خلق الله الإنسان محررا في عقيدته من سيطرة الخرافات والجهل والإنسياق المحموم وراء الهوي والشهوة ،ومحررا في منطلاقته وتوجهاته وأهدافه وغاياته من الوصاية عليه وعلي عقله ووجدانه من الغير حتي ولو كان نبيا أو رجل دين مشهود له بالصلاح والإصلاح ،فكل إنسان حر في معتقداته وإرادته ما دامت لم تخل بملامح المجتمع الذي يحيا علي أرضه أو تمس أطره العامة والخاصة ،والحرية في الإسلام ركن فيه وسياج يحمي أفراده جميعا وينظم العلاقة بين أفراده القائمة علي الإحترام والإلتزام بالحقوق العامة والخاصة قبل المطالبة بها . وحينما كفلت الشريعة الإسلامية للأفراد علي اختلاف معتقداتهم مقاصد خمسا وهي حفظ الدين والعقل والمال والنفس والنسل فقد حررت كل فرد علي حده مقابل الآخر وضمنت له ولغيره عدم المساس بهذه الأمور الخمسة شريطة احترامه هو لهذه المقاصد والحقوق ورعايتها للوطن و لأبناء الوطن سواء بسواء. والشارع الحكيم سبحانه وتعالي شرع لنا سنن الهدي وبين لنا الحكمة والقرآن وأرشدنا سبل السلام فمن أخذ بها فقد رشد وهدي إلي صراط مستقيم ومن أعرض عنها فقد ضل وغوي ،فالإسلام دين شامل يتناول مطاهر الحياة جميعا والحرية فرض فيه والحكومة جزء منه وذلك كما نفهمه نحن . فحرية العقيدة مكفولة للجميع في ظلال الإسلام شرط عدم المجاهرة أو الدعوة لغير الإسلام أو التبشير لدين غيره علي أرضه وتحت سلطانه قال تعالي :(( (255) لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)البقرة . فمن أكره علي الدخول في عقيدة ما فهو في حل منها حتي يدخل فيها مختارا أو فليدع وهذه الآية تتعلق بأحكام الدخول في الإسلام والدعوة إليه دونما إجبار أو إكراه ،فهذه حرية في الإختيار وهو ما زال علي شاطئ الإيمان ،أما وقد اختار الإسلام والدخول فيه طائعا غير مكره وجب عليه القيام بمقتضيات الدين وفروض العقيدة واحترام أطر المجتمع المسلم ومبادئه والعمل علي الحفاظ علي ملامحه العامة و خصائصه وسماته ومن فعل ذلك فقد استمسك بالعروة الوثقي ويمم وجهه الوجهة المثلي . ويروي في تاريخ الفتوحات الإسلامية لبلاد ما وراء النهر أن دخل الجيش الإسلامي مدينة بالإتفاق مع رجل من أهلها يفتح لهم أبواب المدينة دون أن يدعوهم المسلمون للإسلام أو الجزية أوالقتال وفوجئ أهل المدينة بالجيش الإسلامي يدخل المدينة ولا علم لهم بذلك فتحاكموا لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه فحكم القاضي ببطلان فتح المدينة وقضي بخروج المسلمين منها فورا فخرج المسلمون امتثالا لأمر الله فدخل أهل المدينة في دين الله أفواجا طائعين ،فما أروع هذه اللوحة التي رسمها الإسلام وجنده في ضرب المثل للحرية في ظل الإسلام الحنيف ويرد قول المغرضين القائلين بأن الإسلام انتشر بحد السيف وما أبلغ أثر العمل من القول . والإسلام جاء محررا للعقول والقلوب ،فربي الأمة علي استقلال النفس والقلب واستقلال الفكر والعقل واستقلال الجهد والعمل ،وملأ أرواحهم الوثابة بجلال الإسلام وروعة القرآن وصف أقدامهم تحت لواء الحق ونظم العلاقة بين البشر وخالقهم ،فالعبودية لله وحده لا شريك له والحاكمية له سبحانه وتعالي ،ووضح العلاقة بينهم وبين نواميس الكون فعملوا علي تسخيرها لخدمة الدين ورعاية المصالح وعلموا سنن الله في الأمم والجماعات من النشوء والتمكين والنصر والهزيمة والأفول والإنزواء فقامت خير أمة أخرجت للناس علي دعائم العدل والإحسان والحرية ورعاية الحقوق وانساحوا في الأرض يعمرون ويشيدون بناء أمة علي دعائم العلم والعمل والجهاد المثمر الحكيم فكانت أستاذة الأمم علمت الناس كيف العيش في ظلال الإسلام والحرية المسؤولة التي هي مناط التكليف والطاردة للعبث الفكري المتطاول علي ثوابت الأمة المحتوية كل ذي فكر بناء يسعي للإصلاح والصلاح ولهداية البشر وإخراج العباد من عبادة العباد إلي عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلي عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا لسعة الدنيا والآخرة . وهكذا قررت المعاهدة التي وضعها رسول الله قبل ألف وأربعمائة سنة.. حرية العقيدة وحرية الرأي , وحرية الوطن , وحرمة الحياة , وحرمة المال وتحريم الجريمة واعتبار المصلحة الوطنية رباطا قوميا بين المواطنين. كما قامت هذه الأمة بعد هذه الوحدة والحب والإخاء والتكافل العملي في النوائب لقد قامت الشريعة وتكونت الأمة وقامت الدولة وكانت منارة علي غير نسق سابق حتي استحقت أن تكون معلمة الدنيا وكانت (خير أمة أخرجت للناس) ولا ينقصنا نحن لأن نعيد دولة الحرية والعدالة والخيرية سوي الإرادة والعزيمة والنفوس الكبار وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]