؤرخون أن كوسوفا كانت جزء من صربيا ، ويقول أنها لا علاقة بينهما ، لأن الصرب من أصل سلاف جاءوا للبلقان في القرن السابع من وراء جبال القرفاط في روسيا ، لكن الألبانيين هم شعب أصلي في منطقة البلقان ، وليس هناك تشابه بين البلقان والصرب في اللغة ولا الاعتقاد ولا الديانة ولا العادات .
وأبدى الشيخ يوسف القرضاوي رئيس اتحاد علماء المسلمين ملاحظته ، أن معاناة شعب كوسوفا لم تكن في التهجير فحسب ولكن أكثر المهاجرين شيوخا ونساء وأطفال ولا تجد شباب ، ويرى أن أغلب الشباب إما معتقلين أو تم إعدامهم ، والذين من المفترض أن يكونوا في جيش تحرير كوسوفا ، وعبر القرضاوي عن تأييده لخطوة الاستقلال لهذا البلد الذي دخل ضمن بلدان أخرى للإسلام من القرن الأول.
هجرة وأنهار دماء
مساجد كوسوفا
يسجل تاريخ البلقان مذابح دموية رهيبة شهدتها البانيا بعد عام 1912، راح ضحيتها الوف المسلمين والوف المسيحيين الارثوذكس الذين لم يغفر لهم الكاثوليك انتمائهم الى الكنيسة الشرقية ، الأمر الذي اضطر الألاف للهجرة ، المسيحيون اتجهوا الى الغرب واستوطنوا في ايطاليا واليونان والولايات المتحدة الاميركية ، أما بالنسبة للمسلمين فكانت اسطنبول هي مقر الخلافة والقبلة السياسية لكل مسلمي العالم، وكانت دمشق هي " الشام الشريف " التي شاع بينهم منذ ان ارتد عنها الصليبيون والتتار انها مدينة محروسة بالانبياء ومستعصية على سلطان الكفار، الامر الذي يمكنهم من العيش فيها بأمان، ولايزال في دمشق الى الآن حي المهاجرين الذي استوعب افواجهم منذ ذلك الوقت .
وكانت مصر ركيزة ثالثة باعتبار وجود جالية البانية بها منذ تولى الحكم فيها محمد علي باشا الالباني الاصل في بداية القرن التاسع عشر واسس الاسرة المالكة التي زالت بقيام ثورة يوليو 1952.
أما من بقي في كوسوفا بدون هجرة فكانت الادارة اليوغسلافية تعلن على الجميع ان المسلمين ليس لهم مكان في كوسوفا، وان مكانهم الطبيعي هو في تركيا حيث الخلافة والقيادة الاسلامية ، حتى أنه في اتفاقية رسمية وقعت بين البلدين في عام 1937 قضت بتهجير الالبانيين من كوسوفا الى تركيا نظير مبلغ من المال ، ولكن نشوب الحرب العالمية الثانية حال دون تنفيذ تلك الاتفاقية، وان لم يمنع من استمرار سياسة التهجير.
شهدت الخمسينات حملة تهجير واسعة النطاق لم تمانع الحكومة التركية في قبولها، وان اشترطت على كل مهاجر ان يوقع اقرارا بانه تركي الاصل حتى لا يطالب باية حقوق باعتباره البانيا ، تسجل الارقام الرسمية انه في سنة 1950 بلغت نسبة الامية في كوسوفا 90% .
في الأعوام من 1948 حتى 1968 عاشت يوغسلافيا ما سمي بسياسة " القبضة القوية " التي ارتبطت بالزعيم رانكوفتش ، وأهملت في إقليم كوسوفا الزراعة والمراعي، وهما ثروة اساسية هناك ، ونقلت معادن الاقليم الذي يعد من اكبر مصادر الرصاص والزنك والنكيل في اوروبا كلها، فضلا عن الفحم الذي يشكل 55% من احتياطي يوغسلافيا، نقلت هذه المعادن والخامات الى خارج كوسوفا ولم يترك للاقليم سوى بعض الصناعات الثقيلة .
ولكن بعد عام 1968 تحسنت اوضاع الكوسوفيين نسبيا حيث سمح لهم بالإعلان عن إسلامهم في الاوراق الرسمية، وهو ما كان محظورا من قبل وسمح لهم بقدر اكبر من الحريات الدينية التي شملت اقامة المنظمات وجمع الزكوات وترميم المساجد ، كما أصبح بمقدورهم التصنيع اعتمادا على الخامات الموجودة في الإقليم بدلا من نقلها لتصنع بمدن يوغوسلافية اخرى .
يشيع المذهب الحنفي بين مسلمي كوسوفا منذ تبنى العثمانيون ذلك المذهب، وهناك نسبة قليلة من الشيعة تتركز في بلدة " جاكوفا " وهم يسمون انفسهم علويين، اضافة الى اتباع العديد من الطرق الصوفية مثل : القادرية والرفاعية والخلواتية والسعدية والنقشبندية .
وعلى الرغم من الإنفراجة النسبية التي شهدتها كوسوفا في ظل الحقبة الشيوعية ، إلا أنه شنت تحديدا منذ 1998 حربا شعواء لضم هذا الإقليم بالقوة إلى صربيا ، وبدأ الصرب حملة جديدة للتطهير العرقي في كوسوفا استهدفت إخلاء الإقليم تماما من العنصر الألباني المسلم الذي يشكل نحو 90% من السكان سواء أكان ذلك بالقتل أو الإجبار على التشريد والرحيل ، وفق أحمد الظرافي بوكالة الأنباء اليمنية .
وكعادته بقي المجتمع الدولي متفرجا لجرائم الصرائب ، ولم يتدخل عسكريا لإنقاذ إلبان كوسوفا المسلمين إلا بعد خراب مالطة أي بعد حوالي عام من الحرب والمجازر الجماعية وعمليات الاغتصاب – وبعد أن كان 800 ألف الباني مسلم قد هربوا من كوسوفا وأصبحوا لا جئين في المخيمات ومشتتين في دول الجوار وعلى الأخص في ألبانيا - حيث تدخلت الولايات المتحدة وحلف الناتو – ولحسابات متعلقة بالنظام الدولي الجديد وأهداف اخرى – تدخلوا بشن حرب جوية ضد صربيا ، مما أدى إلى خروج القوات الصربية المحتلة من الإقليم. وتوقف الحرب وعودة اللاجئين .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.