الرئيس أوباما أمام " أيباك " : وجود إسرائيل قوية وآمنة يصب في مصلحة الأمن القومي الأمريكي للمرة الثانية منذ انتخابه رئيسا للولايات المتحدة، يوجه الرئيس الأمريكي باراك أوباما خطابا للعالم العربي في 19 مايو ، بعد خطابه الأول في القاهرة موجها للعالم الإسلامي في 4 يونية 2009، راسما الخطوط العريضة للسياسة والتوجهات الأمريكية تجاه المنطقة، في ظل لحظة تاريخية فارقة تموج بالتغييرات العاصفة من جراء الثورات العربية الديمقراطية، والانتفاضات الشعبية، والتي خلقت واقعا جديدا تحاول واشنطن سبر أغواره، وخلق جسور للتواصل مع قواه الفاعلة علي أمل استعادة زمام الأمور، وإثبات الوجود والمشاركة، خشية أن تخرج الأمور عن نطاق السيطرة . ومع تعدد القضايا التي طرقها الخطاب التاريخي للرئيس أوباما والذي أطلق عليه ( القاهرة 2 )، اختارت واشنطن التركيز وإعطاء الأولوية " للربيع العربي " والثورات الشعبية التي نجحت حتي الآن في الإسقاط النهائي لرئيسين عربيين، من أهم حلفاء أمريكا، حسني مبارك وزين العابدين بن علي، ومضت الثورات بالفعل في تقويض حكم عدد من الرؤساء الآخرين، الليبي معمر القذافي، والسوري بشار الأسد، واليمني علي عبد الله صالح، فضلا عن الانتفاضات والتململ الشعبي، والثورات الكامنة في أنحاء أخري من المنطقة العربية، والتي تنتظر موعدها المرتقب . غير أن خطاب أوباما حمل أيضا تطورا آخر بالنسبة لعملية السلام والصراع العربي الإسرائيلي، حيث دعا الرئيس باراك أوباما إلي إقامة دولة فلسطينية علي حدود عام 1967، واعتبر هذا المبدأ أساسا للسياسة الأمريكية، من الآن فصاعدا، في قضية السلام في الشرق الأوسط، الأمر الذي أثار خلافا أمريكيا إسرائيليا، يسعي الجانبان إلي احتوائه، بينما أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الكونجرس الأمريكي " هذه أراضي أجدادنا من إبراهيم وداود، ولا أحد يستطيع إنكار 4 آلاف عام من الروابط بين الشعب اليهودي والأرض اليهودية، مشيرا إلي ما يسميه " حق الفلسطينيين للمشاركة في هذه الأرض، وتمتعهم بالحياة والكرامة في دولتهم " . المصداقية الأمريكية جاء الخطاب الجديد الذي وجهه الرئيس الأمريكي باراك أوباما للمنطقة العربية في ظل مرحلة تهتز فيها صورة الولاياتالمتحدة في العالمين العربي والإسلامي ، مما ألقي بظلال كثيفة علي مصداقية الخطاب الأمريكي، ومدي تأييد الشعوب العربية والإسلامية للسياسات الأمريكية، وبالتالي تقبل شعوب المنطقة للوعود التي أطلقها أوباما في خطابه التاريخي . فقبل يومين من إلقاء أوباما كلمته، نشر معهد " بيو ريسرش سنتر " نتائج استطلاع للرأي حول مدي التأييد للولايات المتحدة، وأثارت هذه النتائج دهشة في الأوساط الأمريكية بسبب تراجع صورة الولاياتالمتحدة في العالم، ففي أندونيسا علي سبيل المثال، حيث أمضي أوباما قسما من حياته فيها، تراجعت نسبة المؤيدين للولايات المتحدة من 59 % إلي 54 % بين عامي 2010 2011 . كما أنه من الملاحظ أنه حتي في الدول الحليفة للولايات المتحدة لايعتبر الرئيس أوباما، في وقت إجراء الاستطلاع ، من الرؤساء المتمتعين بالشعبية، ففي الأردن، وهو بلد حليف لأمريكا، تصل نسبة التأييد إلي 13 % بتراجع ثماني نقاط عن نسبة التأييد السابقة في 2010، وفي تركيا تراجعت الآراء المؤيدة لأمريكا من 17 % إلي 10 %، وقال 12 % من الأتراك إنهم يثقون بالرئيس أوباما، بتراجع 11 نقطة عما كان عليه في 2010 ، وفي باكستان حصلت الولاياتالمتحدة علي نسبة تأييد لا تتجاوز 11 %، بينما ارتفعت نسبة الثقة بالرئيس أوباما من 8 % إلي 10 % . ويعلق محلل سياسي بقوله إن الاستطلاع أجري قبل الإعلان عن عملية قتل القوات الأمريكية لزعيم القاعدة أسامة بن لادن، وأنه لو أجري الاستطلاع لاحقا، ستكون هناك نتائج جد مختلفة . من هنا، فإن خطاب الرئيس أوباما الموجه للعالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط أثار بقوة قضية " المصداقية الأمريكية " ومدي جدية السياسات الأمريكية من ناحية، كما وجه الانتباه إلي مسألة مدي قدرة الولاياتالمتحدة علي إنفاذ السياسات الخارجية التي تطرق إليها أوباما في خطابه، أم اعتبارها مجرد وعود غير قابلة للتنفيذ، من ناحية أخري، وكذلك، مدي الاستعداد الأمريكي للاعتراف بحقائق الأمر الواقع الجديد في المنطقة العربية، في ظل ما تطلق عليه الدوائر الغربية " الربيع العربي " . وفي هذا الصدد، يشار إلي أنه بعد أن ألقي أوباما خطابه الأول منذ عامين، لدعم العلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي، فإن المصداقية الأمريكية تقوضت علي مدي الفترة السابقة حيث ظلت الولاياتالمتحدة في دعم ومساندة حلفاء مستبدين وحكام شموليين، كما استمرت واشنطن في دعم إسرائيل وحمايتها بكل الوسائل علي حساب الحقوق العربية، واستمرت قضية أمريكا الأولي هي حماية إمدادات النفط من المنطقة العربية علي حساب أي شيء آخر . واليوم ينصب الاهتمام علي الجديد الذي يمكن أن تقدمه أمريكا . فقد اعترف الرئيس أوباما أن الولاياتالمتحدة لم تكن هي صاحبة مبادرة التغيير الديمقراطي والثورات التي تجتاح المنطقة العربية، ولا تستطيع الأوساط الأمريكية تجاهل استشعار غالبية المواطنين العرب بأن قضاياهم لم تحتل أولوية في الأجندة الأمريكية سابقا، كما تقر الدوائر والإدارة الأمريكية بأن شعوب الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا أدهشت أمريكا والغرب، لأنها الآن، إلي حد كبير، تستعيد زمام المبادرة في بلدانها، وتستعد لرسم خطوط مستقبلها وفقا لإرادة شعوبها بالدرجة الأولي. لذلك نتلمس بعضا من التغيير المفترض في الخطاب الأمريكي، كما عبر عنها الخطاب الجديد لأوباما، والذي سعي جاهدا للتأكيد علي وجود اعتقاد لدي الأمريكيين، ولدي الرئيس أوباما بأن المصالح الأمريكية لا تتعارض مع حركات التغيير الديمقراطية العربية، وتطلعات الشعوب لنيل حقوقها السياسية والاقتصادية، وأنه من الممكن أن " تتواءم " السياسة الأمريكية مع طموحات الإنسان العربي العادي " وهكذا وجدنا الرئيس الأمريكي يندد بقمع الرئيس السوري للاحتجاجات الشعبية في سوريا، وبالرغم من فرض أمريكا عقوبات علي الرئيس بشار الأسد، غير أن واشنطن ترددت في المطالبة برحيله، خشية انتشار الفوضي. كما دعا أوباما الرئيس اليمني علي عبد الله صالح إلي نقل السلطة . غير أن حدود القدرة الأمريكية سمحت فقط للرئيس أوباما بأن يدعم مطالب العائلة المالكة السنية في البحرين، بالقانون والنظام، وأن يدعم مطلب الأغلبية الشيعية بالإصلاح، فالبحرين هي مقر الأسطول الخامس الأمريكي، ولم يأت أوباما علي ذكر السعودية، أكبر منتج للنفط في العالم، والتي تحظر أية مظاهر للمعارضة، وأرسلت قوات عسكرية إلي البحرين، لقمع الحركة الديمقراطية هناك . وتقول باحثة سعودية إن أوباما تغزل في كل ثورة عربية علي حدة، ولكنه عامل هذه الثورات بما يتفق مع المصالح الأمريكية، فلم يتوجه بكلمة واحدة للمطالب الإصلاحية التي يطمح السعوديون إلي تحقيقها، وهو ما يعني أن الرؤية الأمريكية تقوم علي أساس الاحتفاظ بالنظم التي ترتبط بقوة بالمصالح الأمريكية، وأن تكون النظم الجديدة في الدول التي تغيرت قياداتها تتفق مع هذه المصالح ، ويقول الكاتب الصحفي اليستر ليون إنه في عالم عربي يموج بالاضطرابات السياسية، ويعاني مشاكل اقتصادية، تبدو كلمات الرئيس أوباما " كلمات نبيلة .. لكنها بلا مغزي "، وقالت صحيفة نيويورك تايمز إن أوباما غازل الشرق الأوسط، وعينه علي أصوات الناخبين الأمريكيين، فللخطاب مغزاه بالنسبة للداخل الأمريكي، وسعي أوباما لفترة رئاسة ثانية، وعلقت الجارديان البريطانية بأن أوباما لن ينحاز إلي جانب الإصلاح، إذا ما تعارض مع مصالح أمريكا الاستراتيجية. كيف تفكر أمريكا ؟ تناول خطاب الرئيس أوباما الحديث عن الإصلاح الديمقراطي في البلدان العربية، وحق الإنسان العربي في نيل حقوقه السياسية والاقتصادية، وثورات العرب من أجل الكرامة والعدل، وشجب العنف ضد الشعوب واستخدام الحكم الديكتاتوري للقوة ضد المطالبين بالحرية، وضرورة التسامح مع الأقليات، وحاجة أمريكا لمواءمة مصالحها مع الواقع الجديد في المنطقة العربية التي تشرع في تقرير مصيرها من جديد، وبناء علي هذا النوع من الخطاب الأمريكي، شرع أوباما في رسم " صورة جديدة " للولايات المتحدة، تبدو فيها نوعية " القوة الذكية " الأمريكية، لكسب القلوب والعقول في العالم العربي ومحورها مقولته « إن مستقبلنا مرتبط بهذه المنطقة بفعل قوي الاقتصاد والأمن والتاريخ والإيمان" . وفي تحليل مضمون الخطاب هناك ما هو شخصي يتعلق بالرئيس أوباما ، وهناك ما هو موضوعي يتعلق بالمحيط السياسي للرئيس الأمريكي، وفي الجانب الشخصي يبدو أوباما مؤيدا لقضية "التغيير " فهذا هو الشعار الأساسي الذي قامت عليه حملته الانتخابية وجذب إليه قلوب الأمريكيين، قبل عقولهم، ويقول الكاتب ديفيد اغناتيوس " إن أوباما قادم من عصر فرانز فانون، وأصحاب نظريات التغيير الشامل، .. وقد عقد أوباما اجتماعات عديدة لبحث التغييرات في المنطقة، وعلي حسب شخصية أوباما، فليست كل ثورة أو حركة شعبية تكون بالضرورة كارثية مثل ثورة إيران في 1979، فهناك نماذج إيجابية مثل ثورة الفلبين لإسقاط ماركوس في 1986، وسقوط حائط برلين في 1989، والإطاحة بديكتاتور أندونيسيا في 1998، وهو ما يتذكره أوباما منذ أيام طفولته، ويربط أوباما في ذاكرته شكل الحياة في دولة ديكتاتورية بالخوف والتوتر" ، ثم يستنتج اغناتيوس أن تاريخ أوباما الشخصي يمنحه فرصة فريدة في التواصل مع جيل الشباب الذي يقوم بالثورات العربية . أما عن الجانب الموضوعي الذي أثمر خطابا أمريكيا يؤيد التغيير الديمقراطي في المنطقة العربية فيتركز في الأثر الذي تركته الثورات العربية في الشعب الأمريكي، ففي استطلاع للرأي أجرته جامعة ميريلاند الأمريكية جاء أن 56 % من الأمريكيين ينظرون الآن للشعوب العربية نظرة إيجابية، وللمصريين خصوصا بنسبة 70 % وهي أكبر نسبة تأييد من الشعب الأمريكي، وأكد 39 % من المستطلعة آراؤهم أنهم باتوا الآن أكثر تعاطفا مع الشعوب العربية منذ اندلاع الثورات، والمثير هنا أن 60 % من هؤلاء دعموا المطالب العربية الديمقراطية، حتي ولو جاءت في المستقبل بأنظمة معارضة للمصالح الأمريكية، ويؤكد ستيفن كال مدير"البرنامج حول المواقف السياسية الدولية " أن معظم الأمريكيين يؤيدون التيارات المطالبة بالديمقراطية، حتي ولو جاءت بتحديات جديدة أمام أمريكا " . وفي السياق، أكدت 65 % من الآراء أن اتجاه دول الشرق الأوسط للديمقراطية سيمثل تطورا إيجابيا للولايات المتحدة في المستقبل، وأكثر من ثلثي الأمريكيين يرون أنه علي الإدارة الأمريكية عدم التدخل في التطورات العربية الراهنة ، ورأي 65 % أنه علي أمريكا عدم التدخل فيما يجري في السعودية من تظاهرات تطالب بالديمقراطية، وارتفعت نسبة التأييد لمصر كبلد من 40 % إلي 60 % بعد ثورة 25 يناير . إذا انتقلنا إلي القضية الأخري التي تشغل الغربيين عموما تجاه تطورات المنطقة العربية، وما ينتظرها مستقبلا، وما يتعلق بمدي قوة التيارات الدينية، فإن الاتجاه العام يسير في اتجاه تخفيف مخاوف الغربيين والأمريكيين من قوة التيارات الإسلامية تحديدا . ويقول ألفريد ستيبان الأستاذ الأمريكي في العلوم السياسية، والمتخصص في دراسة التحولات الديمقراطية في العالم الثالث إنه في أية انتخابات حرة ونزيهة، لن يحصل الإخوان المسلمون ومجمل الإسلاميين علي أكثر من 25 % من أصوات الناخبين، وبالتالي فإن القلق من صعود الإسلاميين وسيطرة الإخوان المسلمين علي الحكم، هو أمر مبالغ فيه، ومن يقول إن الإخوان والحركات السلفية ستحصل علي أغلبية حاسمة في أي انتخابات تشريعية قادمة في مصر فإنه يبالغ، لأن ذلك لم يحدث حتي في إيران . غير أن ستيبان في تحليلاته يؤكد علي أمرين : الأول : أن الإخوان المسلمين ربما ستكون من أكثر الحركات القابلة للتطور مستقبلا لأن بها نسبة كبيرة من الشباب . والثاني : أنه انطلاقا من أن مصر بلد يمثل فيه الإسلام أمرا مهما للمواطنين، فإنه علي الأحزاب الجديدة والحالية أن تبدع في رؤيتها لقضية كيف يخدم الإسلام قضية الديمقراطية، كل حسب رؤيته، حتي لا تكون المنافسة في هذا المجال مقصورة علي التيار الديني وحده . وهذه الأفكار، يبدو أنها تؤتي انعكاساتها في جوانب الإدارة الأمريكية .وفي تصريح له مغزاه لمستشارة أوباما للشئون الإسلامية حول الاستراتيجية التي ستتبعها أمريكا والرئيس أوباما مستقبلا تجاه مصر تقول "إنه من المنتظر أن يتعامل أوباما مع مصر بطريقة إيجابية، أقرب إلي سياسة أمريكا تجاه تركيا، وبصورة ترتكز علي المصالح المشتركة، لأن مصر ستصبح مثل تركيا، ذات قوة ووزن في المنطقة "، وتؤكد مستشارة أوباما " أن الديمقراطية في مصر ستغير المنطقة بكاملها " . ويبقي ما يطرحه البعض من تساؤلات، في ضوء ما وعد به الرئيس أوباما في خطابه، ومن هذه التساؤلات : هل يمكن أن تغير الثورات العربية من مسار العلاقات العربية الأمريكية، بحيث يقترب صانع القرار الأمريكي من الاحتياجات الحقيقية للعرب ؟ وفي هذا السياق يشير الدكتور جيمس زغبي رئيس المعهد العربي الأمريكي إلي أنه إذا أسفرت الثورات العربية عن حكومات ديمقراطية حقيقية، سيكون علي أمريكا أن تتقبلها وتتعامل معها، وسوف يضع ذلك بعض القيود علي السياسة الأمريكية، وسوف تكون القيادات العربية أقل تكيفا مع المصالح الأمريكية، ولكن علي الجميع أن يضع في اعتباره توجهات الشعوب والرأي العام . أمريكا .. وإسرائيل لاشك أن أحد مفاتيح التعامل بين الولاياتالمتحدة والعرب يتمثل في نوعية العلاقة بين إسرائيل وأمريكا، كمحدد رئيسي للمسار الذي يمكن أن يتخذه هذا التعامل . وعلي مدي عقود، يتم النظر (أمريكيا ) إلي قضية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني باعتبارها : الإنسانية الإسرائيلية في مقابل المعضلة العربية . ويفسر ذلك جيمس زغبي، وهو من اللبنانيين العرب الأمريكيين، بقوله " لقد كنا نتساءل لماذا لا ينظرون إلي العرب علي أنهم أناس حقيقيون، لهم ثقلهم في المعادلة عند صناعة القرارات ؟ .. لقد تغير الخطاب الأمريكي تجاه الفلسطينيين، ويتحدث الجميع الآن عن حل الدولتين، ولكن السياسة والممارسة الأمريكية ، لم تتغير .. " وهذا هو تحديدا المشكل الذي يمثله موقف الرئيس أوباما الراهن حيال المشكلة الفلسطينية . لقد أغمضت الولاياتالمتحدة عينيها عن القمع الإسرائيلي، واستمرار بناء المستوطنات، ولن يتسني التوصل إلي حل إلا بوجود رئيس أمريكي يقول لإسرائيل ( لا ) و ( يكفي )، ويوقف التأييد المطلق لإسرائيل . في ضوء هذا الواقع، جاء موقف الرئيس باراك أوباما بالمطالبة بالاستناد إلي حدود 1967 كأساس لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، مما أثار ضجة وخلافات وردود فعل غاضبة في الدوائر الأمريكية، والإسرائيلية . وهنا يكون السؤال : هل يمثل طرح الرئيس أوباما موقفا أمريكيا جديدا تجاه إسرائيل ؟ ولمتابعة هذه الفكرة تحديدا، يمكن إلقاء الضوء علي عدة حقائق علي الوجه التالي : 1 - تؤكد دوائر أمريكية وعربية أن الحديث عن حدود 1967 ليس أمرا جديدا، ويقول الكاتب جيفري جولد بيرج في موقع اتلانتك علي الانترنت إن هذه الفكرة كانت أساسية لمدة 12 سنة علي الأقل، وهذا ما تحدث عنه بيل كلينتون وإيهود باراك وياسر عرفات في كامب ديفيد، وفيما بعد في طابا، وهذا كان ما تحدث عنه بوش مع شارون وايهود اولمرت، وليس ثمة صفقة جديدة في عرض أوباما الذي يعتبره البعض تغييرا جذريا في سياسة أمريكا تجاه إسرائيل، فالسفير الإسرائيلي السابق لدي الولاياتالمتحدة دور جولد يقول إن موقف أوباما ينطوي علي تغيير، وتراجع عما كانت أمريكا التزمت به قبل عشرة أعوام . أما يوسي بيلين، مفاوض السلام لصالح إسرائيل فيقول " إن ما أشار إليه أوباما هو " سابقة تاريخية "، فالرئيس بوش تحدث عن إنهاء الاحتلال الذي بدأ في عام 1967، لكن صيغة أوباما تشير إلي تبادل مماثل للأراضي في اتفاق نهائي، وأن الحل يجب أن يستند إلي حدود 1967، مع تبادل أراض متفق عليه من كلا الجانبين، مما يعني أنه إذا احتفظت إسرائيل ببعض المستوطنات القريبة، كما هو متوقع، فسيكون عليها التخلي عن مساحة مماثلة من الأرض للدولة الفلسطينية المستقبلية داخل حدودها . وهذه الصيغة تتجاوز ما دعا إليه الرئيس كلينتون عام 2000، ويتماشي مع أحد مطلبين من جانب الفلسطينيين للعودة إلي مفاوضات سلام مباشرة . ويضيف مستشار أمريكي سابق أن ما أعلنه أوباما لا يعد مفاجأة من الناحية الفعلية، لأنه منذ بداية عملية السلام كان الموقف العربي ينطلق وينتهي عند اعتبار حدود 1967 أساس المفاوضات، غير أن ما يمكن اعتباره جديدا هو رغبة أوباما في أن يكون هذا المبدأ هو الأساس في التوجه الأمريكي تجاه عملية السلام . 2 - أيضا، ليس ثمة موقف أمريكي جديد تجاه إسرائيل، وهو ما تبين من خطاب الرئيس أوباما أمام المؤتمر السنوي للجنة الشئون الأمريكية الإسرائيلية " أيباك " في واشنطن، حيث أكد أوباما رفضه لأي محاولة لعزل إسرائيل داخل الأممالمتحدة، وأن تصويتا داخل الأممالمتحدة لن يقيم أبدا دولة فلسطينية، وأن أمريكا تلتزم باستمرار التفوق العسكري الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط، وسوف تساعد أمريكا إسرائيل عسكريا بما يتجاوز المساعدات العادية، وأن وجود إسرائيل قوية وآمنة يصب في مصلحة الأمن القومي الأمريكي، وأن الاتفاق الأخير بين فتح وحماس يمثل عقبة كبيرة أمام السلام، وتتحمل حماس مسئولية الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، ونبذ العنف، والالتزام بالاتفاقات القائمة كلها ... وأمام " أيباك " أعاد أوباما تكرار دعوته لقيام دولة فلسطينية ضمن حدود 1967، مع تبادل للأراضي، مشددا علي أن هذا التبادل سيؤدي إلي ترسيم للحدود يختلف عن ذلك الذي كان قائما عام 1967 " بعد أخذ الحقائق الديمغرافية الجديدة علي الأرض في الاعتبار " . ومن المعروف أن منتدي " أيباك " السنوي يعتبر حدثا سياسيا مهما يشارك فيه القادة من الحزبين الأمريكيين الجمهوري والديمقراطي، ومسئولون إسرائيليون، ومن الواضح أن أوباما، اختار موقفه المعلن بعناية فائقة لكسب رضا الجميع، عربيا، وإسرائيليا، ولكن بدون تغيير حقيقي في السياسة الأمريكية . ونعرف أن جورج ميتشل المبعوث الأمريكي للسلام في الشرق الأوسط أعلن استقالته من مهمته مؤخرا بعد فشل محاولات استئناف المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وهو ليس فشلا لجهود ميتشل بقدر ما هو فشل للسياسة الأمريكية، التي تؤيد إسرائيل، حتي علي حساب المصالح الأمريكية، وقد توقع ميتشل أنه بعد وصول دنيس روس، إلي طاقم مجلس الأمن القومي، فلا أمل في أي تحسن، لأن روس هو مؤيد ومنحاز إلي إسرائيل بصفة مطلقة ، وعلي طول الخط . 3- علي الصعيد الإسرائيلي، يلاحظ أنه جري " تضخيم " ما أطلق عليه " الخلافات الجدية بين نتنياهو وأوباما " في وسائل الإعلام، وما يقف وراء هذه الخلافات من أهداف معينة . فصحيفة يديعوت أحرونوت تقول إن أوباما عُني بإبراز خلافاته مع نتنياهو لكي يكرس صورته كزعيم لا يخضع لضغوط إسرائيل وحلفائها في أمريكا، وبذلك يرضي العرب، أما نتنياهو فإنه يبرز الخلاف لكي يرضي رفاقه في معسكر اليمين المتطرف، ويحمي ائتلافه الحكومي، وكلاهما يعرف أنه لا توجد فرصة للسلام في الوقت الحاضر، فلا الفلسطينيون ولا الإسرائيليون جاهزون حاليا لدفع ثمن السلام، فلماذا يبذلان جهدا، من المعروف سلفا أنه لا جدوي منه ؟ . ومع ذلك، فإنه بالنظر إلي الاعتبارات الداخلية، والإقليمية في الوقت الراهن، فإنه لا مانع من استغلال كل طرف للحظة التاريخية الاستثنائية الحالية ، لبعث " الرسائل " الخاصة، إلي أطراف بعينها . وكان من ضمن هذه الرسائل، ما أعلنه عدد من اليهود الأمريكيين من أنهم يعيدون النظر في دعمهم لحملة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لإعادة انتخابه في 2012، ومسارعة بعض أعضاء الحزب الديمقراطي إلي محاولة تهدئة المجتمع اليهودي، وعينهم علي استعدادات أوباما للفوز بفترة رئاسة ثانية في البيت الأبيض . وفي المحصلة، يواجه الرئيس أوباما موقف اختبار دقيق للقوة، فقد بقي علي المؤتمر الحزبي للديمقراطيين أقل من أربعة أشهر، لتنطلق الحملة رسميا، وتحسم في أواخر نوفمبر من العام المقبل، وما يجري علي الأراضي العربية من ثورات وانتفاضات، وما تشهده الفترة القادمة من تطورات، قد يغير الكثير من الحسابات . 4 - علي نفس المنوال، بعث نتنياهو بعدة رسائل من خلال كلمته أمام الكونجرس الأمريكي، علي غرار : رفض إسرائيل القاطع لحدود 1967، ووسم حماس بالإرهاب، ورفض المصالحة بين فتح وحماس، والنظر إلي مشكلة اللاجئين الفلسطينيين علي أن حلها خارج حدود إسرائيل، ورفض تقسيم القدس كعاصمة دائمة لإسرائيل، والتفاخر بأن إسرائيل دولة ديمقراطية وحيدة، حتي الآن في المنطقة . وقد حظي نتنياهو بالتصفيق والترحيب في الكونجرس، والتأييد البالغ لجميع مواقفه، بلا استثناء، فيما بعث برسالة للرئيس أوباما بأن فكرته عن حدود 1967، لا تحظي بإجماع يذكر، ووقف هاري ريد زعيم الأغلبية الديمقراطية بمجلس الشيوخ ليؤكد الوقوف إلي جانب إسرائيل، وخدمة المجتمع اليهودي، وحق إسرائيل في الدفاع عن النفس، وأشاد بموافقة الكونجرس علي إتاحة التمويل الذي تحتاجه إسرائيل للمساعدات الأمنية في 2012 . 5 - بالنسبة للجانب الفلسطيني، فقد اعتبر موقف نتنياهو بمثابة " إعلان حرب " وسلبية لن تفيد عملية السلام، وإملاء جديد من جانب قوة الاحتلال العسكري الإسرائيلي . غير أن كثيرين أشاروا إلي إعلان اللجنة الرباعية الدولية الخاصة بالنزاع الفلسطيني الإسرائيلي دعمها القوي للأفكار التي طرحها أوباما بشأن عملية السلام، وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إن الاستناد إلي حدود 1967 قد يكون مخرجا للتقدم إلي الأمام، ورحبت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاترين أشتون بتأكيد أوباما علي أن الحدود بين إسرائيل وفلسطين يجب أن تستند إلي حدود 1967، وأيد وزير خارجية بريطانيا ويليام هيج الفكرة وموقف أوباما حول الدولة الفلسطينية استنادا إلي حدود 1967 .