جمال سلطان في فزع وعلى عجل ، سافر جمال مبارك سرا في أعقاب فضيحة الخميس الماضي التي رآها العالم كله ، إلى الولاياتالمتحدة من أجل أن يبرر لهم أسباب الهمجية التي استخدمت ضد المواطنين العزل الذين تضامنوا سلميا وحضاريا مع القضاة ، غير أن حظه السيء أن رآه بعض الصحفيين فكانت واشنطن مضطرة للإعلان المقتضب عن الزيارة ، وبقطع النظر عما تسرب من كلام عن اللقاءات وما أكده صحفيون من أن جمال مبارك تلقى توبيخا شديدا من مستشار الأمن القومي على ما حدث ، إلا أن القدر المتيقن أن الزيارة تمثل مؤشرا على حجم الإحساس بالخطر لدى النخبة الحاكمة في مصر ، وأن العالم لم يعد مقتنعا بالكلام الفضفاض والبلاستيكي للقيادة السياسية عن خطوات الإصلاح المحسوبة ، فالواضح أن المسار السياسي في مصر ينتكس كل يوم ويتراجع خطوات ، وأن هناك قلقا في أكثر من عاصمة غربية من أن الوضع في مصر لم يعد مستقرا ، كما لم يعد ممكنا السكوت عليه ، لم يكن أحد في مصر على الإطلاق يعرف أن جمال مبارك سافر إلى واشنطن ، باستثناء نفر قليل في رئاسة الجمهورية ، ولم نكن نعرف مضمون رسالته بطبيعة الحال التي حملها ، ولكن الموجة التي تم تعميمها على الصحف الحكومية طوال أيام وجوده في أمريكا كانت تفسر بوضوح رسالته التي ذهب بها ، وهي أن مشكلة القضاة ليست قضية إصلاح أو عدالة ، وإنما هي ألاعيب الجماعات الدينية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين التي تستخدم القضاة لتحقيق اختراق سياسي ، كان لافتا للنظر أن الصحف الحكومية بالكامل تتحدث بلسان واحد حول هذه الفرضية طوال فترة وجود جمال في واشنطن ، بما في ذلك مقالات رؤساء التحرير التي أتت كنسخة واحدة مثل خطب الجمعة التي تعممها وزارة الأوقاف في المناسبات على المنابر ، لكن لعبة استخدام الإخوان كفزاعة أو ستار لتبرير الاستبداد والوحشية والقمع واغتصاب العدالة وخنق أشواق الإصلاح أصبحت مفضوحة اليوم ، خاصة بعد أن جرى ابتذالها مرارا بصورة مسفة ومهينة ، ولذلك لا أظن أن أحدا في واشنطن قد اقتنع بحكاوي جمال ولا بالقصاصات التي حملها من الصحف المصرية الرسمية التي تم انتاجها خصيصا للتسويق الخارجي ، فالأمريكيون يعرفون مدى ما تتمتع به الصحف الحكومية من استقلالية ، كثيرون تعجبوا من مستوى التدني والابتذال في التحقيقات والحوارات والمقالات التي أنتجتها الصحف الحكومية على مدار الأيام الماضية لتخدم الفرضية السابقة وهي أن المشكلة ليست مشكلة قضاة ، وإنما مشكلة الإخوان ، وذلك بعد أن فشلت لعبة أنها خلاف بين القضاة أنفسهم ، والحقيقة أن الحملة لم يكن مقصودا بها مخاطبة الرأي العام المحلي أبدا ، وإنما هي منتجة خصيصا للتصدير ولتضليل الدوائر السياسية الغربية التي ترصد ما يحدث في مصر بقلق كبير ، لذلك لا أعتقد أن جمال مبارك نجح في "تسويق" حكاية الخوف من الإخوان هناك ، وبيان الداخلية الذي صدر أمس في صيغة تحذير من التظاهر بدون تصريح يعكس بدون شك آثار الخضة وما حمله جمال في عودته من آثار التوبيخ حيث أتى بيان الداخلية بما يشبه الاعتذار والتبرير لما حدث من انتهاكات يوم الخميس الماضي رغم ما أعلن من أنه "تحذير" ولكنه يستبطن الفزع والخوف من تورط جديد في مشهد الخميس المقبل الذي تحتشد له القوى الوطنية من جديد بإصرار غير مسبوق . [email protected]