لعل القارئ يذكر قبل عدة أيام عندما كتبت هنا عن حكاية اللجنة التي شكلها رئيس مجلس الوزراء الدكتور أحمد نظيف من خمسة وزراء من أجل وضع معايير حديثة لما يجوز قبوله من شحنات القمح المستورد ، حيث تمثل مصر واحدة من أكبر الدول المستوردة للقمح في العالم ، وبعد أن أصبحت مصر مقلب نفايات قمح العالم ومطمع عصابات التهريب ، واستغربت حينها أن تكون مصر من أكبر مستوردي القمح في العالم ثم لا يكون لديها معايير حديثة لضمان سلامة القمح ، اليوم اكتشفت أن الموضوع أخطر من حكاية المعايير وأكبر ، الحكاية حكاية فساد يضرب بأطنابه في جنبات الوطن ، مؤذنا بانهيارات قد لا يعلم مداها إلا الله ، فحتى لو وضعت هذه المعايير لاستيراد القمح بعد عمر طويل وربما في ولاية رئيس الوزراء بعد القادم ، فإن هذا لن يمنع دخول القمح المطعم بأمراض الدنيا وأوبئتها وكوارثها إلى البلاد لتطعمه أفواه المصريين ، والحادثة الجديدة ، والتي لم تنشرها صحيفة معارضة ساخطة ولا قناة الجزيرة الحاقدة ولكن نشرته الصحف القومية الأسبوع الماضي ، والخبر نصه كالتالي حسب نص الصحيفة القومية : (تسرب 30 ألف طن من القمح الروسي الفاسد وغير الصالح للاستهلاك الآدمي إلي 6 محافظات بعد دخولها البلاد عن طريق ميناء الأدبية البحري بمحافظة السويس ، وكانت معلومات سرية قد وصلت اللواء محمد سيف الدين جلال محافظ السويس أن أجهزة الجمارك وأمن الموانيء قد ضبطت كميات باقية بالميناء من القمح الروسي المليئة بالسوس والشوائب والحشرات الضارة والألفا ميكس وغيرها.. وفور وصول هذه المعلومات قرر المحافظ تشكيل لجنة عليا ضمت اللواء محمد أبوزيد مدير الأمن واللواء ممدوح دراز رئيس هيئة الموانيء لاتخاذ اللازم وإبلاغ السلطات المختصة والتحفظ علي باقي الشحنة بالميناء لإعادتها فوراً إلي بلد المنشأ وعدم حرقها بصحراء السويس) ، انتهى الخبر ، وبما أننا بلد لجان ، فقد شكل المحافظ مشكورا لجنة ، وقبله شكل رئيس الوزراء مشكورا لجنة ، وسوف تستمر اللجان في ذيل اللجان حتى تدمير كبد أو كلية آخر ضحية مصري للقمح الفاسد ، وأرجو أن يلاحظ القارئ عبارة "المليئة بالسوس والشوائب والحشرات الضارة والألفا ميكس وغيرها.." ، وغيرها هذه تعني بالبلدي "إلخ إلخ" ، أي أن هذه الشحنة ثبت أنها مستنقع أوبئة وأمراض ، وفي حالة هذه الشحنة فإن الأمر لا يحتاج إلى لجنة رئيس الوزراء لوضع معايير ، فإن المعايير الموجودة والبدائية كانت كافية بذاتها لإدراك أن هذه شحنات فاسدة ومترعة بالبلاوي ، وتم التحفظ عليها تمهيدا لإعادتها إلى بلد المنشأ أو حرقها ، ومع ذلك تم دخول هذه الآلاف المؤلفة من الأطنان إلى ست محافظات عبر ميناء السويس ، كيف تسربت لا أحد يعلم ، من الذي أمر بإدخالها لا أحد يعلم ، وكل ما فعله المحافظ والسيد مدير أمن السويس هو التحفظ على ما تبقى من الشحنة الفاسدة وهي متحفظ عليها أصلا ، وربما عند كتابة هذه السطور تكون بقية الشحنة قد وصلت إلى إحدى المحافظات المحتاجة ، منتهى العبث والإجرام ، حالة من الفوضى والتسيب أصبحت علامة على عصر وعلى نظام حكم بكامله ، لا يجدي معها قانون ولا إجراءات ولا لجان ، وأخشى أن أقول لن يجدي معها أمن ولا محاكم، وفي معظم الحالات يتم لململة القضية ودفنها بعد أن ينسى الناس ، أو بالتعبير الشعبي الشهير "الطرمخة" على الموضوع ، لأنه في الغالب يكون وراء الجريمة بعض الكبار ، وفي أفضل الحالات يتم التضحية بأحد الصغار ، لكي يتمكن "الكبار" من مواصلة خدماتهم الإنسانية الجليلة في إطعام المصريين بالحشرات والألفا ميكس وغيرها ... !! [email protected]