أعرف أنه ربما يحتج إخواننا اللغويون على العنوان، ويصوّبونه، ليصبح «عزبة أبينا» من منطلق امتلاكهم وحدهم ناصية حراسة اللغة، وربما عند إصراري على الخطأ، يؤكد أحدهم أنني «فِل» من فلول النظام السابق في مصر، كما هي التجارة الرابحة الآن على أرض المحروسة. حكاية «الفلول» هذه وضعتني في موقف مُحرج، في قلب القاهرة، وأين؟ في ميدان التحرير، حيث كان الوقت تعدّى منتصف الليل، وعندما استرشدت بأحد المارة نصحني بالالتفاف بعيدًا عن الميدان لأنه مغلق، ولأني حديث عهد بدهاليز العاصمة وجدت نفسي فجأة في مواجهة معتصمين بالقرب من مدخل «طلعت حرب» الشهير، ولما استفسرتُ من بعض الواقفين عن كيفية الوصول إلى كوبري 6 أكتوبر، دخلت في نقاش مع أحدهم، تساءلت فيه عن سبب إغلاق الطريق، فأجابني وهو يضحك: «هو أنت مش من هنا يا باشا»؟ فانتشيت قليلًا، وأجبت: بالطبع من هنا.. لكنني كنتُ طيلة أكثر من عقدين من الزمان أنتمي للإخوة الأشقاء بالخارج، وقبلها والآن أيضًا أصبحت أنتمي للجالية المصرية الشقيقة على أرض الوطن.. هنا في الداخل! تدخّل آخر، ثم قال: ما «تركن» وتيجي معانا!! ولأني لا أستطيع بالطبع ولا أعرف لماذا أعتصم مثلهم، فلا حاجة فئوية لدي، ولستُ «ثورجيًا» بعد هذا العمر، فقد اعتذرت بلباقة، لكن أحدهم خاطب زميله قائلًا: يا عم سيبه.. باين عليه فِل من فلول النظام، ثم أكمل وهو يشير للميدان: «دا عزبة أبونا»! تحسّست «عرق الخيابة» في قفاي، ثم هرشت رأسي وأنا ألتف يمينًا، وتساءلت: هو البلد دا «عزبة» مين بالضبط؟)!! على الساحة ألف ائتلاف، على تكتل، على تحالف، على جبهة، بأسماء مختلفة، وكلها تدّعي أنها تمتلك «عزبة الثورة» وكل من يقف في طريق أو ميدان، لأي سبب، أو حتى بدون هدف، ومعه علم، أو ميكروفون، أو يحتل منصة، بات يتشدّق بأنه من أبناء الثورة.. شخصيات تسلّقت و"لعلعت" في الهواء الطلق، وعلى أثير محطات وقنوات فضائية انشقت عنها الأرض، وأصبحت تتحدث وترغي وتزبد، والنتيجة، أن الكل أصبح يتكلم، ويعلو صوته، ويفاخر، دون أن يقدّم حلًا للمأزق الراهن.. وما أكثر تشعُّباته، والنتيجة أن مصر كلها وكما تقول التقارير الإعلامية، وخبراء اقتصاديون بل ومسؤولون سياسيون أصبحت على وشك الإفلاس!. تيار عريض يحذر من السلفيين، وكأنهم نبتوا فجأة، ومعارضون يصرخون في «مناحة» بعض وسائل الإعلام مهوّلين بأن هؤلاء قد جاءونا بما لا قِبل لنا به، «لا يفرّقون فيه بين الدين والسياسة، قطعوا به آذاننا، وهدموا قبورنا، وأفسدوا استفتاءنا، وخطفوا ثورتنا» بل إن بعضهم أكد تورّط بعض شركات المحمول في الترويج للفكر السلفي عن طريق طرح خدمة «سلّفني شكراً» على غرار «كلّمني شكراً» المجانية.. وهكذا من كل برنامج «مذيع» وفي كل صحيفة «عمود» وفي كل موقع إنترنت «جروب» أما عن «التوك شو» فحدّث ولا حرج. تيّارات أخرى، وحوارات عقيمة، واتهامات سهلة، ودماء الشهداء أصبحت قميص عثمان الذي يرتديه أي أحد، في أي وقت، و"العرضحالجية" موجودون وما أكثرهم، والفضائيات تبث 24 ساعة، وكأننا في «سنكحة» إعلامية وسياسية لا مثيل لها. والله العظيم لا أبالغ.. في حوار جمعني مع مجموعة أصدقاء، أحدهم علماني بشدة، قال لي بحِدّة: شوفت المسؤول الفلاني وهو يبدأ خطابه ب"بسم الله الرحمن الرحيم".. هذا دليل على الخلط بين الدين والسياسة، واعتبر ذلك هدمًا لمدنية الدولة، صُعقت، إذ إن التراث الشعبي المصري يقول هذه العبارة تحوُّطًا من العفاريت كي لا يذكر اسمهم. ولما عارضته، قال لي وهو يهمُّ بالانصراف: أنت مش «ثورجي» ثم أكمل «وفِل من فلول النظام البائد كمان»!! تيار آخر من "الإخوان" رأى البلد ملكية خاصة، وأصبح يوزع التهم يمينًا ويسارًا، من ليس معهم فهو الثورة المضادة، يقصي الجميع دون أن يستمع لأي أحد، باسم الصندوق "الأسود" استنسخ لنا ما لم نسمعه من قبل، وباسم الشرعية.. "هلّت ليالي حلوة وهنيّة".. أصبحوا هم الثورة وقتما يريدون، وأصبحت الثورة هم وقتما يشاءون.! لم لا والبلد أصبح "عزبة أبونا" الذي بالمقطم.! تذكّرتُ ما حدث لي بالميدان، وأدركت خطئي وجريمتي، ولهذا كتبت العنوان أعلاه بالخطأ اللغوي، فما هو "الصح" الآن في بر مصر.. من الآن فصاعدًا، سأعلن عن كيان ثوري جديد (اشمعنى أنا؟!) سأجمع بعض توقيعات أولاد الحارة والأقارب، وسأفتح فضائية «جنانستان» للتعبير عن الوضع الراهن، بعض من اللافتات والصور سأوزعها في الطرقات وفي مسقط رأسي (إذا كان لا يزال أحد يعرفني هناك) سنؤسس مجلسًا ثوريًا يضم الست «سنية ولعة» (للاهتمام بالمرأة) وعم محمد رمضان حارس العمارة (من قوى الشعب العامل)، ولزوم المنظرة، سأضمُّ الأستاذ جرجس لأؤكد الوحدة الوطنية، ثم أعلن أني الممثل الشرعي والوحيد للثورة!! سأذهب للميدان الفارغ حاليًا، وأحمل العلم المصري، وسأرفع شعارات أي حاجة والسلام، وقبلها ستأخذ لي الفضائية الشهيرة بعض اللقطات وأنا أصرخ كما فعل زعيم عربي مخلوع: إلى الأمام.. لا رجوع.. لا رجوع.. ثورة. ثورة.. ثورة حتى النصر... لتذهب مصر إلى الجحيم.. غطيني وصوّتي!! كاتب وصحافى مصرى [email protected]