سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ضغوط أمريكية أفرجت عن أول رئيس منتخب «العسكري» يواجه الضغوط والإملاءات الأمريكية بالدبلوماسية الناعمة
«البيت الأبيض» يعتبر مصر ولاية أمريكية ويلعب دور المندوب السامي لإسرائيل
تدخلات.. طلبات وإملاءات واشتراطات..محاولات إشعال نيران الفتن.. الزج بعُملاء وكالات استخبارات أجنبية للساحة المصرية.. هذا هو حال مصر منذ ثورة 25 يناير 2011 ومُعاناتها مع التدخلات الأجنبية «أوروبية وعربية» في شئونها الداخلية، التي أسهمت فيها خلافات وانشقاقات القوي السياسية التي لا تزال قائمة حتي اليوم، ويُخشي مع استمرار هذه الخلافات في عهد رئيس مصر المُنتخب محمد مرسي أن تفتح مزيداً من التدخل الخارجي في شئون مصر الداخلية، خاصة مع رفض فصائل وطوائف شعبية بعينها فوز مرسي، أو إعلان تخوفهم المسبق من سياسته، وهي التدخلات التي وصلت في بعضها إلي حد وصفه ب «الصفاقة» السياسية، خاصة من قبل أمريكا، وهو الأمر الذي جعل الخارجية المصرية تحذر أمريكا والعالم الخارجي يوم الاحد الماضي وهو يوم إعلان فوز محمد مرسي تحذر من إصدار أي تصريحات أو مطالبات تمس شئون مصر الداخلية، وذلك بعد أن فاض الكيل. يجب الاعتراف أولاً أن توتر الوضع السياسي في أي بلد وعدم استقراره، إنما يمهد المناخ الخصب للتدخلات الخارجية بقوة، وهذا ما حدث في مصر بعد ثورة يناير، فقد ارتكبت الكيانات المصرية أخطاء سياسية دفعت دول خارجية بعينها للتجرؤ علي التدخل في قضايا داخلية، بلغت الي حد فرض إملاءات علي السُلطات التنفيذية المصرية وعلي المجلس العسكري نفسه، وكأن تسيير سياسية مصر من الخارج بات هدفاً استراتيجياً بما في ذلك مساعي حكومة واشنطن لتقوية تيارات سياسية مصرية ضد أخري وإجراء لقاءات سرية وصفقات واتفاقيات تسرب بعض منها وكثير لا يعرف عنه أحد شيئاً، تدخلات يمكن تفسيرها برغبة أمريكا في إسقاط الدولة المصرية بكاملها، وتفكيك كافة مؤسساتها وعلي رأسها المؤسسة العسكرية، لكي تخلق الفرصة للتدخلات المُباشرة في الشئون المصرية، حتي إنها تعاملت مع مصر علي مدي عام ونصف وكأنها إحدي ولاياتها، بل ولعبت في بعض مطالبها من المجلس العسكري دور المندوب السامي لإسرائيل فيما يتعلق بحماية اتفاقية السلام وعدم المساس بالكيان الصهيوني. وتكشفت محاولات أمريكا بالتدخل في شئون مصر منذ اللحظات الاولي لثورة يناير، والمثير أن هذه التدخلات اتسمت بالتضارب والخداع السياسي، بما لا يدع مجالاً للشك أنها لا تهدف إلي دعم أو مساعدة الاستقرار لمصر، إلا بشرط واحد أن يكون فيها نظام عميل يتبعها، ويُنفذ سياستها دون أن يكون له استقلالية في القرارات السياسية والاقتصادية من منطلق وطني بحت بغض النظر عن مصلحة أمريكا وطفلها المدلل إسرائيل. فقبيل الثورة، مارست أمريكا تدخلاتها للترويج بين المصريين لقبول فكرة التوريث، توريث السلطة لجمال نجل الرئيس المخلوع حسني مبارك، وفتحت أمريكا أبوابها علي مصراعيها لدعم جمال كقوة سياسية واقتصادية ليكون له مكانة مقنعة بين طوائف الشعب، فقد كان لدي أمريكا أمل قبل الثورة في شخصية مدنية تتبوأ رئاسة مصر تحافظ لها علي مصالحها ومصالح إسرائيل التي كان يقوم علي حمايتها الأب مبارك. وجاء التدخل الأمريكي المباشر لتنفيذ هذا السيناريو في إطار «ترتيبات أمريكية – إسرائيلية»، وهو ما عبر عنه صراحة الدكتور مصطفي الفقي رئيس لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشعب، الذي ذكر في مقال له بجريدة الأهرام: «أن أي رئيس بعد مبارك لابد أن يحظي بموافقة واشنطن وعدم اعتراض تل أبيب». وخاب أمل أمريكا بفشل كل تدخلاتها ومحاولات تأثيرها علي فئات سياسية واقتصادية مصرية لتوسيع دائرة التأثير الشعبي لقبول جمال كوريث للسلطة في مصر، وعند خروج الشعب إلي التحرير، أصرت أمريكا في البداية علي تسمية الثورة بكلمة انتفاضة، وحاولت التدخل في الثورة بإجهاضها وإن كان بصورة ناعمة، عبر مطالبة مبارك بالاستجابة لمطالب من خرجوا في الانتفاضة أو المظاهرات، وذلك علي أمل ان تخمد تلك الانتفاضة ويبقي مبارك في السلطة لتنفيذ السيناريو الذي كانت ترغب فيه وهو تسليم مقاليد الرئاسة إلي جمال مبارك، إلا أن مبارك لم يستجب بسرعة للمطلب الأمريكي، لاعتقاده أن هذا المطلب نوعاً من تخلي أمريكا الحليف القوي له عنه، ولاعتقاده بقدرته علي قمع هذه الانتفاضة ودهس المتظاهرين وإرهابهم، ومع استمرار الشعب في التحرير، أظهرت أمريكا بشكل صوري التزامها بالصمت باعتبار أن الثورة شأن داخلي مصري، لكنها ما لبثت ان بدأت التدخل، وكان رهانها خلال 18 يوماً علي شخصية عسكرية تمثلت في رجل الاستخبارات «عمر سليمان» لكن أحداث الثورة من ناحية، ومواقف لقوي الثورة الرافضة لهذه الشخصية أجهضت رغبة واشنطن، وكان هذا بمثابة خسارتها الثانية، فتدخلت وطلبت من مبارك صراحة التنحي، وإن كان هذا التدخل المباشر يحسب في صالح الثورة، إلا أن الأوامر والمطالبات التي أطلقتها أمريكا بعد ذلك اختلفت نغمتها كثيراً. فقد بدأت أمريكا تدخلاتها وفقاً لمخطط اتضحت معالمه في العمل علي تقوية تيارات الإسلام السياسي «السُني» مُتمثلاً في حركات الإخوان المُسلمين، وذلك لإجهاض النشاط الإيراني الذي يسعي للسيطرة في الدول العربية ذات الأغلبية السُنية، ونشر الفكر الشيعي في منطقة الشرق الأوسط، كما كشفت التصرفات الأمريكية أن واشنطن أصيبت بخيبة الأمل السياسي، لأن الدولة المصرية لم تسقط بكاملها، ولم تتفكك مؤسساتها، خاصة المؤسسة العسكرية، حيث إن أمريكا كانت تنتظر الفرصة للتدخلات المُباشرة في الشئون المصرية، بل إن المعلومات التي ترددت إبان الثورة تشير إلي أن فرقاطة أمريكية وقفت قبالة قناة السويس، تنتظر فرصة التدخل العسكري إذا ما حدث وانقلب الوضع في مصر وحدث صدام شعبي عسكري، بل وقالت أمريكا إنها ستتدخل إذا فشل الجيش المصري في إحكام سيطرته علي الأوضاع المصرية وذلك لحماية مصالحها ومصالح إسرائيل علي الأراضي المصرية، إلا ان الجيش المصري - وهذا يذكر له - رد بحسم، أنه قادر علي حماية مصر دون الحاجة إلي أي مساعدة أو تدخل خارجي. لقد ضغطت أمريكا علي «مبارك» لتنفيذ سيناريو الرحيل والتنحي وكانت هي صاحبة التوجيه بتكليف المؤسسة العسكرية التي تحظي بتأييد واشنطن لتولي قيادة مصر في المرحلة الانتقالية، لعلمها أن العسكر لديهم من العقل والتروي الذي لا يجعلهم ينجرفون في أي صراع خارجي، والأوراق السياسية الداخلية مبعثرة، وقد سبق خطاب تنحي مبارك تسريبات أمريكية قبل إلقائه خطابه الأخير «ليلة التنحي» بأنه سوف يرحل عن السُلطة، وهو ما يكشف أن واشنطن كانت علي علم واتصال مع مبارك والمؤسسة العسكرية في آن واحد، وبعد رحيل مبارك كثفت واشنطن اتصالاتها مع ثلاثة تكتلات هي (المجلس العسكري – الإخوان المسلمين – القوي الليبرالية وشباب الثورة) وذلك بهدف احتواء الأحداث المصرية وضمان عدم حدوث تحولات مفاجئة في النظام المصري، قد تؤدي لتهديد المصالح الأمريكية أو الإسرائيلية علي غرار ما حدث في تركيا بعد الحرب العالمية الثانية. أما المطلب الأمريكي الثالث بعد الثورة فتمثل في الحصول علي ضمانات من المجلس العسكري بأن حزب الحُرية والعدالة وعلي رأسه «الدكتور محمد مرسي» لن يلغي اتفاقية كامب ديفيد أو يجري تعديلات جذرية علي نصوصها، المطلب «الأمريكي - الإسرائيلي» الرابع الذي تجري صياغته عبر القنوات الدبلوماسية هو دفع الإدارة السياسية الجديدة المصرية لاتخاذ موقف غير متعاطف مع حركة حماس الفلسطينية في ظل استلام رئيس ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين مقاليد الحكم في مصر، نظرا لما يربط الإخوان من علاقة قوية بحركة حماس، المطلب الخامس تمثل صراحة في مطالبة المجلس العسكري بتسليم السلطة في الموعد، وكأن أمريكا هي الوصي علي شعب مصر وهي التي تضمن تنفيذ مطالباته المشروعة من العسكر، والمطلب السادس جاء بعد إصدار المحكمة الدستورية العليا حكمها ببطلان البرلمان وحله، حيث أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية صراحة رفض أمريكا لهذا الحكم، بل وطالبت بإعادة النظر فيه، وهذا تدخل غير مسبوق في أحكام القضاء المصري من قبل أمريكا، أما التدخل السابع المعلن فقد جاء عقب إعلان المجلس العسكري الإعلان الدستوري المكمل، حيث اعتبرت أمريكا أن هذا الإعلان انتقاص من صلاحيات الرئيس المصري الجديد، وطلبت من العسكري صراحة تسليم منصب الرئاسة للرئيس الجديد بكل صلاحياته وغير منقوص، وإذا كانت هذه المطالبات تبدو في مصلحة الشعب المصري، لكنها في الأعراف السياسية والدبلوماسية تعد تدخلاً سافراً بل وقحاً من قبل الإدارة الامريكية في الشأن الداخلي المصري. وعلي نفس النهج سارت إسرائيل، التي حاولت أن تجعل من سيناء مدخلاً لتوجيه الإملاءات والاشتراطات علي مصر في الفترة الماضية، فاختلقت عملية انطلاق صواريخ من سيناء علي الأراضي الإسرائيلية، ومن ثم طلبت من مصر بشكل وقح أن تقوم بدورها في تأمين سيناء، ونزع الأسلحة منها، ومنع ما اسمته نشاط الشبكات الإرهابية والعناصر المسلحة التابعة لحماس وللقاعدة وغيرها من مسميات، ولوحت إسرائيل بصفاقة بالتدخل لوقف ما اسمته بالإرهاب القادم من سيناء، بل إن وفداً إسرائيلياً زار مصر قبل ايام بصورة سرية، وحصل علي تعهدات من المجلس العسكري بأن الأخير هو المسئول مسئولية مباشرة عن اتفاقية السلام وحمايتها وعن العلاقات مع إسرائيل، أي أن إسرائيل حصلت علي تعهدات بمسئوليتها علي العلاقات الخارجية مع إسرائيل بالمخالفة للطبيعة السياسية التي تفرض أن تكون العلاقات الخارجية من مسئولية السلطة المدنية المتمثلة في رئيس الجمهورية ووزير الخارجية، وقد لعبت أمريكا دورا ضاغطا علي العسكر للحصول علي هذه التعهدات التي تم تقديمها لإسرائيل ولعبت أمريكا في هذا دور المندوب السامي لإسرائيل لدي مصر، وكأن مصر الجديدة بعد الثورة قد شحذت عزمها وأسلحتها لضرب وتدمير إسرائيل، فلزم علي مندوبها السامي الحصول علي الضمانات والتعهدات لأمن وأمان هذا البلد المحتل. ويمكن القول إن المجلس العسكري تعامل مع التدخلات والمطالبات الأمريكية في الفترة السابقة بلغة هادئة منتهجاً الدبلوماسية الناعمة، التي تتنافي مع الأسلوب العسكري الخشن، وذلك تقديرا للظرف الاستثنائي الذي تمر به مصر، إلا أن هذه التدخلات والمطالبات السافرة قد زادت عن حدها، ووضعت المجلس العسكري في موقف حرج أمام الشعب المصري، حيث بدا وكأنه يتلقي الأوامر الوطنية من الخارج، ولأن المجلس لا يمكنه الرد بقوة في وجه أمريكا لوقف تدخلاتها، فقد أوعز إلي وزير الخارجية الذي أعلن يوم الأحد الماضي صراحة رفض مصر وتحذيرها من أي تصريحات أو تدخلات خارجية في الشأن المصري. المثير في الأمر أنه ليست أمريكا وحدها هي التي تسعي للسيطرة بشكل أو بآخر علي جوانب سياسية في مصر، فهناك قوي لا يُمكن إغفالها وهي «البنك الدولي – الاتحاد الأوروبي – بعض من دول الجوار العربي – إسرائيل» وتختلف مآرب كل قوة عن غيرها في أمور بعينها، وتتلاقي في أخري، لكنها في نهاية الأمر تتبني مصالحها بالدرجة الأولي، وهناك بعض القوي التي لا تريد أن ترفع مصر قامتها وتزداد قوتها في منطقة الشرق الأوسط، ناهيك عن محاولات التدخل من دول الجوار وغير الجوار العربي والخليجي في مصر، خاصة تلك التي لن تطلها الثورات العربية، ولا تزال مشاعر الخوف تتصاعد لدي أنظمتها خشية انتقال فكرة الثورة من مصر لدولها لتهز عروشها وتسقط انظمتها، خاصة تلك التي تعتبر ضمن حلفاء الولاياتالمتحدة في المنطقة, ذلك فإن كثيراً من هذه الدول طلبت كثيراً عبر قنوات سرية من حكومات مصر المُتعاقبة بعد ثورة يناير أن تتوخي الحذر من مغبة تصدير الثورة لبلادهم، وفرضت العديد من هذه الدول ما يشبه الحصار السياسي والاقتصادي مع مصر، ومنها من حاول افتعال المشاكل والأزمات لإيجاد الفرصة للمقاطعة والإضرار بالعلاقات القائمة وطرد العمالة المصرية لديها. ولأن مصر بقيت قرابة عام ونصف العام بلا رئيس، وتحت سلطة عسكرية تقود البلاد في حالة فريدة لهذا البلد المركزي العام في المنطقة العربية والشرق الأوسط عامة، فإن مصر ليست حالة فريدة في العالم، لأنها إن بقيت بلا رئيس هذه الأشهر، فهناك دول في أوروبا بقيت بلا حكومة فترة مماثلة بل أكثر، منها هولنداوبلجيكا، والأخيرة أبرز مثال علي بقاء الدولة قوية بعيدة عن أي تدخلات خارجية حتي وإن بقيت أشهراً طويلة بلا حكومة، وذلك علي النقيض من مصر التي كان بها دوماً حكومة ولكنه غياب الرئيس عنها جعلها مرتعاً للتدخلات الخارجية، خاصة الأمريكية، فقد تختلف القوي السياسية في كل دول العالم علي كيفية إدارة الشئون السياسية والاقتصادية في بلادها، وتتنوع الرؤي والمواقف بين ذات اليمين وذات اليسار، وبينها تيارات وسطية تجنح بعضها لهذا الاتجاه أو ذاك، أو تقف ثابتة كرمانة ميزان سياسية تحكم المُجتمع وتحميه من السقوط أو الانجراف الذي قد يؤدي به إلي الجنوح لمنحي مُتطرف «وهو ما يوصف بالراديكاليين أو اليمين المُتطرف السياسي»، وحينما يُنظر لمشهد اجتماعي علي هذا النحو في دولة ما في الغرب الأوروبي نجد أن التوصيف يأتي علي أنها حالة الديمقراطية والحُرية التي تفسح مجالات التعبير عن الرأي، دون فرض وجهة نظر أو موقف بعينه لقوي سياسية بذاتها، لكن في حالة تنامي وتنوع التوجهات السياسية في مصر، وهي علي أول درجات سلم الديمقراطية، نجد كثيراً من التوصيفات الغربية لما يحدُث في مصر بعد الثورة علي أنه سلبي أكثر من إيجابي. ونعود إلي النموذج البلجيكي، فقد بقيت بلجيكا حوالي 500 يوم بدون حكومة، عانت خلالها من أزمات سياسية وفرقة كبيرة بين مُختلف الأحزاب ومنها اليمين المُتطرف الذي ينتهج سياسات راديكالية مُتطرفة ضد الأجانب، ولكن كل هذا لم يعط الجرأة لأي مسئول سياسي أمريكي أو من دول الاتحاد الأوروبي الشركاء معها في مجموعة الاتحاد لإطلاق تصريحات تنتقد حكماً قضائياً في بلجيكا، أو توجه اللوم لقوي سياسية بعينها أو تساند قوي أخري، مثلما فعلت مؤخراً «هيلاري كلينتون» وزيرة الخارجية الأمريكية بتدخلها السافر في الشئون الداخلية المصرية، بتدخلها في أحكام المحكمة الدستورية العليا، في محاولة أمريكية واضحة لتأليب قوي سياسية ضد أخري في مصر، وبث الفتنة بين شرائح الشعب المصري. ورغم رفضنا للتدخل الأمريكي والأوروبي والإسرائيلي وحتي العربي في الشأن المصري الداخلي، خاصة أن حكم مصر صار للشعب بعد الثورة، وأصبحت الديمقراطية واضحة المعالم نسير إليها لو بخطي بطيئة، لكن لا يمكن في نفس الوقت إغفال أن انشقاقات القوي السياسية الحالية هي التي افسحت نسبياً المجالات لتدخلات خارجية في شئون مصر الداخلية، وأن أخطاء الكيانات السياسية قد دفعت دول خارجية بعينها للتجرؤ علي هذه التدخلات، ويحدُث ذلك في ظل وجود محاولات خارجية لفرض إملاءات علي السُلطات التنفيذية المصرية، خاصة حكومة واشنطن التي تسعي للحصول علي ضمانات عدم تعديل «اتفاقية كامب ديفيد» مع إسرائيل، كما أن التسابق الغربي - الأوروبي يسير علي قدم وساق لاختراق الداخل المصري، وهو هدف استراتيجي مُتعمد، حتي لا تتحول مصر لدولة ذات نظام ديمقراطي حقيقي، يُحدث تأثير الكرة الثلجية في منطقة الشرق الأوسط، وتتحول دوله إلي ديمقراطيات تؤثر بالسلب علي مصالح أمريكا وإسرائيل. والآن وبعد فوز محمد مرسي بكرسي الرئاسة، فان أمريكا تنظر إلي رئيس مصر الجديد بعين من الترقب وهي علي استعداد لتخريب المشهد السياسي بصورة أو بأخري بالتدخل والتأليب، إن لم يكن نظام حكم مرسي غير مرغوب فيه، فهي لديها خطة جاهزة لإسقاطه، عبر وسائل «ديمقراطية», وهو ما قد أشار إليه كتاب صادر عن مؤسسة بيت الحُرية «freedom house» في واشنطن, التي يرأسها اليهودي «بيتر أكرمان», صاحب نشر فكرة تغيير الأنظمة بصورة ديمقراطية غير عنيفة من خلال دعم مراكز حقوق الإنسان, وبعض الصحف المستقلة علي مستوي العالم، باستهداف جمعيات حقوق الإنسان، والجماعات الشبابية، والصُحف، ومؤسسات المجتمع المدني، ويتضمن هذا الكتاب 67 طريقة لقلب أنظمة الحكم بصورة سلمية، باستخدام مؤسسات المُجتمع المدني، ودفعها نحو مبادرات المقاطعة وحشد المظاهرات الكبري, وتعطيل حركة المرور، وإعلان الإضرابات والاعتصامات، لإرباك المشهد السياسي وتأليب الشعب ضد النظام والعمل علي إسقاط الرئيس، وهي خطط جاهزة تحركها التمويلات الأمريكية في أي لحظة. وإذا كان الكيل قد فاض، وأعلن وزير خارجية مصر تحذيراً مهماً لدول العالم الخارجي من إطلاق تصريحات تدخل في الشأن المصري، فعلي الرئيس المصري أن يكون حذراً في المرحلة القادمة، وأن يسعي إلي المصالحة الوطنية الحقيقة لسد كل ثغرات الخلافات والشقاق التي تنفذ منها امريكا لفرض إملاءتها واشتراطاتها لدي أي من دول المنطقة.