لا يستحيي أحمد شفيق وهو يحاول تنصيب نفسه واحدًا من زعماء المعارضة، وما أكثر هؤلاء الزعماء، لكن ما أبعدهم عن الزعامة الحقيقية، والتأثير في الجمهور، والخروج من دوائر الوطن الفارغ، والوقوف محلك سر، أو الانجرار للماضي دون النظر للمستقبل بطرح مشروعات بديلة مقنعة للنهوض. لكي يكتسب كلام الجنرال المهزوم بعض المصداقية فأولى به ألا يواصل الهروب، بل كان عليه العودة من مخبئه بالخارج ليدافع عن نفسه أمام المحكمة في قضايا الفساد المتهم فيها ذلك أن استمرار هروبه يعني أنه يخشى المحاكمة وما يستتبعها. المعارضة والبطولة الفعالة تكون من الداخل وليس من الخارج، وتكون بوازع وطني وليس بتوجيه وتوظيف مثل الدمية للقيام بأدوار نيابة عمن يحركونها. انضم الجنرال راعي الثورة المضادة إلى جوقة الأصوات المعارضة التي تطالب الجيش دون خجل بالانقلاب على الرئيس المنتخب وعلى المسار الديمقراطي في محاكاة لتجارب سابقة في بلدان عديدة أقربها لنا تركيا وكلها باءت بالفشل الذريع وخلفت إرثًا بائسًا وكانت النتيجة مأساوية ولم ينصلح الحال إلا بعد أن رجع الجيش لثكناته وقام بمهمته الأساسية وهي حفظ أمن الوطن وتخليه عن السياسة والحكم للسياسيين والأحزاب حتى لو وصلت خلافاتهم إلى عنان السماء فلا قلق طالما أن ذلك يتم في إطار التنافس الحر من أجل المصلحة الوطنية وليس التنافس للمصالح الشخصية أو الإيغال في الخصومة إلى حد إسقاط الوطن لإسقاط السلطة كما هو حاصل الآن في مصر. عندما يستدعي أحمد شفيق الجيش فقد لا يكون ذلك صادمًا باعتباره عسكريًا سابقًا وحنينه الدائم للبيت الذي تربى فيه ولعقليته العسكرية، أما ممارسته للعمل السياسي وخوضه انتخابات رئاسية فلا يعني أنه تخلص من عسكريته بل يظل مخلصًا لجذوره وتركيبته، لكن المشكلة هي في خطاب شخصيات وتيارات تدعي الليبرالية والعلمانية تتحالف مع تيارات يسارية وفلولية لتحريض العسكر على التدخل ضد الشرعية، ومن أسف أن يدندن هؤلاء نفس المعزوفة ليؤكدوا جميعًا عدم إيمانهم بالديمقراطية، فهم لم يكونوا ديمقراطيين يومًا، ومن الواضح أنهم لن يكونوا كذلك حتى لو كانوا يتاجرون بثورة 25 يناير التي أحد عناوينها هي الحرية. هؤلاء يصدعون رؤوسنا بدروس الديمقراطية باعتبارهم دعاتها لكنهم مثل من يعبد الله على حرف فإذا جاءت نتائجها لصالحهم فهم ديمقراطيون وإذا كانت ضدهم فهم أول من يتهم الشعب بالجهل والغباء وعدم القدرة على الاختيار الصحيح وأن الديمقراطية لا تصلح له الآن، الشعب في نظرهم مازال جاهلًا ويستحق الخضوع للوصاية لأنه انحاز في خمس مناسبات انتخابية للصف الذي وقف فيه الإسلاميون، فهل الحل أن نستبدل هذا الشعب بشعب آخر؟ أم نؤجل إجراء الانتخابات لحين تعليمه التصويت على طريقتهم، أم يتم شطب الإسلاميين من الخريطة السياسية مرة أخرى، أم أن حقيقة المشكلة هي في هذا النوع من المعارضة المفلسة غير القادرة على التأثير في الشارع وإقناعه ببضاعتها المتواضعة؟ لماذا لا يعترفون بفشلهم؟ ويدركون أن ضجيج الفضائيات لا يعني الشعبية، وأن القدرة على الكلام المرتب المنمق ليس دليلًا على إمكانية نجاح صاحبه في الفوز بمقعد في مجلس محلي. هم يفضحون أنفسهم، فبالأمس كانوا ضد الدولة العسكرية ويهتفون "يسقط حكم العسكر"، واليوم يريدون عودة العسكر، ويهتف بعضهم "واحد، اتنين، الجيش المصري فين"، ويذهب آخرون لعمل توكيلات لوزير الدفاع لحكم مصر، ويقيمون مليونيات بائسة يحضرها المئات لدعم الجيش وهدفها الحقيقي تحريضه على إسقاط الشرعية الشعبية والدستورية ، أليس ذلك عتهًا، وأليس هؤلاء ينبغي الحجر عليهم؟!. لا يحق للجيش التدخل في السياسة، وتجربة عامين من إدارة المجلس العسكري للبلاد كانت غير موفقة، وتجربة 60 عاما من الحكم العسكري أنتجت دولة متخمة بالأزمات حيث تخلفت عن كل الدول التي تزامنت مع مصر في ظروفها التنموية مثل اليابان وكوريا وماليزيا وسنغافورة وغيرها لكنها حكمت مدنيا فتقدمت. هناك أخطاء يقع فيها الرئيس محمد مرسي، وحكومته عاجزة، لكن ذلك لا يعني استدعاء الجيش لأنه لن ينجح في الحكم، فتلك ليست وظيفته، وفي الوقت ذاته لا نسكت على أخطاء النظام التي قد تجر البلاد إلى هاوية، بل نصر على المسار الديمقراطي ومقاومة أي بوادر استبداد مع ضرورة أن تتحلى المعارضة بالحرص على الصالح العام وأن تتيح الفرصة للرئيس وحكومته للعمل في أجواء هادئة، ولو تطلب الأمر يوما انتخابات رئاسية مبكرة فليكن، فهذا أفضل كثيرا من عودة الحكم العسكري مرة أخرى. [email protected]