متظاهرون: نقصد دار القضاء العالى عند وقوع الظلم لأنه مقر النائب العام محامى الشعب عضو بمجلس نقابة المحامين: المبنى رمز للعدالة مصدر أمنى: المبنى يحوى وثائق خطيرة، وهو مؤمن بعناصر من المخابرات العامة دار القضاء العالى بوسط القاهرة أحد أعرق وأشهر وأهم مبانيها، فهو يضم عددًا من الهيئات القضائية، منها: مكتب النائب العام، ومحكمتى الاستئناف والنقض، ومقر نقابة محاميى القاهرة الفرعية، وعددًا من قاعات المحاكمات، وأشهرها قاعة "عبدالعزيز فهمى"، وهو قاضٍ ومحامٍ وسياسى وشاعر مصرى، وأحد أعلام الحركة الوطنية المصرية فى الثلث الأول من القرن العشرين. دار القضاء العالي جذوره تضرب في عمق تاريخ القضاء المصري، فمنذ إلغاء القضاء المختلط بعد توقيع حكومة الوفد لاتفاقية مونترو عام 1937 أنهى هذا القضاء الذي كان صاحب فكرته نوبار باشا أول ناظر للنظار "الوزراء" في عصر الخديو إسماعيل، وأصبحت دار القضاء العالي رمزًا للقضاء المصري، بسبب المبنى الضخم، الذي بني على الطراز الإيطالي بأعمدته وصالاته الواسعة وارتفاع مبانيه، ويعد واحدًا من أجمل وأشهر قصور العدالة على مستوى العالم. كان مبنى دار القضاء العالي مقرًا لنادي الزمالك عند تأسيسه عام 1911م، حيث إنه في إطار الرغبة لتطوير وتوسيع النادي الذي بدأ يكتسب جماهيرية ووجودًا بين الشباب المصريين والأجانب لممارسة الرياضة بداخله فقد قرر "جورج مرزباخ"، وهو محامٍ بلجيكي كان رئيسًا لإحدى المحاكم المختلطة بمصر، وأحد مؤسسي نادي الزمالك المصري، بنقل مقر النادي من مكانه الأول في قصر النيل إلى مكان جديد بشارع 26 يوليو، في نفس المكان الذي بني فيه مقر دار القضاء العالي. صمم المهندس محمد كمال إسماعيل الرسوم الهندسية لمبنى دار القضاء العالي، وسافر لفرنسا للحصول على الدكتوراه في العمارة من مدرسة بوزال عام 1933، ليكون بذلك أصغر من يحمل لقب دكتور في الهندسة، تلاها بعدها بسنوات قليلة بدرجة دكتوراه أخرى في الإنشاءات وليعود إلى مصر ويلتحق بالعمل في مصلحة المباني الأميرية التي شغل منصب مديرها، وكانت المصلحة وقتها تشرف على بناء وصيانة جميع المباني والمصالح الحكومية، لتصممم يداه العديد من الهيئات ومنها دار القضاء العالي، مصلحة التليفونات، مجمع المصالح الحكومية الشهير بمجمع التحرير الذي أنشئ عام 1951 بتكلفة 200 ألف جنيه للأساسات ومليون جنيه للمباني التي بلغ ارتفاعها 14 طابقًا. يضم مبنى دار القضاء العالي مكتب النائب العام، ومحكمتي الاستئناف والنقض، والمجلس الأعلى للقضاء، ونقابة المحامين الفرعية، وهو رمز العدالة في كل مصر، يقصده المتقاضون، والمحامون، والقضاة، وتحت أسقف قاعاته نظرت أهم وأخطر القضايا، وترافع أساطين المحاماة في مصر على مدى أكثر من ثلاثة أرباع قرن. مبنى دار القضاء العالي تحول بعد الثورة إلى هدف للمتظاهرين من كل الفئات، وأصبح ملجأ لكل مظلوم ولكل صاحب حق وأصحاب المطالب الفئوية، والوقفات الاحتجاجية والتي كان أبرزها الاعتصام الذي قام به القضاة "المحالون للصلاحية" مطالبين بعودتهم، وأهم ما ميز هذا الاعتصام الخيام البيضاء التي استمر وجودها لأشهر طويلة، وفي ظروف جوية سيئة, كما شهد دار القضاء وقفات كثيرة منددة بحكم العسكر, أيضًا الوقفات المطالبة بالقصاص للشهداء التي حضرها أهالي الشهداء وحركة شباب 6 أبريل والألتراس، والذين للأسف اقتحموا مبنى دار القضاء بالفعل, كما كانت هناك وقفات مؤيدة ومعارضة، فكانت هناك مظاهرات مؤيدة لحكم الرئيس مرسي وأخرى معارضة، ووقفات مؤيدة لبقاء النائب العام السابق عبد المجيد محمود وأخرى معارضة له، وكانت تحدث مناوشات وتراشق بالحجارة بين هذه الأطراف، مما كان يسفر عن وقوع إصابات كما كانت هناك وقفات من قبل أهالي مرسى مطروح يطالبون فيها برفع الحصانة عن المستشار الزند واسترداد أملاكهم من الأراضي التي استولى عليها الزند باستغلال نفوذه حسبما قالوا، وغيرها وغيرها من الوقفات مما جعل دار القضاء رمزًا لنصرة الحقوق الضائعة. بعد ثورة يناير سقط حاجز الخوف لدى الشعب المصري، كثرت التظاهرات الغاضبة، وأصبحت جزءًا من الحياة اليومية للشعب المصري، وتحولت التظاهرات السلمية المعبرة عن الغضب تجاه شيء ما، تحولت إلى أعمال عنف يسقط فيها قتلى ومصابون، ويتم فيها الحرق والتخريب. فبعدما كان يقصده المتظاهرون لأجل المطالبة بالقصاص أم تعجيل نظر بعض القضايا، أصبح يقصده المطالبون بفرصة عمل، والذين تأخرت ترقياتهم، والذين أيضًا يتشاجرون مع زوجاتهم. أصبح المبنى "الرمز" مستباحًا وعرضة لكل من هب ودب لا من قبل المعترضين الشرفاء الذين يحملون مطالب مشروعة فقط، ولكن من قبل الغوغاء والبلطجية المأجورين، الذين شوهوا واجهاته برسومات قبيحة شوهت جدران المبنى وكلمات وشعارات خارجة، تثير الاشمئزاز. يقول "محمد كابو" - عضو بالألتراس أهلاوي - إنهم يختاروا دار القضاء وغيرها من الأماكن الحيوية لإيصال صوتهم للمسئولين القائمين على الحكم والقضاة, ولأنه رمز للعدالة ومقر "النائب العام" الذي هو محامي الشعب والذي يجب أن يسمع صوت الحق, ويعلق على اقتحام مبنى دار القضاء قائلًا: ماذا كنت تنتظرون من شباب ضحى بكل شيء في الثورة، ورأى أصدقاؤه يموتون أمام عينه، ويأتي اليوم الذي يحصل فيه رجال مبارك على براءات جماعية، وكان من مات لا قيمة له, فحين يغيب العدل لا يجب أن يلام شباب داخلهم بركان غضب. يقول محمد منصور - أحد الشباب الذي شارك في عدة وقفات أمام دار القضاء سواء للمطالبة برحيل مبارك ثم المجلس العسكري أو غيرها من الوقفات الاحتجاجية -: دون أن أدري وفور سماعي للحكم في قضية قتل الثوار الذي برأ كل من جمال وعلاء مبارك ومساعدي العادلي وجدتني أنزل من بيتي فورًا قاصدًا دار القضاء العالي، لأعترض وبشدة على هذا الحكم ولأوصل رسالة للنيابة العامة أنهم من طمسوا الأدلة أو على الأقل قدموا أدلة معيبة أدت إلى هذا الحكم, فأحببت أن أقول لهم إننا لسنا نائمين ونعلم جيدًا كيف تلعب اللعبة يأتون بأدلة منقوصة تضع القاضي في مأزق فلا تتوافر لديه الأدلة الكافية ثم أحكام جماعية بالبراءة, وأضاف لن نسكت إلا إذا تحقق مطلبنا بتطهير حقيقي للقضاء. ويقول الأستاذ عبد الله البحراوي - المحامي وعضو مجلس النقابة العامة للمحامين - إن ما يحدث في الآونة الأخيرة في ظل غياب الجهات الأمنية وعدم قدرتها على احتواء الأزمات, فضلًا عن قيام البعض بفهم الحرية فهمًا مغلوطًا بعد الثورة, يؤدي إلى مثل هذه الأحداث والتجمهر أمام دار القضاء العالي وهي ها من الأماكن الحيوية, ولا شك أن أحداث العنف تلك والسباب التي تقال أمام دار القضاء تؤثر على هيبة القضاء، ولكنه تأثير غير مؤثر، لأن العدالة من القيم التي ينبغي على الجميع أن يحافظ عليها ويعظمها بدلًا من الطعن بها، وإلا اختل ميزان المجتمع إذا غابت قيمة العدالة واستهان بالجهات القائمة عليها, والحل ليس بزيادة القوة والسطوة الأمنية لمنع الوقفات والمظاهرات، لأن النظام السابق سقط رغم العنف المفرط الذي كان يمارسه على المتظاهرين، ولكن الحل في كلمة واحدة هي "العدالة", فالأمن قائم إذا صاحبه عدالة, وكما قيل قديمًا لعمر بن الخطاب "عدلت فأمنت فنمت يا عمر". فيما قال المحامي بهاء عبد الرحمن - الأمين العام المساعد لنقابة المحامين - إن للقضاء هيبة لم ولن تمس, وما يحدث من تجاوزات أمام دار القضاء أو غيره من المحاكم والنيابات هو استثناء وصورة للطفل الذي يتجاوز نتيجة صغر عقله, وحالة الاحتقان هذه التي تترجم في عنف واشتباكات وشعارات محرضة هي نتيجة انتقالنا من مرحلة الفوضى إلى مرحلة الدولة, ولأن الثورة أسقطت نظامًا هشًا فاسدًا، فإن الغضب كبير والشعور بسرعة تحقيق عدالة منجزة حاسمة أصبح هاجسًا عند الكثيرين، فأحيانًا يترجم بتصرفات خاطئة. وبالنسبة لتأمين المبنى قال مصدر أمني إن التأمين يتكون من شقين تأمين داخلي للمبني وتأمين خارجي، والتأمين الداخلي عبارة عن أمن إداري وحراسة للقضاة رفيعي المستوى ورجال تابعين للمباحث وأجهزة الأمن المختلفة، كما أنه يشارك في عملية التأمين من الداخل أجهزة سيادية كجهاز المخابرات والأمن الوطني، نظرًا لأن المبنى يشتمل على مكاتب أرفع مناصب قضائية في مصر، حيث يحتوي على مكاتب رئيس وأعضاء المجلس الأعلى للقضاء، والنائب العام، ورئيس محكمة الاستئناف، والنقض، وأضاف المصدر أن عملية تأمين المبنى من الخارج محكمة وتقوم بها عناصر مدربة من الداخلية وإن لم يشعر بهم أحد.