الكل يعلم القاصي قبل الداني أن مصر تمر بمرحلة انتقالية صعبة، ومازلنا في انتظار أن تتولى السلطة في مصر حكومة منتخبة تمثل الشعب المصري وإرادته وترعى مصالحه الحيوية من خلال استراتيجية توافقية واضحة وإيجابية المعالم، فتحديات المرحلة الانتقالية عديدة داخليًا وخارجيًا، ففي الداخل لدينا مشكلات الاقتصاد والأمن وتحديات التحول السياسي نحو الديمقراطية المنشودة، والتي قامت من أجلها ثورة 25 يناير، وفي الخارج لدينا منطقة تمر بتحولات ومنعطفات لا يعلم مصيرها غير الله سبحانه وتعالى، وقد تتعرض لقلاقل أكبر في حالة تدهور الأوضاع في دول كإيران أو سوريا أو تدهور الوضع الأمني في دول قريبة منا كليبيا، وهي أمور لا نتمناها إلى الأسوأ على الإطلاق، لذلك ولكل الأسباب سالفة الذكر سواء مجتمعة أو منفصلة أرفض الانجرار وراء أي دعوة للصدام مع أمريكا في الوقت الراهن، لأنه قد لا يصب بالضرورة في صالح مصر والمصريين، وأن على الشعب المصري وحكامه عدم الانسياق وراء دعاوى الصدام أو الصراع، والبحث عن سبل أفضل لحماية مصالحنا في الولاياتالمتحدة وحول العالم، منطلقًا من المصلحة الوطنية المصرية ذاتها، حيث يبدو لشخصي المتواضع أن مصر لم تستعد جيدًا لتلك المواجهة، فالرئاسة مازالت وكأنها تدير فترة انتقالية حتي تتمكن من بناء كافة المؤسسات المنتخبة التي لم تكتمل بعد، حتى وإن لم تشرح الرئاسة استراتيجيتها تجاه أمريكا لأحد، ولم نعلم إن كانت تستعد لها جيدًا أم لم تستعد بعد بدليل أننا لم نعلم بعد هل شركات العلاقات العامة الأمريكية التي تدفع لها الحكومة المصرية أموالًا لتمثيل مصالحها في واشنطن، والتي رفضت هذا التمثيل وأوقفت عقودها مازال قرارها ساريًا أم تبدلت مواقفها؟!، في علامة على الضغوط التي تتعرض لها الرئاسة، والوضع الصعب الذي وجدت نفسها فيه وعلى سوء الإدارة سواء من ناحية الأزمة أو حتى توقيتها ناهينا عن الانقسام الواضح في الصف المصري الداخلي ذاته بخصوص ما يجري، حيث يرى البعض أن حكومة هشام قنديل تعد من الحكومات المناهضة لمنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان والنشاط السياسي العامل في مصر بشكل عام. ولكنني لست مع هذا الطرح مطلقًا، حيث إنني أرى أن الحكومة قد أوفت بالتزاماتها الحفوفية لدرجة كبيرة جدًا من القبول الشعبي المعتدل، ولا ننكر ولا نجحد الفكر الذي يقول إن حكومة هشام قنديل في وضع لا تحسد عليه وأن أي حكومة حتي ولو كانت من أصحاب الخبرة والعلم "تكنوقراط" لو أنها اعتلت المشهد الوزاري في هذه الفترة الدقيقة والحاسمة لفشلت هي أيضًا.. إذًا المشكلة ليست في حكومة هشام قنديل ولا في غيرها الآن!!! وبما أن للدبلوماسية أدوات كثيرة يمكن من خلالها تحقيق المصالح، وأخذ زمام المبادرة، لا يبدو مفهومًا أن تلجأ بلد بثقل مصر للصدام مع أمريكا أو غيرها في هذا الوقت بالذات وبهذا الأسلوب على الرغم من أن عمل المنظمات الأجنبية والدولية في أي بلد من بلدان العالم يعد شيئًا إيجابيًا ومستحبًا يجب تشجيعه والبحث عن صيغ قانونية تشعره بأنه مرحب به كمستثمر في علاقات بلاده مع بلادنا، خاصة أننا نجد حولنا دولًا عربية تجتذب أعدادًا متزايدة من الجامعات والمعاهد ومراكز الأبحاث ووسائل الإعلام الأجنبية لتعمل على أراضيها وتتفاعل مع مواطنيها وتكون جسرًا بينها وبين الخارج. يا سادة.. عهد الدبلوماسية السرية الرسمية الصدامية قد ولى وانتهى، والثورة غيرت صورتنا، ومصر في حاجة لفكر جديد يستفيد من زخم الثورة في بناء علاقات أفضل مع العالم، علاقات تقوم على أكبر قدر من الانفتاح والشفافية والمشاركة الشعبية والجماهيرية. E-mail : [email protected]