أستغرب الحماسة التي تبديها بعض الصحف الخاصة والمعارضة لمسألة فتح باب التحقيق في ملفات محمد إبراهيم سليمان ، وزير الإسكان السابق ، من قبل نيابة الأموال العامة ، على خلفية اتهامات بالفساد وإهدار ثروات البلاد على مسؤولين ورجال أعمال بصورة أضرت بالمال العام ، وقد وافق البرلمان على طلبه برفع الحصانة جزئيا للإدلاء بأقواله أمام جهات التحقيق ، وذلك من باب إبراء الذمة ، ولكن جهات التحقيق لم تحقق معه حتى هذه اللحظة ولم تستدعه للمثول أمامها ، رغم أنه محور الحكاية والرواية من أولها لآخرها ، وألف ألف عين في البلد تنظر إليه وألف ألف أصبع يشير إليه ، الخيال الجامح وصل بالبعض إلى تصور أن النظام أو بعض أركانه يفكر في استخدام محاكمة سليمان المفترضة للتطهر من ركام الفساد الذي وصم عصرا بأكمله ، ويقيني أن الأمر كله زوبعة في فنجان ، سحابة صيف كما يقولون لن تمطر قطرة عدل واحدة ، ولن تتم محاكمة محمد إبراهيم سليمان أصلا ، فضلا عن التفكير مجرد التفكير في إدانته ، اثنان من الوزراء في مصر يستحيل أن يخضعا لأي تحقيق جدي أو إدانة أو محاكمة في هذا العصر ، إلا إذا تغير النظام السياسي بكامله ، وقتها يمكن أن نحلم بمحاكمتهما ، وهما وزير الإسكان السابق محمد إبراهيم سليمان ووزير الثقافة فاروق حسني ، لأن الاثنين ليسا مجرد وزيرين ، وإنما هما المالكان لأسرار ومفاتيح ثروة مصر خلال الربع قرن الأخير كله ، لأنهما كانا المتنفذين في بيزنس الذهب الحقيقي في بلادنا : الأرض والآثار ، ولا يوجد ملياردير في مصر خلال المدة المشار إليها ولم يمر على هذين الفرعين تحديدا ، وكلا الفرعين مترعان بالأسرار والمتاهات التي يستحيل أن تصل إلى الحقيقة فيها جهة تحقيق مستقلة ، إلا بقرار سياسي شامل ، وهذا لن يحدث في هذا العصر ، محمد إبراهيم سليمان ليس مثل وزير التعليم أو الإدارة المحلية أو الصحة أو حتى البترول ، سليمان كان المتصرف في الذهب الأسود الحقيقي في مصر ، شرطة قلم من يده "المبروكة" كانت كافية لتحويل رجل أعمال هامشي إلى ملياردير ، خلال أقل من عام ، المواطن العادي الذي كان يحصل على قطعة أرض مساحتها خمسمائة متر بعشرين أو ثلاثين ألف جنيه كان يبيعها بعد عامين أو ثلاثة بنصف مليون ، فكيف بمن حصل على ملايين الأمتار ، سليمان هو الوحيد الذي يملك مفاتيح وأسرار كافة ممتلكات وعقارات حيتان مصر الآن ، وهو الذي يملك مفاتيح وأسرار وتاريخ القصور والفلل والمنتجعات لأصحاب الحظوة والسلطان والهيلمان ، من شرم الشيخ إلى الساحل الشمالي إلى أبو سلطان إلى أطراف القاهرة إلى مئات الآلاف من الأفدنة الممتدة على جوانب الطرق الصحراوية المميزة في مصر ، ومن يرغب في محاكمة محمد إبراهيم سليمان ، أو حتى فتح تحقيق جدي معه ، فسوف يتعين عليه أن يجر في طابور التحقيق عشرات المسؤولين الكبار الحاليين والسابقين ، وكذلك عشرات وربما مئات من رجال الأعمال والمليارديرات الذين يسدون عين الشمس في مصر اليوم بثرواتهم التي أتت تحديدا من كنوز علي بابا ، أقصد كنوز محمد إبراهيم سليمان ، ولذلك لن تتم محاكمة محمد إبراهيم سليمان ، ولن يتم التحقيق جديا معه ، لأن ذلك يحتاج إلى قرار سياسي بدون أي سقف ، وهذا لن يكون الآن ، والأمر كذلك مع وزير الثقافة ، الذي يملك مفاتيح كنوز الآثار المصرية ، والمجمع على أن تجارتها أغلى كثيرا جدا من تجارة المخدرات ، وعلى الرغم من الأهمية والخطورة والثراء الشديد لها ، إلا أنه لا توجد جهة واحدة في الدولة تملك حصرا علميا دقيقا لهذه الآثار ، وعندما تشرق شمس العدالة على بر مصر من جديد ، أتصور أن الناس ستكون في غاية الدهشة وهي تسمع الأرقام والأسماء والطرق والمسارب التي كان يتم بها تهريب الآثار المصرية إلى أسواق أوربا وأمريكا واليابان ، والذين أثروا الثراء الفاحش من بيع تاريخ مصر وحقوق أجيالها الحالية والمقبلة ، على كل حال ، قريبا سنسمع عن انتهاء حدوتة التحقيق في قضية فساد محمد إبراهيم سليمان ، سحابة صيف وها تعدي يا باشمهندس !! [email protected]