«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كوسوفا .. تاريخ الأرض والشعب
نشر في محيط يوم 21 - 02 - 2008


كوسوفا .. تاريخ الأرض والشعب

محيط - شيماء عيسى
صلاة العيد بكوسوفا
استقبل العالم الإسلامي في 17 فبراير 2008 بشارة انقضاء وصاية صربيا على إقليم كوسوفا واستقلال الأخير في دولة جديدة إسلامية ، الأمر الذي قوبل بترحيب أيضا من معظم الدول الأوروبية والولايات المتحدة لأنه يضمن الاستقرار في البلقان ، ورغم المعارضة الروسية الصربية المتوقعة ، حتى أن كوسوفا تسعى كذلك للاعتراف الدولي بها لتكون عضوا رسميا بالأمم المتحدة .

وقد جاء استقلال كوسوفا بعد صراع دموي مع صربيا طال لعشرة أعوام ، أُستعملت فيه كل انواع الاسلحة لابادة الأغلبية المسلمة في الاقليم ( 90 %)،فيما وقفت القوى الكبري تشاهد لسنوات راح ضحيتها عشرة آلاف شهيد مسلم قبل ان تتدخل لوضع الاقليم تحت الانتداب الدولي باشراف الامم المتحدة ، وفق وكالة الأخبار الإسلامية .
تعرض مسلمو إقليم كوسوفا ، والتي تشكل 15% من مساحة صربيا لمجازر وقمع شديدين من قبل الصرب في دولة صربيا ، على مدار 10 سنوات منذ عام 1989 ، حينما قام الرئيس الصربي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش بإلغاء ميزة الحكم الذاتي لكوسوفا والذي منحه إياها الرئيس اليوغوسلافي الأسبق تيتو 1974 ، ولقي نتيجة لهذا ، 10 الاف مدني ألباني حتفهم ، وفق تقارير دولية منشورة ، فيما تم تشريد 800 ألف عن مناطقهم في كوسوفا، ورد المسلمون على ذلك بإجراء استفتاء عام حول استقلال الإقليم في 1991 انتهى بتصويت السكان على الاستقلال بنسبة 99% وانتخاب رئيس مسلم .
نظرة على كوسوفا
كوسوفا – أو قوصوه كما هو اسمها في المصادر العربية القديمة – إقليم جغرافي داخلي مغلق لا يطل على أي منفذ بحري ، ويعرف في الجغرافيا السياسية ب"الأرض الحبيسة" وهو يقع في الجزء الجنوبي الغربي من شبه جزيرة البلقان ، وإقليم كوسوفا – كما هو واضح من الخريطة – يشكل امتدادا طبيعيا لأراضي جمهورية ألبانيا في شمالها الشرقي ، وتطوقهُ من الجهات الأخرى العديد من دول البلقان - التي نالت استقلالها حديثا وخرجت من تحت عباءة الاتحاد اليوغسلافي - فتجاوره من الشمال الغربي جمهورية الجبل الأسود ، ومن الجنوب جمهورية مقدونيا بينما تحيط به جمهورية صربيا - جارته اللدودة وغير العزيزة - من الشمال والشمال الشرقي.
ووفق مقال أحمد الظرافي بوكالة الأنباء اليمنية ، فإنه في قديم الأزل كان الإقليم جزءا من منطقة أوسع ُتسمى - ( داردانيا Dardania ) – نسبة إلى سكانها الدردن - وهذا الاسم مأخوذ من الكلمة الألبانية
خريطة كوسوفا
dardhë التي تعني كمثرى ، وعليه فيكون معنى الكلمة " أرض الكمثرى " وأما اسمه الحالي " كوسوفا " فيعني – طبقا لبعض المصادر- حقل الطيور السوداء .
تشكل كوسوفا الاجزاء الجنوبية من جمهورية يوغسلافيا السابقة (صربيا حاليا) حيث تبلغ مساحتها 11 الف كليومترا مربعا، توزعت عليها 1348 مدينة وقرية تبلغ مساحة إقليم كوسوفا حوالي 11 ألف كم ، وعدد سكانه نحو 2 ونصف مليون نسمة ، وتبلغ نسبة المسلمين داخل كوسوفو 92% والأقليات نحو 8% تشمل الصرب والمونتيغري والبوسنيين والغجر والأتراك ، يعد الإسلام هو الدين الرسمي داخل الإقليم .
وتشكل السهول والوديان 36.5% من الاراضي الكوسوفية، ومثل هذه النسبة من المرتفعات والجبال والغابات، اما المساحات الباقية فهي لحساب الانهار، واهمها : مبيلي دريم ، وايبار ، ونيكا.
ويتركز شعب كوسوفا في عدد من المدن المنتشرة في أجزاء متفرقة من الإقليم ومن أهم تلك المدن :
برشتينا عاصمة الإقليم وأكبر المدن فيه ، يقطنها أكثر من 600 ألف نسمة ، وهي المركز الإداري والاقتصادي والثقافي في كوسوفا ، وفيها أهم الجوامع وأقدمها في البلقان. ومنها مسجد السلطان محمد الفاتح، الذي بني سنة 1461م والذي يعتبر معلم بارز من معالمها الإسلامية .
مدينة " بريزرن " مدينة تاريخية علي سفوح جبال السار في الجزء الجنوبي من كوسوفو بالقرب من الحدود مع ألبانيا ومقدونيا ، وهي واحدة من أجمل مدن كوسوفا ، وكانت أول عاصمة للإقليم واستمرت كذلك خلال فترة الحكم العثماني ، والفترة التي تلتها قبل أن يتم تحويل العاصمة إلى برشتينا في الخمسينيات من القرن العشرين ، وعدد سكانها حوالي 165 ألف نسمة - يمثل البوسنيون نسبة هامة منهم - ومن أهم معالمها الإسلامية مسجد سنان باشا .
" بيجا " ، مركز ثقافي واقتصادي في غرب كوسوفا متأخمة للحدود مع الجبل الأسود يسكنها حوالي 154 ألف نسمة .
" ميتروفيتشا " في الشمال وهي مدينة مختلطة ومقسمة عرقيا يسكنها حوالي 97 ألف نسمة من الألبان والصرب حيث يفصل بينهم نهر إيبار ، وتعتبر أكثر مدينة قابلة للتفجر في كوسوفا بسبب شدة الكراهية العرقية والدينية التي لا تزال موجودة فيها
" جاكوفا " مدينة تقع على ضفة نهر ارنيك ، وتحيط بها غابات الصنوبر من جهاتها الأربع ويبلغ عدد سكانها أكثر من 60.000 نسمة، وهي من أقرب مدن الإقليم ، إلى الحدود مع ألبانيا .
بالطبع كانت روسيا تعارض خطة انفصال كوسوفا عن دولة الصرب ، في الوقت الذي سعت كل من الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا من اجل تحقيق هذا الهدف لا لمصلحة المسلمين في هذا الإقليم ولكن لإضعاف شوكة روسيا ، ولكنهم عادوا للتخلي عنهم ، لأنهم وفق ما ذكره المحلل السياسي محمد جمال عرفة ، سمعوا للأصوات الأوروبية التي تطالب بمنع نشوء هذه الدويلة المسلمة في قلب أوروبا في الوقت الذي دوت التحذيرات المسيحية مما اعتبروه دولة " متطرفين "، ومن جانب آخر كان الصرب يتحججون بحجج واهية لمنع انفصال اقليم كوسوفا منها أن أهم الأديرة المسيحية موجودة بكوسوفا !
الشعب الكوسوفي المسلم ، وفق الباحث الظرافي ، شديد التمسك بعاداته وتقاليده والتي تعتبر من أجمل عادات وتقاليد ، شعوب البلقان ، ومن ذلك كرم الضيافة والأمانة والشجاعة والكرم والرجولة وعزة النفس والمواساة وغيرها من الشمائل الكريمة المتفقة مع روح وجوهر الدين الإسلامي الحنيف .
يقول مراسل مجلة العربي الذي صاحب بعثة المساعدات الكويتية إلى كوسوفا في عام 1999: الذي أدهشنا هو أنه رغم كثرة أعداد الذين أتوا للحصول على المساعدة بعد أن استدعاهم رئيس الحي ... إلا أنه لم يحدث أي تزاحم، كانت الملابس تنم عن أناقة سابقة وكان الإباء " عزة النفس " تكشف عن تحضر وعفاف أذلته الحاجة وبكاء الأطفال الجوعى ، وقسوة المناخ الألباني الشديد البرودة في الشتاء والأقرب إلى اللهيب صيفا "
التاريخ إذا نطق
كوسوفا
أشارت أحدث الدراسات الاثرية والتاريخية الى ان هذه المنطقة الالبانية كانت مسكونة بالبشر منذ العصر الحجري، وان الاليريين الاوائل عاشوا في جبالها واحراشها منذ الفي سنة قبل الميلاد. حتى بسطت عليهم الامبراطورية الرومانية سلطتها، وحتى القرن الثاني عشر الميلادي تعاقب على حكمهم البيزنطيون والمقدونيون والصربيون.
وقد طرق العثمانيون ابواب البلقان، في النصف الثاني من القرن الرابع عشر ، حيث تقدمت القوات العثمانية بقيادة السلطان مراد نحو كوسوفا في عام 1389، وهناك واجهت قوات التحالف البلقاني التي قادها ملك الصرب وانضوى تحت لوائها البلغار والالبان مع الصربيين، وفي كوسوفا دارت معركة شرسة انتصر فيها العثمانيون بينما قتل السلطان مراد وملك الصرب.
ورغم الانتصار فان الجيوش التركية انسحبت سريعا من المنطقة لمهام اخرى، حتى ان نفوذ السلطان العثماني لم يعترف به في البانيا الا في سنة 1423.
وفي عهد العثمانيين كانت ولاية كوسوفا أكبر الولايات العثمانية في رومليا ( أوروبا ) ، وقد اكتسبت أهمية إستراتيجية لوقوعها على الطريق التجارية إلى البلقان وتمتعت كغيرها من بقية أقاليم البلقان بأطول فترات السلم والاستقرار والرخاء وشهد نهضة عمرانية إسلامية وما زال بعض تلك المنشآت قائماً حتى الآن .
لم يتعرف الألبان في كوسوفا على الإسلام بحد السيف كما يردد البعض حينما دخلت البلاد القوات العثمانية ، ولكن – بحسب كتابات تاريخية كثيرة – أن بلاد العرب كانت الجسر الذي تعبر عليه تجارة الشرق الى الغرب، وانها كانت تنقل عبر موانىء الشام الى روما والبندقية على الساحل الاوروبي، الامر الذي فتح بابا واسعا للتعامل بين العرب والاوروبيين. وكانت جسور التجارة هذه هي القنوات التي نقلت الاسلام الى تلك المناطق ، ويذكر ياقوت الحموي ان ملك البلغار واهلها قد اسلموا في ايام المقتدر بالله «295ه/ 908 م» وارسلوا الى بغداد رسولا يعرفون المقتدر ذلك ويسألونه في انفاذ من يعلمهم الصلاة والشرائع.
ولكن في نهاية الدولة العثمانية تنامى سلطان الاتحاديين في تركيا ، سعى الالبان الى الاستقلال مع نهاية القرن التاسع عشر، خصوصا بعدما سرت الموجة في البلقان وصار لليونان ولاهل الجبل الاسود وللصربيين دول مستقلة، وبعد ان خلع البلغار تبعيتهم للسلطان.
بعد معركة كوسوفا 1389 - 938 ه. - التي هزمت فيها الجيوش الأرثوذكسية المتحالفة بقيادة صربيا على يد الجيوش العثمانية بقيادة السلطان مراد الأول - بدأ الصرب مسيرة البحث عن ذريعة لإنقاذ سمعتهم ولتبرير هزيمتهم المريرة أمام المسلمين الأتراك القادمين من الأناضول ، ولم يجدوا أمامهم سوى ألبان كوسوفا ليلصقوا بهم هذه التهمة ، والتي ظلت ولاية عثمانية لأكثر من أربعة قرون ، بل ويتهمونهم بأنهم وراء ما يسمونه ب " النزوح الكبير " الذي يزعمون أنه حدث لهم العصور الوسطى مع دخول العثمانيين بلادهم، وحتى وقت قريب كانوا لا يرتوون من رؤية دماء مسلمي كوسوفا ، حتى أنه ، وفق وكالة الأنباء اليمنية ، تحولت هزيمة الصرب في معركة كوسوفا الشهيرة سنة 1389 إلى ذكرى سنوية يتم الاحتفال بها سنويا ويتم خلالها تمجيد القادة والفرسان الصرب الذين خاضوا تلك المعركة والثناء عليهم - في حين تستنزل اللعنات خلالها على الألبان.
الصرب وكراهية الكوسوفيين
في عام 1293ه /1876م شهد العالم ولادة صربيا الحديثة والتي قادت تحالفا دينيا مسيحيا مع بلغاريا والجبل الأسود واليونان ، لطرد الدولة العثمانية من البلقان والانتقام من المسلمين " إلا أنهم هزموا أيضا ، مما دفع روسيا القيصرية لتهب لنجدتهم وتعلن الحرب على الدولة العثمانية في العام التالي . وهذا التاريخ يعتبر البداية الحقيقية للمذابح الجماعية وأعمال التهجير والتطهير الديني التي تعرض لها المسلمون في البلقان على أيدي الأوروبيين ، حيث انتهت هذه الحرب بهزيمة القوات العثمانية هزيمة حاسمة على يد الروس في قلب البلقان لأول مرة منذ خمسمائة عام .
اعلنت البانيا استقلالها في نوفمبر عام 1912 بينما حرب البلقان الشهيرة قد اشتعلت بين تلك الدول حديثة الاستقلال، الامر الذي ادى الى تمزيق البانيا واستيلاء جيرانها الطامعين فيها على اجزاء منها، فاحتلت مملكة صربيا اقليم كوسوفا، واقتطعت اجزاء منها لتضم الى اليونان ومقدونيا والجبل الاسود.
وقد صادف قيام البانيا المستقلة نشوب الحرب العالمية الاولى، فاختلت امور البانيا اختلالا كبيراواصبحت ارضها نهبا للناهبين حتى احتلت الجيوش النمساوية والايطالية اجزاء منها.
إذن كوسوفا كانت جزءا من ألبانيا إلى أن انتهى في ظل الحكم العثماني الذي انتهى في 1912 م، وفي نفس العام أعلن الألبان استقلال دولة ألبانيا الكبرى بما فيها كوسوفا تحت رئاسة " اسماعيل كاميلي" في مدينة " فلورا" لكن عمر هذه الدولة كان قصيرا لأنها بعد سنة تكالبت عليها الدول الأوروبية خاصة البلقانية بما فيها اليونان وجيوش صربيا وجيوش الجبل الأسود ، فانضم جزء كبير من البانيا بما فيها كوسوفا إلى دولة الصرب والكروات والسلوفيين التي سميت بعد ذلك بمملكة يوغوسلافيا .
وفي عام 1913 وفي اجتماع لندن اجتثت كوسوفا وبعض الأجزاء الأخرى وبقيت جزء منها تحت صربيا ، وجزء تحت جمهورية مقدونيا ، وجزء منها تحت اليونان ، وجزء تحت الجبل الأسود ، وهذا التقسيم حتى لا يكون هناك دولة قوية مسلمة في البلقان ، وبالذات كوسوفا التي تشكل همزة الوصل للبوسنة وبالتالي ستكون الأراضي الإسلامية في حالة استقلال كوسوفا المسلمة موصولة فيما بينها ، ولذلك أيضا كانت مستهدفة من قبل القوات اليوغوسلافية والصربية دوماً ، حسبما أورد د. مصطفى هافولي مدرس أصول الفقه بكلية الدراسات الإسلامية في برشتينا عاصمة كوسوفا في حوار مع فضائية " الجزيرة ".
يذكر التاريخ أن سلطات بلغراد قامت بتطبيق سياسة الاستيطان فاستدعت الصرب من المناطق الأخرى وقامت بتوطينهم في كوسوفا وأصدرت في فبراير 1914 ما أسمته ب" مرسوم الاستيطان في الأراضي المحررة حديثا " والتي وعدت فيه الحكومة الصربية المستوطنين الصرب بمنحهم 9 هكتارات من الأراضي لكل عائلة ، وقد شمل التطهير العرقي آنئذٍ العديد من المدن المسلمة في الإقليم ، وبعد كل الممارسات الوحشية بحق المسلمين السكان الألبان ، قام الصرب بجلب من تبقى حيا بريزون الكوسوفية من الأعيان الألبان المسلمين ، وأجبروهم على تقديم برقية إلى بيتر ملك الصرب في بلغراد ، يشكرونه فيها على تحريرهم من العثمانيين!!.
بعد الحرب العالمية الثانية كان من سوء حظ كوسوفا أن وجدت ضمن يوغوسلافيا الفيدرالية التي أسسها جوزيف بروس تيتو الطاغية المعروف ، والذي أعطى لها استقلالا ذاتيا إلى أن أتى طاغية آخر "ميلوسوفيتش " فسحب الحكم الذاتي عنها ، كما أوردنا ، في عام 1989م .
ويدحض د. هافولي ما سطره المؤرخون أن كوسوفا كانت جزء من صربيا ، ويقول أنها لا علاقة بينهما ، لأن الصرب من أصل سلاف جاءوا للبلقان في القرن السابع من وراء جبال القرفاط في روسيا ، لكن الألبانيين هم شعب أصلي في منطقة البلقان ، وليس هناك تشابه بين البلقان والصرب في اللغة ولا الاعتقاد ولا الديانة ولا العادات .
وأبدى الشيخ يوسف القرضاوي رئيس اتحاد علماء المسلمين ملاحظته ، أن معاناة شعب كوسوفا لم تكن في التهجير فحسب ولكن أكثر المهاجرين شيوخا ونساء وأطفال ولا تجد شباب ، ويرى أن أغلب الشباب إما معتقلين أو تم إعدامهم ، والذين من المفترض أن يكونوا في جيش تحرير كوسوفا ، وعبر القرضاوي عن تأييده لخطوة الاستقلال لهذا البلد الذي دخل ضمن بلدان أخرى للإسلام من القرن الأول.
هجرة وأنهار دماء
مساجد كوسوفا
يسجل تاريخ البلقان مذابح دموية رهيبة شهدتها البانيا بعد عام 1912، راح ضحيتها الوف المسلمين والوف المسيحيين الارثوذكس الذين لم يغفر لهم الكاثوليك انتمائهم الى الكنيسة الشرقية ، الأمر الذي اضطر الألاف للهجرة ، المسيحيون اتجهوا الى الغرب واستوطنوا في ايطاليا واليونان والولايات المتحدة الاميركية ، أما بالنسبة للمسلمين فكانت اسطنبول هي مقر الخلافة والقبلة السياسية لكل مسلمي العالم، وكانت دمشق هي " الشام الشريف " التي شاع بينهم منذ ان ارتد عنها الصليبيون والتتار انها مدينة محروسة بالانبياء ومستعصية على سلطان الكفار، الامر الذي يمكنهم من العيش فيها بأمان، ولايزال في دمشق الى الآن حي المهاجرين الذي استوعب افواجهم منذ ذلك الوقت .
وكانت مصر ركيزة ثالثة باعتبار وجود جالية البانية بها منذ تولى الحكم فيها محمد علي باشا الالباني الاصل في بداية القرن التاسع عشر واسس الاسرة المالكة التي زالت بقيام ثورة يوليو 1952.
أما من بقي في كوسوفا بدون هجرة فكانت الادارة اليوغسلافية تعلن على الجميع ان المسلمين ليس لهم مكان في كوسوفا، وان مكانهم الطبيعي هو في تركيا حيث الخلافة والقيادة الاسلامية ، حتى أنه في اتفاقية رسمية وقعت بين البلدين في عام 1937 قضت بتهجير الالبانيين من كوسوفا الى تركيا نظير مبلغ من المال ، ولكن نشوب الحرب العالمية الثانية حال دون تنفيذ تلك الاتفاقية، وان لم يمنع من استمرار سياسة التهجير.
شهدت الخمسينات حملة تهجير واسعة النطاق لم تمانع الحكومة التركية في قبولها، وان اشترطت على كل مهاجر ان يوقع اقرارا بانه تركي الاصل حتى لا يطالب باية حقوق باعتباره البانيا ، تسجل الارقام الرسمية انه في سنة 1950 بلغت نسبة الامية في كوسوفا 90% .
في الأعوام من 1948 حتى 1968 عاشت يوغسلافيا ما سمي بسياسة " القبضة القوية " التي ارتبطت بالزعيم رانكوفتش ، وأهملت في إقليم كوسوفا الزراعة والمراعي، وهما ثروة اساسية هناك ، ونقلت معادن الاقليم الذي يعد من اكبر مصادر الرصاص والزنك والنكيل في اوروبا كلها، فضلا عن الفحم الذي يشكل 55% من احتياطي يوغسلافيا، نقلت هذه المعادن والخامات الى خارج كوسوفا ولم يترك للاقليم سوى بعض الصناعات الثقيلة .
ولكن بعد عام 1968 تحسنت اوضاع الكوسوفيين نسبيا حيث سمح لهم بالإعلان عن إسلامهم في الاوراق الرسمية، وهو ما كان محظورا من قبل وسمح لهم بقدر اكبر من الحريات الدينية التي شملت اقامة المنظمات وجمع الزكوات وترميم المساجد ، كما أصبح بمقدورهم التصنيع اعتمادا على الخامات الموجودة في الإقليم بدلا من نقلها لتصنع بمدن يوغوسلافية اخرى .
يشيع المذهب الحنفي بين مسلمي كوسوفا منذ تبنى العثمانيون ذلك المذهب، وهناك نسبة قليلة من الشيعة تتركز في بلدة " جاكوفا " وهم يسمون انفسهم علويين، اضافة الى اتباع العديد من الطرق الصوفية مثل : القادرية والرفاعية والخلواتية والسعدية والنقشبندية .
وعلى الرغم من الإنفراجة النسبية التي شهدتها كوسوفا في ظل الحقبة الشيوعية ، إلا أنه شنت تحديدا منذ 1998 حربا شعواء لضم هذا الإقليم بالقوة إلى صربيا ، وبدأ الصرب حملة جديدة للتطهير العرقي في كوسوفا استهدفت إخلاء الإقليم تماما من العنصر الألباني المسلم الذي يشكل نحو 90% من السكان سواء أكان ذلك بالقتل أو الإجبار على التشريد والرحيل ، وفق أحمد الظرافي بوكالة الأنباء اليمنية .
وكعادته بقي المجتمع الدولي متفرجا لجرائم الصرائب ، ولم يتدخل عسكريا لإنقاذ إلبان كوسوفا المسلمين إلا بعد خراب مالطة أي بعد حوالي عام من الحرب والمجازر الجماعية وعمليات الاغتصاب – وبعد أن كان 800 ألف الباني مسلم قد هربوا من كوسوفا وأصبحوا لا جئين في المخيمات ومشتتين في دول الجوار وعلى الأخص في ألبانيا - حيث تدخلت الولايات المتحدة وحلف الناتو – ولحسابات متعلقة بالنظام الدولي الجديد وأهداف اخرى – تدخلوا بشن حرب جوية ضد صربيا ، مما أدى إلى خروج القوات الصربية المحتلة من الإقليم. وتوقف الحرب وعودة اللاجئين .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.