يعرف أهل القانون التدليس في العقود وهو أن يستخدم أحد الأطراف خديعة ما تؤدي إلى إيقاع الخصم في غلط أو ايهامه واقناعه بأشياء تخالف الحقيقة، وبتعبير مختصر هو خديعة متعمدة مع سبق الإصرار والترصد يخطط لها ويدبرهاالشخص المدلس بنية التضليل، و يستخدم المدلس أعمالاً وسلوكيات وتصرفات مادية قد تكون مشروعة في ذاتها بغرض إيقاع الآخرين في ضلالة ووهم. ويعاقب القانون على التدليس والغش والتضليل في مجال العقود، ولكن مجتمعاتنا العربية انتشر فيها نوع جديد من التضليل وهو التضليل السياسي والإعلامي، والأمثلة على ذلك كثيرة نذكر بعضها. استخدام بعض السياسيين لأي مظاهرة أو وقفة احتجاجية مهما كانت اسبابها أو دوافعها، لتحقيق مكاسب تتعلق بحزبه أو تياره أو جبهته، كأن يدعي على غير الحقيقة وهو الجالس في الفضائيات إن أنه لا سبيل من وقف هذه المظاهرات إلا بتعديل الدستور مع إن المتظاهرين لا يهمهم من قريب أو من بعيد الدستور ومواده، وكلما حدثت مشاجرة في حارة من حواري مصر يرتفع صوت المدلسون الجدد بأن ما حدث من مشاجرة يؤكد على ضرورة تعديل الدستور وتغيير الحكومة. ومن مظاهر التضليل ايضاًاستخدام الصور ولقطات الفيديو التي تعرض نصف الحقيقة كأن تتوقف عن تصوير حرق الجنود والقاء الحجارة عليهم وتبدأ العمل فور بداية رد فعل الجندي وهو يقبض على البلطجي حامل المولوتوف لتدغدغ المشاعر وتدفع للتعاطف مع حامل المولوتوف. ومن الأساليب أيضاً تجاهل النجاحات والتركيز على المشكلات مما يعطي رسالة خاطئة بالفشل في كل المجالات، ومثال ذلك ما حدث مع فريق مصر للشباب وفوزه ببطولة أفريقيا فقد تجاهلته كثير من القنوات الفضائية وكأنه فوز فريق من دوري الشركات بمباراة ودية، وما يحدث من تجاهل لإنجازات وزارة التموين في الحد من مشكلة رغيف الخبز واختفاء طوابير العيش المعهودة. ومن الخداع أيضاً التعامل مع الأحكام القضائية انتقائية، كالسكوت على حكم بشرعية تشكيل اللجنة التأسيسية على الرغم من الضجيج الذي تم طوال عام كامل بعدم قانونية التشكيل وكان يجب أن يعتذروا عما بدر منهم خلال هذا العام من تشوية وتضليل للرأي العام ولكن الصمت الرهيب كان هو سيد الموقف، وكذلك تصوير من يستخدم حقه القانوني في الطعن أو الاستئناف على حكم ما بأنه لا يحترم القانون، مع أن القانون هو الذي نظم هذا الحق للمتقاضي. وإذا كان ممارسة التدليس أو التضليل السياسي مبررة من بعض السياسيين والإعلاميين فهي لا يمكن قبولها من ممثلين عن الدولة خاصة إذا كانوا سفراء لمصر في الخارج،وللكاتب تجربة مع مثل هذا النوع من التصرفات في إحدى الدول الخليجية إذ قام بعض الليبراليين واليساريين بتسمية صفحة في الفيس بوك بمسمى خادع للمتعاملين معهم، وتوقع الجميع أن تعترض السفارة على الاسم وتطالبهم بتغييره، ولكن المفاجأة أنها تمت بمباركة سفير مصر في هذه الدولة، وبالتقاط الصور داخل السفارة تتم عملية التدليس في أبشع صورهاليؤكد هذا السفير أنه سفيراً لبعض المصريين، ونحن نريد من سفراء مصر في الخارج أن يكونوا حرصين على وحدة الجاليات في الخارج بعيداً عن الاستقطاب السياسي الذي ينقل مشاكل الداخل إلى خارج، وأن يحذروا من أن يقعوا في فخ التدليس السياسي. أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]