انتخابات النواب، إقبال متواصل للمصريين بالخارج في اليوم الثاني داخل 4 دول    عاشور: زيارة الرئيس الكوري لجامعة القاهرة تؤكد نجاح رؤية الوزارة في تعزيز الشراكة العلمية    دعم العمالة المصرية بالخارج وتوفير وظائف.. جهود «العمل» في أسبوع    غرفة السياحة تشيد بجهود الأجهزة الأمنية في مكافحة عمل سماسرة الحج والعمرة    جهاز تنمية المشروعات يشارك في قمة المعرفة التي تنظمها مؤسسة محمد بن راشد للمعرفة    تنفيذ 9 مشروعات تنموية ومتناهية الصغر للأسر ضمن جهود التحالف الوطنى بسوهاج    رئيس الوزراء يشارك في فعاليات قمة مجموعة العشرين «G20» بجوهانسبرج    قوة "يونيفيل" تؤكد التزامها بدعم الجيش اللبناني    سوريا.. فرق الإطفاء تكافح لإخماد حرائق غابات في اللاذقية وسط صعوبات    العين والجزيرة.. صدام مصري بالدوري الإماراتي    تشكيل الأهلي المتوقع أمام شبيبة القبائل في دوري أبطال إفريقيا    لاعب الاتحاد: تأهلت للممتاز 3 مرات متتالية ولم ألعب.. وهذا الثلاثي "كلمة السر" في مسيرتي    بحوزتهم مخدرات بالملايين.. كواليس اشتباكات بين الشرطة وعناصر مسلحة بقنا| صور    حملات مرورية.. الأوناش ترفع 39 سيارة ودراجة نارية متهالكة    خاص| لجنة من «تعليم القاهرة» تبدأ التحقيق في وقائع مدرسة سيدز للغات    وفاة شاب إثر اصطدام دراجته النارية بشجرة على طريق بحيرة قارون بالفيوم    وزارة التضامن تشكل لجانا ومجموعات عمل لخدمة حجاج الجمعيات الأهلية    مصرع عنصر جنائي شديد الخطورة عقب تبادل إطلاق النيران مع قوات الشرطة بقنا    إنقاذ حياة مريض بعد جراحة معقدة لإزالة سدة بالشريان السباتي بمستشفى السنبلاوين    إقبال المصريين على سفارة مصر بباريس في اليوم الثاني للتصويت بانتخابات مجلس النواب    تشكيل مانشستر سيتي المتوقع أمام نيوكاسل.. موقف مرموش    وزير الرياضة يدعم البطل الأولمبي أحمد الجندي في رحلة علاجه بألمانيا    تشيلسي في مواجهة سهلة أمام بيرنلي في البريميرليج    انتخابات النواب بالخارج.. إقبال كبير للمشاركة بانتخابات النواب باليوم الأخير في السعودية وسلطنة عمان |صور    عاشور يناقش مع خبراء تطوير التعليم العالي بالاتحاد الأوروبي تعزيز آفاق التعاون الدولي    وزير الخارجية يشيد بما وصلت إليه العلاقات بين مصر وإسبانيا    ستارمر يعلن عن لقاء دولى خلال قمة العشرين لدفع جهود وقف إطلاق النار بأوكرانيا    موسكو: المسيرات الروسية تضرب نقطة انتشار اوكرانية مؤقتة    وزيرة «التخطيط» تبحث مع «بروباركو» الفرنسية خطط تمويل و تمكين القطاع الخاص    مخرجة لبنانية: مهرجان القاهرة منح فيلمي حياة مستقلة وفتح له أبواب العالم    بعد تصدره التريند.. موعد عرض برنامج «دولة التلاوة» والقنوات الناقلة    استخدمت لأداء المهام المنزلية، سر عرض تماثيل الخدم في المتحف المصري بالتحرير    دولة التلاوة.. أصوات من الجنة    مركز بحوث الصحراء يستقبل وفدًا طلابيا لتعزيز التعلم التطبيقي في البيئات الصحراوية    دايت طبيعي لزيادة التركيز والمزاج الإيجابي، نظام غذائي يدعم العقل والنفس معًا    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم السبت 22 نوفمبر 2025    شيكو بانزا يظهر فى مران الزمالك الأخير استعدادا ل زيسكو بعد وفاة شقيقه    غرفة عمليات الهيئة الوطنية تتابع فتح لجان انتخابات النواب فى الخارج    الرئاسة في أسبوع| السيسي يشارك بمراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بالضبعة.. ويصدر تكليفات حاسمة للحكومة والوطنية للانتخابات    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 22-11-2025 في محافظة الأقصر    إصابة 28 عاملا بانقلاب سيارة ربع نقل بقرية الشنطور ببنى سويف.. «بالأسماء»    موعد تطبيق منظومة السيارات الجديدة بديلة التوك توك فى الجيزة    وزارة الصحة توجه رسالة هامة عن تلقى التطعيمات.. تفاصيل    منظمة الصحة العالمية: أكثر من 16.5 ألف مريض بغزة في انتظار الإجلاء الطبي    دراسة جديدة.. عصير البرتقال يؤثر على نشاط الجينات    سعر الجنيه الإسترلينى اليوم السبت فى البنوك 22-11-2025    فرنسا لمواطنيها: جهزوا الطعام والماء لحرب محتملة مع روسيا    «يوميات ونيس».. العمل الذي صنع ذاكرة جيل ورسّخ قيم الأسرة في الدراما المصرية    المرأة العاملة| اختيارها يحمي الأسرة أم يرهقها؟.. استشاري أسري يوضح    فلسطين.. جيش الاحتلال يقتحم حي الضاحية في نابلس شمال الضفة الغربية    تطورات مثيرة في قضية سرقة عصام صاصا للحن أغنية شيرين    استشارية: خروج المرأة للعمل لا يعفي الرجل من مسؤولية الإنفاق أبدًا    عضو "الشؤون الإسلامية" يوضح حكم التعامل مع الدجالين والمشعوذين    محمد التاجي: لولا تدخل السيسي ل"طبل" الجميع للانتخابات وينتهي الأمر دون كشف التجاوزات    محمد التاجي: اعتذار محمد سلام اللحظي خلق «شماتة» ويتعارض مع تقاليد المهنة    مصطفى حجاج يكشف حقيقة الخلاف بينه وبين هاني محروس    اتحاد الكرة يعلن حكام مباريات الأحد في الدوري الممتاز    شوقي علام حول التعاملات البنكية: الفتوى الصحيحة تبدأ بفهم الواقع قبل الحكم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المترفون هم المفسدون [2]
نشر في المصريون يوم 27 - 12 - 2009

ينبّهنا القرآن إلى حقيقة بالغة الأهمية فى تاريخ البشرية خلاصتها أن هلاك المجتمعات والأمم السابقة كان يسبقه شيوع الترف المصحوب دائما بالطغيان والفساد بين الطغمة الحاكمة ، حتى أصبحت هذه قاعدة كونية لا مناص منها : يبدأ الأمر أولا بشيوع الترف والفساد بين الطبقة التى تستأثر بالثروة والسلطة ، ثم يتبعهم بالتقليد الطبقة المتوسطة التى تعيش قريبا من أصحاب الثراء والسلطان ،والتى تسترزق بتسخير نفسها فى خدمتهم ، وتحقيق مصالحهم وأهوائهم ، ثم تنتقل عدوى الفساد إلى العامة من الطبقات الدنيا ، وهؤلاء هم المستضعفون المهمّشون والمستعبدون ، وبذلك يستشرى الفساد فى المجتمع بأسره ، هذا النمط من المجتمعات التى يتحكم فيها المترفون ، هى بحكم طبيعتها وتركيبها مجتمعات طاردة لأصحاب العقل والحكمة ، الذين يؤمنون بأن واجبهم هو التصدّى للفساد والطغيان ، ويرون من واجبهم أن يجمعوا حولهم عناصر من ذوى الفطرة السليمة والضمائر الحية ، لتشكيل نخبة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، فإذا تخلّصت السلطة المستبدة من هذه القلة الراشدة ، بالقتل أو العزل عن المجتمع، استشرى الفساد ليعم المجتمع كله ، وأصبح مستحقّا للعقاب و الهلاك ...
تكاد تكون هذه هى القاعدة الإلهية التى يصفها القرآن بسنن الله .. سنن تبدو واضحة فى كل قصص الأنبياء الذين بعثهم الله إلى أقوامهم فتصدى لهم المترفون من ذوى السلطة والمال .. كذبوهم وحرّضوا عليهم الرعاع ، وعذبوا أتباعهم ، وتكررت القصة نفسها عبر التاريخ الإنساني حيث تجلّت واضحة فى إنهيار الإمبراطوريات القديمة كلها ، وقدعرفناها فى سقوط العواصم المسلمة أمام الغزو المغولي والصليبي فى الشرق ، وسقوط الأندلس فى الغرب ، كما شاهدناها حديثا فى انهيار الإمبراطورية السوفييتية .
و قد شاء العليم الحكيم سبحانه أن يحذر المسلمين وينبّههم إلى هذه الحقيقة فى قرآن تعهّد بحفظه ، وأمرنا بتلاوته فى كل صلاة خمس مرّات (على الأقل) كل يوم ، حتى لا نقع فى أخطاء الأمم السابقة فتجرى علينا سنن الله فى الإهلاك والدمار .. إقرأ معى هذه الآية من سورة هود: [ فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ] .. لاحظ أولا أن كلمة " لولا " التى تتصدر هذه الآية تفيد (فيما يرى المفسرون) معنى الأسف لعدم تحقيق ما كان ينبغى أن يتحقق فى الأمم السابقة من جانب أصحاب العقل والحكمة وأصحاب الرأي ، إذْ كان من واجبهم أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر ، ويتصدّوا للفساد فى مجتمعاتهم ، ولكنهم لم يفعلوا ، إلا أقلية قليلة منهم اتّبعوا الرسل فنجوا معهم من العقاب والهلاك . أما الذين ظلموا فقد اتّبعوا ما أُترفوا فيه : فعبدوا أهوائهم وشهواتهم، وانساقوا فى طريق الترف والطغيان والفساد ، استأثروا بالثروة والسلطة من دون الناس ، وكما يقال فى المثل الجارى " السلطة المطلقة مفسدة مطلقة" ، لكل هذا يصفهم القرآن بحق بأنهم مجرمون . وإذا أردنا أن نرتب هذه الخصائص فى سلسلة الأسباب وا لمسببات لرأينا شبه إجماع من المفسرين على أن الترف هو الذى يؤدى إلى السرف والفساد ، وهذان يتجلّيان فى الفسوق والظلم . فإذا كان هذا يحدث على مستوى الأفراد فى إطار فئة قليلة من الناس استطاعوا السطو على الثرة والسلطة ، ومن ثم استحقوا (منطقيا) أن تتنزّّل عليهم وحدهم اللعنة ، وينفردوا وحدهم بالعقاب ، ولكننا نفهم من سياق الآية فى خاتمتها أن المجتمع كله قد نزل به العقاب . وما كان الله حاشاه تبارك وتعالى أن يظلم مجتمعا بأسره وأهله جميعا أو أغلبهم مصلحون .
ولكن الواقع الذى يتبدّى لنا واضحا فى قصص الأنبياء والرسل والمصلحين كما وردت فى القرآن أن قُرى أو أُمما بأكملها قد أهلكها الله بوسائل شتى من وسائل التدمير ، فما السر فى هذا التعميم والشمول .. ؟؟! ، ما الذى حدث حتى تستحق الأمة كلها الهلاك ..؟
لعل الآية التالية تجيب على هذا السؤال ، فاقرأ معى هذه الآية من سورة الإسراء: [ وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً ]
أودّ فى البداية أن أستبعد فكرة خاطئة ربما تكون شائعة عند كثرة من القراء ، فالله تبارك وتعالى حاشاه أن يأمر بالفسق أو المعصية ، وإنما يستقيم المعنى فى الذهن عندما نفهم أن الله لايمكن إلا أن يأمر بالطاعة والاستقامة ، ولكن المترفين بحكم ما أصاب عقولهم وقلوبهم من انحراف فسقوا عن أمر ربهم ، ولما كان المترفون هم القادة وأصحاب المال والسلطان فى المجتمعات ، وأن جمهور العامة دائما هم الأتباع المقلدون لكبرائهم وسادتهم ( والناس على دين ملوكهم) شاع الفساد واستشرى الفسق فى الأمة كلها أو معظمها فاستحقت الهلاك. وقد سؤل الرسول صلى الله عليه وسلم : أنهلك وفينا الصالحون ..؟ فقال نعم إذا كثر الخبث ...!
حدث هذا فى الماضى عندما كانت المجتمعات تعيش حياة أقرب إلى البساطة البدائية ، وكان المترفون يعيشون حياتهم الخاصة خلف أسوار قصورهم بعيدا عن أنظار العامة ، ولكن النذر اليسير الذى تسرب من سيرهم إلى الناس كان كافيا لنشر الفساد فى مجتمعاتهم ، فما بالك اليوم مع انتشار وسائل الإعلام وتغلغلها فى كل مكان ، بحيث أصبحت الأسرار منعدمة فى هذا الزمن ، وأصبحت فضائح الحكام وفساد المترفين تُعرض كل يوم على شاشات التلفزة بالصوت والصورة ، وتقتحم بيوت الأسر وتصدم عقول الأطفال وتنتهك براءتهم ...! أكثر من هذا أقول: ما بالك والأمر أخطر وأسوأ مما نظن : حيث تجرى عمليات إفساد المجتمعات وفق خطط علمية تصاغ فى برامج تعليمية وتثقيفية موجّهة بعناية وإحكام إلى شباب الأمة وأطفالها ...!!
لاحظ أن بعض أساليب الإفساد الخفية ، تستهدف تشويش العقول والتلاعب بها عن طريق صياغة الأخبار صياغة تؤدى إلى طمس الحقائق وتزييفها ، و عن طريق تكرار الأكاذيب صباح مساء ، ولأن الناس لا يتلقّون تعليما صحيحا فى مدارسهم أو فى جامعاتهم فقدوا القدرة على الفهم والاستيعاب ، وفقدوا القدرة على النقد والتمييز، وفقدوا القدرة على مناقشة ما يلقى عليهم من افتراءات وأكاذيب .. حصيلتهم من الأفكار مشوشة ومعلوماتهم مسطّحة ، وهم على قدر كبير من السذاجة الفكرية والقابلية للاستهواء ، بحيث يستقبلون الدعايات الكاذبة بقبول واستسلام عجيبين .. ويعبر القرءان أصدق وأدق تعبير عن هذه الحقيقة النفسية الاجتماعية فى موقف قوم فرعون من أكاذيب سيدهم وافتراءاته على نبيّ الله موسى عليه السلام ، إقرأ إن شئت هذه الآية36 من سورة فاطر [ فاستخفّ قومه فأطاعوه ، إنهم كانوا قوما فاسقين] .
أذكر لك على سبيل المثال لا الحصر بعض أمثلة قليلة مما يدور فى وسائل الإعلام اليوم: فقد بدأت تردد سلسلة من الأكاذيب التى سبق أن رددتها من قبل منذ عام ، أثناء الغزو الإسرائيلي على غزة ، معتمدة فى ذلك على غياب الوعي العام وضعف ذاكرة الجماهير، والسبب الحاضر اليوم هو الرد على الحملة الشعبية والعالمية ضد إقامة السور الفولاذي فى الأراضى المصرية على الحدو مع غزة ، فقد اعتبرالناس أن هذا السور لا يخدم إلا الأهداف الإسرائيلية الأمريكية فى إحكام الحصار حول غزة وتصفية الشعب الفلسطيني . عادت وسائل الإعلام تردد فرية مؤدّاها أن من بين الفلسطينيين الجوعى الذين اقتحموا الحدود المصرية العام الماضى تسللت مجموعة داخل مصر ، وتمكنت قوات الأمن من إلقاء القبض عليهم فوجدت معهم أسلحة وأحزمة ناسفة بغرض تنفيذ عمليات تخريب وقتل فى الأراضى المصرية...! أقول إذا كانت هذه الواقعة صحيحة فمن هم المتسللون الإرهابيون..؟ ما أسماؤهم ..؟ وأين توجد صورهم ..؟ وإذا كانوا قد اعترفوا بجرائمهم فأين نجد هذه الاعترافات..؟ وأين هو التحقيق والقضايا التى نظرت فى المحاكم لإثبات جرمهم ...؟ أسئلة كثيرة لا يمكن أن تجد لها إجابات ..فهل سأل واحد منا هذه الأسئلة ليتحقق من صحة خبر التسلل الذى تروّج له وسائل الإعلام وتهلل له فى كل نشراتها الإخبارية ، وتبنى عليه أحكاما وتبرّر به أفعالا تقوم بها السلطة ضد إخواننا الفلسطينيين فى قطاع غزة ، الذين يتعرضون لحرب إبادة حقيقية تشنها إسرائيل عليهم بشتى الوسائل .. لقد أخذ الناس هذا الخبر الملفّق كحقيقة ثابتة ولم يتناولوه بالتمحيص والنقد ، وهم يستجيبون على نفس النمط لكل الأخبار الكاذبة والقضايا الملفقة التى نسمع عنها كل يوم ، وتدور حولها ضجة إعلامية ثم تتمخض عن لا شيئ ، من هذا أشير إلى حالة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح أمين عام إتحاد الأطباء العرب الذى قُبض عليه وأُودع المعتقل بتهمة تتعلق بقضية أطلقوا عليها إسما مهولا هو "التنظيم الدولى للإخوان المسلمين" .. أمضى الرجل فى السجن بضعة أشهر ولكنه لم يقدم للمحاكمة ولا رُفعت ضده قضية ولاحدث معه تحقيق .. وبعد أن نسي الناس الموضوع أُطلق سراح الرجل .. وقد تبيّن أنها كانت عقوبة مزاجية لأن الرجل بحكم مركزه فى قيادة اتحاد الأطباء العرب الذين رأوا أن من أوجب واجباتهم تجاه إخوانهم فى غزة من ضحايا الحرب الإسرائيلية أن يقدموا إليهم بعض الأدوية والمعدات والأجهزة الطبية التى تفتقر إليها مستشفيات القطاع المنكوب ،ولكن السلطات كدأبها أعاقت قافلتهم وعلقتهم عند معبر رفح فترة طويلة من الزمن بدون أى مبرر .. إلا أنهم ثبتوا وأصرّوا على دخول المعبر.. وفضح الإعلام العربي والعالمي الموقف الشائن للسلطات المصرية ، وكانت هذه هى الجريمةالحقيقية التى عوقب من أجلها الدكتور أبو الفتوح ، أضمرتها السلطة لأن مافعله الرجل لا يمكن أن يشكل جريمة يعاقب عليها أى قانون ، وكانت السلطات تعلم أن ذكر التهمة الحقيقية يشكل فضيحة مخذية لها ، لذلك لفقت للرجل تهمة غامضة وغير مفهومة ..لتنفّذ فيه عقوبة مزاجية بسجنه فترة من الوقت ، ثم أطلقت سراحه بدون محاكمة ، وهى تسعى الآن لإغلاق مقر اتحاد الأطباء العرب فى القاهرة ، نكاية فى الرجل ومحاولة لتكبيله بالقيود ومصادرة نشاطه وحركته ..
أما المثال الثالث فلا تزال وقائعه المخزية تجرى على الساحة لتؤكد استمرارية نفس سياسة إحكام الحصار على الفلسطينيين فى غزة ، وهو مايتجلى واضحا فى موقف السلطات المصرية من قافلة "شريان الحياة" التى جاءت من أقصى الأرض لكسر الحصار اعلى غزة ، يصحبها 420ناشطا من أحرار العالم الغربيّ يقودهم النائب البريطاني البطل جورج جالاوى ، خرجت القافلة من لندن فى الخامس من شهر ديسمبر الجارى فاخترقت فى طريقها بدون عائق عددا من الدول الأوربية حتى وصلت إلى تركيا فلم يعقها أحد بل أضاف إليها أهل الخير من هذه البلاد شاحنات جديدة محملة بالمعونات الطبية والغذائية حتى بلغ عدد الشاحنات الآن 250 شاحنة ، تبرعت تركيا وحدها بسبعين شاحنة منها، وكان استقبال الشعب التركي للقافلة كريما ورائعا. عبرت القافلة سوريا والأردن بالحفاوة والتيسير ، حتى أصبحت قاب قوسين أو أدنى من ميناء نويبع ، وهنالك تفجر السلطات المصرية مفاجأة مذهلة ، فبعد أن كانت قد أعلنت موافقتها على دخول القافلة من نويبع إذا بها تشترط ضرورة تحويل مسار القافلة لتدخل من ميناء العريش ،عبر البحر الأحمر ثم قناة السويس ، ليتحمل المصاحبون للقافلة مزيدا من عذابات السفر بعد كل مالاقوه من العناء والإرهاق فى هذه الرحلة الطويلة ، علاوة على تبديد الوقت ، ومزيد من تكاليف النقل والسفر ، وتفاصيل أخرى كثيرة ومذهلة أوردها الكاتب الصحفي فهمى هويدى فى مقال له اليوم منشور بصحيفة الشروق تحت عنوان " من العار إلى إلى الخجل " أكتفى بنقل عبارة واحدة عميقة الدلالة فى تلخيص الموقف المصري يقول فيها: " مالم يكن هناك تفسير معقول لهذا التصرف المفاجئ الذى يصعب افتراض البراءة فيه فسيكون التفسير الوحيد هو أن مصرأرادت أن تعرقل العملية ، وأنها إذا كانت قد وافقت رسميا على اسقبال [القافلة] لأسباب إعلامية ودعائية ، فإنها أرادت أن تجهضها من الناحية العملية" وأودّ أن أضيف إلى هذا كله حقيقة لا يجب أن تغيب عن وعينا ، وهى أن الموقف المتعنّت للسلطات المصرية من قافلة جالاوى لكسر الحصار عن غزة يؤكد حقيقة نواياها من إقامة السور الفولاذي حولها ، ويكشف زيف كلام المسئولين فى تبرير إقامة هذا السور ، تأمل فى الكلام الاستعراضى لوزير الخارجية فى التلفاز المصري وهو يبرر إقامة السور المنكور حيث يقول إنه لضمان أمن مصر وحياة المصريّين ، ثم يدّعى بأن أمن مصر مقدس وحياة المصري مقدسة .. وقد نفوّت له مسألة أمن مصر المقدس ، ولكننا لا نستطيع أن نبتلع حكاية قداسة حياة المصرى ، ونوجّه إليه هذه العبارة الشعبية الحكيمة: حياة المصري مقدسة ..[ بأمارة إيه ..؟!! ] هل كانت مقدسة حياة أكثر من ألف مصريي غرقوا مع العبّارة الكارثة ، وهل كانت مقدسة فى كل حوادث القطارات نتيجة الإهمال الرسمى المروّع، وهل كانت مقدسة حياة المصريين فى كل العشوائيات تحت انهيارات جبل المقطم فى الدويقة ، أوفى تبة فرعون وغيرها من آلاف العشوائيات التى يعيش فيها عشرات الألوف من المصريين تحت مستوى الحيوانات ، وهل هى مقدسة حياة عشرات الألوف من الأطفال المشردين بلا مأوى فى القاهرة وفى جميع المدن الأخرى .. وغيرهم كثير يصعب إحصاء أعدادهم ...؟! أم أن هؤلاء ليسوا من المصريين الذين حياتهم مقدسة .. وأن الوزير يقصد فئة أخرى من البشر يعيشون على أرض مصر ، يملكونها وينهبون ثرواتها ويتسلطون على خلق الله فيها ..؟! هل يقصد السيد الوزير أولئك المترفين الطغاة الذين عرضنا لبعض ملامحمهم فى هذه المقالة ، هل يعتقد السيد الوزير أن هؤلاء فقط هم المصريون وما عداهم [زبالة] ..؟!
أعوذ بك ربى من سيئات أعمالنا وشرور أنفسنا ، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربى على صراط مستقيم ...
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.