بعد مرور ستة أشهر علي الإطاحة بالرئيس المصري السابق، حسني مبارك، في الاحتجاجات العارمة المطالبة بالديمقراطية تواجه المحاولات الأمريكية المستمرة لدعم الإصلاحات الديمقراطية في مصر ردود أفعال غير متوقعة متسببة في ضجة كبيرة لدي الرأي العام مؤثرة علي علاقة واشنطن بأحد أقرب حلفائها في العالم العربي. فقد أججت إدارة أوباما لضخ 65 مليون دولار في مصر خلال السنة الجارية للمساعدة في تنظيم الأحزاب السياسية الجديدة ردود فعل متشنجة من الحكومة العسكرية المؤقتة ومن الأحزاب الإسلامية، بل حتي بعض النشطاء المطالبين بالإصلاح. وفي هذا السياق عمدت الحكومة العسكرية علي تصوير الجماعات التي تستفيد من التمويل الأمريكي علي أنها عميلة لعناصر أجنبية، كما كافحت علي مدي أشهر خلف الكواليس لمنع واشنطن من منح أموال إلي الجماعات المطالبة بالديمقراطية خارج الإشراف المباشر للقاهرة. وكان النزاع حول الموضوع قد طفا إلي السطح يوم الأربعاء الماضي عندما انتقدت وزارة الخارجية الأمريكية ما أسمته بالمشاعر المناهضة لأمريكا التي تطغي علي الخطاب العام في مصر « مشيرة إلي أن انتقادات القاهرة للولايات المتحدة وتشكيكها في أهدافها هو غير دقيق وغير عادل. وحذرت المتحدثة باسم الوزارة «فيكتوريا نولاند» من مشاعر العداء لأمريكا التي بدأنا نلمسها في النقاشات المصرية، منددة بالهجوم الشخصي الذي استهدف «آن باتيرسون»، السفيرة الأمريكيةالجديدة لدي مصر، معتبرة ما نشرته إحدي المجلات التابعة للدولة من أن السفيرة «قادمة من الجحيم» غير مقبول ولا يمكن السماح به. وقد حرص المسئولون الأمريكيون ووزيرة الخارجية، «هيلاري كلينتون» علي إثارة الموضوع مع مدير المخابرات المصرية الجديد، اللواء مراد موافي، خلال زيارته إلي واشنطن في 28 يوليو الماضي، وبحسب «دانيال كورتر» السفير الأمريكي السابق لدي مصر خلال إدارة كلينتون بعد هذا الجدل المحتدم في القاهرة بشأن تقديم المساعدات الأمريكية إلي منظمات وأحزاب سياسية «دلالة علي أن نفوذنا في مصر سيتراجع في المرحلة المقبلة». لكن الصدام يدل أيضاً علي الحذر المصري تجاه النوايا الأمريكية حتي في الوقت الذي تستمر فيه القاهرة في تلقي 1.3 مليار دولار سنوياً من المساعدات العسكرية، دون أن ننسي ما يعكسه الجدل من صراع سياسي يجري حالياً في مصر بين المجلس العسكري الحاكم وبين القوي السياسية المختلفة التي تسعي إلي التموضع قبيل الانتخابات العامة المقررة عقدها في الخريف المقبل. وعن هذا الموضوع صرح اللواء سعيد العصار، عضو المجلس الأعلي للقوات المسلحة في اللقاء الذي نظمه «معهد السلام في واشنطن»: «نريد المساعدة لكن ليس التدخل»، غير أن استهداف أمريكا من الحكومة المصرية كان له تأثير مباشر علي الرأي العام، حيث تشير استطلاعات الرأي إلي تدني شعبية الولاياتالمتحدة لدي الشعب المصري إلي 5% وهي أقل حتي من النسبة التي وصلتها خلال إدارة الرئيس بوش. والأمر لايقتصر علي المساعدات الخارجية، بل امتد التشاحن في العلاقات الأمريكية المصرية إلي ما أبدته المؤسسة العسكرية، التي تعتبر الأقوي في مصر، من رغبة واضحة في رسم سياسة خارجية مستقلة عما كانت عليه في السابق، بما في ذلك سعيها إلي رأب الصدع مع عدوين لأمريكا هما إيران وحركة «حماس» الفلسطينية، هذا في الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة استعدادها لقبول 17 مليار دولار من المساعدات التي تقدمها السعودية وباقي دول الخليج العربي. ويبدو أن المزاج العام ازداد حدة وتشككاً في أمريكا خلال الأسابيع الماضية عندما أبدي المجلس العسكري انزعاجه من استمرار الاعتصامات في ميدان التحرير وسط القاهرة، فسعي إلي تصوير المعتصمين والجماعات المعارضة علي أنها عميلة للمصالح الأجنبية. وفي السياق نفسه اتهم اللواء، حسن رويني، أحد أعضاء المجلس الأعلي للقوات المسلحة المصرية «حركة 6 أبريل الشبابية، وهي إحدي الحركات المهمة في مصر، بأن ما تقوم به يرقي إلي الخيانة العظمي «بسعيها للوقيعة بين الجيش والشعب» بل أضاف اللواء الذي سعي علي ما يبدو للتشكيك في الحركة أن 600 من المنظمات المصرية تقدمت بطلبات مساعدة للولايات المتحدة، وقد عبر «علي السلمي»، نائب رئيس الحكومة المصري للشئون السياسية عن موقفه المعارض للدعم الخارجي قائلاً «إن الحكومة ترفض أي تمويل خارجي لحركات مصرية بذريعة دعم الديمقراطية». وفي ظل هذه الأجواء، لم تعد المنظمات الأهلية تجرؤ علي قبول الدعم من الخارج وباتت متخوفة من وصمها بالعمالة، ويأتي هذا الرفض الرسمي لأي مساعدة من الخارج في وقت تتنامي فيه الشكوك ونظريات المؤامرة من أن الولاياتالمتحدة وإسرائيل مشتركتان في خطة لإجهاض الثورة المصرية واختطافها لصالحهما، بل إن تنظيم «القاعدة» نفسه سعي إلي الاستفادة من هذه الأجواء من خلال الشريط الصوتي الذي أطلقه، أيمن الظواهري موجهاً فيه التهم لأمريكا بأنها تريد اغتصاب الثورة المصرية لحماية مصالحها. ويبدو أن النشطاء المصريين أنفسهم منقسمون في مواقفهم إزاء المساعدات الأمريكية، ففيما يعبر البعض عن تشككهم، لا سيما بعد الدعم الذي خصصته أمريكا لمبارك علي مدي العقود الثلاثة الماضية يري البعض الآخر أن الوقت حان كي تستقل مصر بقرارها السياسي وتقيم بنيتها السياسية الخاصة بها دون تدخل خارجي، أما فريق ثالث فلا يعتقد أن التمويل الأمريكي يكتسي كل هذه الأهمية، وبالتالي يستحق كل هذا الجدل. بول ريشتر وجيفرى فليشمان ترجمة داليا طه